الفساد في الرأس!

محمد سيف المفتي
استغرب من حكوماتنا عندما تقف مبهوتة أمام غليان الشعب، هذا الشعب الذي نصفه بات يعيش على العنف والنصف الآخر يموت منه. المحزن في الأمر أن الحكومة ترى في نفسها صانعة سلام بينما الشعب سبب الاقتتال. وهذا مؤشر خطير على أن الحكومة لا تفهم شعبها ولا تعطيه قدره من التفهم.
لن أسهب في هذا الموضع لأنني سأبتعد عن الفكرة الاساسية، لكني سأجيب باختصار (لأن الحكومة لم تولد من رحم إرادة الشعب) الشعب والحكومة يدركون أن ممثلين الشعب على الاغلب وصلوا لسدة الحكم بطريقة إن كنا منصفين فنقول (لا تتسم بالأمانة).
هذا الموضوع يأخذنا في مسار جديد هو ديمقراطية النظام وشفافيته ولطالما هاتين الكلمتين لا وجود لها في قاموس السياسة العراقية، هذا ما جعل المواطن العراقي يشعر بأنه محاط بشبكة فساد من كل الجهات ومعززة بمؤسسة صناعة الرأي العام.
يدرك المجتمع العراقي اليوم أن كل المجالس التحقيقية في قضايا الفساد هي تسويف لهذه القضايا ويدرك تماما أن الفساد هو سمة من السلطات الأربعة و معها لجنة النزاهة عديمة النزاهة.
هذا الجزء قتل شعور المواطنة، وقتل إحساس المواطن العراقي بوجع العراق، وجعل المصالح الشخصية فوق كل الاعتبارات
الحكومة تستخف بالشعب بطريقة مهينة وتعتبره ساذج غبي وأعمى لكن الشعب مهما كان مغيبا يرى بأن الحرامي يكرم، والمقصر في أداء واجباته يحصل ترقية. ويسمع أن السرقة والرشوة اسمها تمويل العملية السياسية، أي تشريع لـ الحرمة.
ما يغيب عن فكر الحكومة المحدود أن مواقفها وسلوكياتها تؤثر على السلوك الشعبي العام وترفع من شأن قيم هدامة للمجتمع. بطريقة أخرى القرارات والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة ليست مجرد قرار، بل لكل قرار سياسي شأن بتغيير قيم وأخلاق مجتمعية.
تبني قيم هدامة من قبل السياسيين والأحزاب والفصائل المختلفة هو دعوة غير مباشرة لكي يتم تبنيها من قبل المجتمع، وستصبح بعد فترة قصيرة قيم جديدة ومتأصلة في المجتمع، وهذا ما جعل المجتمع يطلق تسمية ” مفتح باللبن” على الحرامي والمرتشي «مرتب أموره” لأقولها بطريقة أخرى.
الكذب، الدجل، السرقة، التملق نعتبرها رذائل منذ بدأ الخليقة، تبني الحكومات ودفاعها عن مثل هذه السلوكيات يعطي الشرعية للمستغل والانتهازي، والعكس صحيح، فبإمكان الحكومة أن تنظف المجتمع لو تنظفت أمامهم.
” التفاعل بين المجتمع والسلطة ذو اتجاه واحد. الشعب لا يؤثر في طبيعة السلطة وإنما تؤثر السلطة في خصائص الشعب واخلاقياته.” هذه الفكرة طرحها الفيلسوف الفرنسي هلفيتوس في القرن الثامن عشر استنتج من هذا الكلام أن السلطة مسؤولة بشكل مباشر عن محاسن المجتمع ومساوئه.
السلطة العراقية تشرع للابتزاز ويتمتع رجالها بآلاف الاستثناءات على هذا الأساس انجبت لنا نظاما فاسدا ومرتشيا في كل مفاصله. السلطة العراقية سلطة فارغة من الفكر، فكل ما قدمته لنا هو فكر فئوي، ومتعصب للمذهب والعرق والعشيرة الخ ولا وجود للعراق، ومع غياب شبه كامل للسلطة الرابعة المتمتعة بالحرية في النشر والرصد جعل المجتمع يشعر أنه محاصر بنظام فاشي
شدة التفكك الوطني في العراق لم أر ولم أسمع له مثيلا في العالم، إلا في فترات الحروب الطائفية مثل حرب البلقان. سقطت مفاهيم المواطنة من عقل الشعب العراقي فلم يعد يرى الشعب إلا بعين الفئة. في كثير من تجارب العالم المشابهة أعيدت اللحمة الوطنية بعد كارثة أو حرب ألمت بهم إلا العراق. كل هذه النكبات والكوارث لم توقف حملات الشتم والقدح في الفئة والمنطقة الجغرافية والشماتة تعمل على قدم وساق بينهم.
ولطالما لا يوجد رابط وطني فالشعور بالتضحية والايثار لأجل الوطن مفقود، لا يوجد استعداد للتضحية لأجل العراق لا بالوقت وبالمال ولا بالفكر، وألف عذر جاهز للتهرب من الواجبات الوطنية والإنسانية والأخلاقية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here