الأمير الدنماركي تكلّم بالكردية

جودت هوشيار

كتب وليم شكسبير ( 1564 – 1616 ) شاعر الإنجليزية الأكبر 38 مسرحية ، و 158 سونيته ، وقصتين شعريتين ، وبعض القصائد الشعرية . وهي كلها شعر ، ويندر أن نجد فيها من النثر ، إلا صفحات معدودات من حين الى حين . مزايا هذا الشعر وخصائصه ، والتغيير الذي احدثه شكسبيرعلى مفهوم المسرحية – حيث انتقل بها من عالم البطولات والخوارق في المسرحيات الاغريقية، الى العالم الحقيقي في عصره ، بشخوصه من الناس العاديين – هي التي جعلته يتبوأ مكانة رفيعة في الأدب العالمي ، ويصبح أدبه جزءاً مهماً من التراث الإنساني .

الذين قرءوا أعمال شكسبيرفي اصلها ، باللغة التي كتبت بها ، يدركون مدى صعوبتها ، ويعرفون إن ترجمتها الى أية لغة أخرى مجازفة ، لا يقدم عليها – أو ينبغي أن لا يقدم عليها – إلا من كان صاحب موهبة شعرية ، ومتمكناً من لغة شكسبير ، التي تختلف إختلافاً بيناً عن اللغة الإنجليزية المعاصرة ، لذا فإن معرفة اللغة الإنجليزية الحديثة ، لا تؤهل صاحبها للتصدي لترجمة أعمال شكسبير ، إذا لم يكن قادراً على فهم لغة عصر شكسبير ومصطلحاته ، والكتابة بلغة ذلك العصر ، لا بلغة عصره هو .

قد يلجأ المترجم الى الحذف المتعمد لبعض العبارات والمصطلحات في اللغة التي يترجم عنها لعجزه وعدم فهمه لها ، أو لإعتبارات إجتماعية أو دينية أو أخلاقية أو سياسية ، ولكن الأمانة لا تبيح الحذف ، حيث لا قيمة لترجمة لا تكون صورة صحيحة للأصل . وهذا يقتضي ترجمة الأصل كما هو، دون حذف أو تلخيص . وللمترجم بعد ذلك أن يسجّل ملاحظاته وتعليقاته في حواشي الكتاب الذي يترجمه .

يمكن تقييم درجة نجاح أي مترجم لأعمال شكسبير بمدى اقترابه من روح شكسبير الشعرية . وكل مترجم يترك بصماته ، وبصمات زمنه على الترجمة ، وهي بصمات تختلف من مترجم الى آخر . فالترجمات العربية مثلاً تتباين تباينا كبيرا في مدى التزامها الدقة والامانة ونقل روح المؤلف . بعضهم ترجم مسرحيات شكسبير في قالب من الشعر الموزون المقفى . وآخرون ترجموها نثراً مع الحفاظ على لغة المؤلف ، بما تشتمل عليه من صور واستعارات وتراكيب .

ولا تختلف الترجمات الروسية في تباينها ومدى توفيقها في نقل روح النص الشعري الشكسبيري ، وقد ترجمت مسرحية ” هاملت ” الى الروسية أكثر من عشرين مرة ، لعل أشهرها هي ترجمة بوريس باسترناك لهذه المسرحية شعراً ، دون الألتزام بالأصل ، ودون تمكن من اللغة الإنجليزية بالقدر الذي يؤهله لهذا العمل . لا شك أن باسترناك شاعر عظيم . و لكنه تصرف بالنص الانجليزي الى حد كبير ، واضاف اليها ما لم يرد في الاصل .وقد اعترف باسترناك ان عمله ” خيال حر حول موضوع هاملت “، وليست ترجمة دقيقة .وكل من يقارن ” هاملت ” باسترناك بالأصل الإنجليزي ، يرى أنهما عملان شعريان مختلفان .

ترجمت أعمال شكسبير الى كل اللغات الحية في العالم . وكان الشاعر والروائي صلاح بابان أول من تصدى لترجمة اعمال شكسبير الى اللغة الكردية .

ثمة العديد من الأشخاص الذين يحملون اسم ( صلاح بابان ) ، ولكن المقصود هنا ،هو الأستاذ الدكتور صلاح بابان ، الذي يقيم في المملكة المتحدة منذ حوالي 47 عاما ، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة برمنجهام ، وعمل باحثا علميا في الجامعة ذاتها لسنوات عديدة ، وهو في الوقت نفسه شاعر وروائي ، ومترجم كفء ، وعاشق كبير للأدب الكلاسيكي الأنجليزي والروسي .

المنجز الإبداعي لصلاح بابان

صلاح بابان رائد كبير ، وقد ترجم أهم أعمال شكسبير الى اللغة الكردية شعراً ، ترجمة أمينة ودقيقة ،واظهر شكسبير بمعانيه وتعبيراته ، وبصوره واستعاراته ، دون أي تحوير أو حذف أو إضافة ، وبذلك قدّم للأدب الكردي خدمة لا تقدر بثمن . ونشير هنا الى أهم مسرحبات شكسبير التي ترجمها الى الكردية شعراً ، ما عدا مسرحية ” ما كبث ” التي ترجمها مرتين ، الأولى شعراً ، والثانية نثراً فنياً ، وهذا ثبت بترجمات صلاح بابان لأعمال شكسبير :

1-ماكبث ، مطبعة كاك فلاح ، السليمانية ، 2007

2-هاملت ، مطبعة آراس ، أربيل ، 2009

3- روميو وجوليت ، مطبعة آراس ، أربيل ، 2010

4-ماكبث ( ترجمة بالنثر الفني ) ، مطبعة آراس ، أربيل ، 2010

5-الملك لير ، مطبعة آراس ، أربيل ، 2011

6-عطيل ، مطبعة آراس ، أربيل ، 2012

7-يوليوس قيصر ، مطبعة آراس ، أربيل ، 2013

وهو مستمر في ترجمة أعمال شكسبيرالأخرى الى اللغة الكردية. وقد أنجز نرجمة مسرحية ” انطوني وكليوباترة ، وهي جاهز للنشر. ولعل أفضل تقييم لجهوده في نقل اعمال شكسبير الى الكردية ، هو قيام ” المجلس البريطاني ” بإختيار ترجمة صلاح بابان لمسرحية ” هاملت ” كأفضل ترجمة لهذه المسرحية الى اللغة الكردية ، وإصدارها من جديد ب(1300) نسخة وتوزيعها . وقد أقام المجلس إحتفالاً في أربيل عام 2016 لمناسبة مرور (400) سنة على وفاة شكسبير، تم خلاله الثناء على ترجمة صلاح بابان ، وتقييمها عالياً . كما ان صحيفة ” يني صباح ” التركية نشرت خبر صدور الترجمة الكردية لمسرحية هاملت تحت عنوان ” هاملت تكلم بالكردية ” ، ونشرت وكالة ” ايتر تاس ” الروسية العالمية خبراً عن صدور هذه الترجمة تحت عنوان ” الأمير الدانماركي تكلم بالكردية ” .

وإضافة الى ترجمة أعمال شكسبير صدر لصلاح بابان باللغة الكردية الأعمال التالية :

1-ملحمة شعرية تحت عنوان ” هل تتذكرين عندما كنا صغاراً ” ، مطبعة كردستان ، السليمانية ، 2017

2- دوستويفسكي : حياته وأدبه ، دار الزمان ، دمشق ، 2018

3-رواية ” منيرة ” وهي جاهزة للنشر .

وله دراسات فكرية عديدة عن حياة واعمال عدد من مشاهير الأدب ، والعلم ، الذين لعبوا أدواراً مهمة في حياة البشرية ، وعن بعض الأديان مثل الزرادشتية والكونفوشيوسية ، لعل من اهمها ما يلي :

شكسبير ، بوشكين ، ليناردو دافنشي ، جارلز ديكنز ، ماركوس توليوس سيسيرو ، ارخميدس ، كوبيرنيكوس ، زرادشت والدين الزرادشتي ، كونفوشيوس ( كون فو تسي )

صمت جليل لمبدع كبير

يعمل صلاح بابان ، في صومعته الفكرية بصمت ومثابرة يثيران الإعجاب ، كأي مبدع كبير وحقيقي ، بعيداً عن الضوضاء والضجة الإعلامية ، فهو لا يحاول تسويق نفسه كما يفعل عديمو الموهبة. لا يقيم حفلات توقيع لكتبه ، ولا يظهر على شاشات الفضائيات ، ولا يدلي بتصريحات لوسائل الإعلام ، ولا يروج لكتبه بالوسائل التي يتقنها تجار الكلمة . أنه طراز نادر من الأدباء ، نكاد لا نصادفه في أيامنا هذه ، طراز يهمه في المقام الأول الإبداع ، والإسهام في إغناء الأدب الكردي والثقافة الكردية .

صلاح بابان هو الذي جعل شكسبير ينطق بالكردية شعراً . وكرّس لهذا العمل الهائل حوالي ثلاثة عشر سنة من عمره . وهو عمل تعجز عن القيام به ، مؤسسة ثقافية كاملة . تذكروا هذا الإسم ( صلاح بابان ) ، فالجهد الهائل الذي بذله بدأب قل نظيره ، جدير بكل ثناء وتقدير .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here