إجراءات تقليدية.. لحماية الحدود العراقية

كمال العياش

تسعى الحكومة العراقية إلى بناء سياج أمني على طول الحدود الفاصلة بين العراق وسوريا، ضمن مشروع أمني تبدأ مرحلته الأولى بتأمين عشرين كيلومترا فقط، تجربة إن كتب لها النجاح سيتم تعميمها على كامل الحدود.

في إطار الجهود الرامية إلى المحافظة على ما تحقق من مكاسب أمنية والسيطرة على الحدود العراقية لمنع المتسللين والمخربين، باشرت الحكومة العراقية ومن خلال ملاكها في قيادة قوات الحدود والأجهزة الأمنية والهندسية المساندة لها، بإنشاء سياج أمني شمال نهر الفرات وجنوبه في قضاء القائم (350كلم) غرب العاصمة بغداد، باعتبارها مناطق الزون الآمن بين العراق وسوريا التي من الممكن أن تكون نموذجا ناجحا لجدوى السياج الأمني.

السياج العازل ضمن مرحلته الأولى يمتد إلى عشرين كيلومترا بين شمال نهر الفرات وجنوبه ويتكون من ثلاثة خطوط أمنية، تتمثل بأسلاك شائكة ثلاثية تتوسط خندق عرضه ستة أمتار وعمقه ثلاثة أمتار وساتر ترابي يصل ارتفاعه الى ثلاثة أمتار، فضلا عن انتشار أبراج المراقبة المزودة بالكاميرات على طول هذا الشريط، الذي يعد اقرب نقطة التقاء بين العراق وسورية.

إجراءات وصفت بأنها تقليدية لا تتناسب وحجم خطر وتهديد جماعات داعش التي تمتلك الإمكانيات والمعدات التي تسمح لها باختراق هذه الحواجز، فضلا عن الخلايا النائمة المتواجدة في الداخل والتي تجعل من وجود هذه الحواجز دون إجراءات أمنية متطورة تكنولوجيا غير ذات جدوى، ومضيعة للجهد والوقت والمال على حساب الأمن والأمان.

يؤكد بعض الخبراء العسكريين أن تهديدات داعش المستمرة داخل العراق وخارجه، على الرغم من العمليات العسكرية المتكررة، تشير الى أن هذا التنظيم يمتلك من الإمكانيات والخطط ما يفوق بشكل كبير الإجراءات التقليدية المستخدمة من قبل الحكومة العراقية.

عبد الرحمن ياسين ضابط متقاعد احد السكان المحليين لمدينة الرمادي، تحدث لـ”نقاش” قائلا ان “هذه الإجراءات ما هي الى مضيعة للوقت والجهد والمال، وان بناء الحواجز إن كانت خراسانية أو ترابية لا بد أن يرافقها جهد تكنولوجي والكتروني متطور على طول الشريط الحدودي وعلى امتداد هذه الحواجز، فضلا عن جهد استخباراتي ومخابراتي يهدف الى التصدي لأي محاولة تسعى الى اختراق أو خرق هذه الحواجز من الداخل ومن الخارج”.

ويقول أيضا “لابد لنا كقوات أمنية نقاتل الجماعات المسلحة منذ 2003، أن ندرك أننا أمام عدو يمتلك الإمكانيات والمعدات والأسلحة المتطورة، فضلا عن التكنولوجيا الحديثة على مستوى الاتصالات والمعدات، وان تعاملنا معه بخطط تقليدية أكل عليها الدهر وشرب هو خيانة عظمى”.

مسؤولون محليون أكدوا أن هذه الإجراءات وان كان تقليدية الا أنها أفضل من ترك بوابة الحدود العراقية الغربية مفتوحة على مصراعيها أمام الإرهابيين والمتسللين الذين أصبحوا يستخدمون الطرق الصحراوية الخالية من المراقبة الأمنية ممرات سهلة وآمنة لهم.

عماد الدليمي قائم مقام قضاء الرطبة (450كلم) غرب العاصمة بغداد، تحدث لـ”نقاش” قائلا: “لا شك أن الخطر الحقيقي يأتي الى العراق من خارج الحدود وبمساندة خلاياه النائمة في الداخل، وبما أن القوات الأمنية قد نجحت في تحرير كافة المدن التي اغتصبها داعش، أصبح من الضروري الاهتمام بالحدود العراقية لاسيما مع الحدود السورية، التي مازالت تشكل خطرا وتحديا للقوات الأمنية”.

ويضيف “إنشاء سياج امني بهذه البساطة جهود لا ترتقي الى مستوى ما نطمح إليه، الا أنها تمثل محاولة تسهم في إرباك العدو وتقلل من انتشاره وتحركه داخل المناطق الحدودية، لاسيما في محافظة الانبار التي تشكل الأراضي الصحراوية الممتدة الى دول الجوار جزءا كبيرا من مساحتها”.

وبما أن مدينة القائم (350كلم) غرب العاصمة بغداد إحدى أهم مدن محافظة الانبار وعلى تماس مباشر مع حدود مدينة البوكمال السورية، فأنها المستفيد الأكبر من هذا السياج الأمني لما سيوفره لها من حماية، وان كان نموذجا مصغرا لما سيكون عليه كامل الشريط الحدودي.

احمد المحلاوي قائم مقام القائم أشار الى أن “بناء هذا السياج الأمني ضرورة ملحة وان كانت خطوة متأخرة بعض الشيء وبسيطة، الا أنها تسهم في حماية الحدود العراقية أولا وحماية قضاء القائم الملاصق لمدينة البو كمال السورية ثانيا”.

السكان المحليون في القضاء وجدوا في هذا السياج الأمني استنساخ سيئ للخطط السابقة التي استخدمت منذ عشرات السنين، والتي لم تدم لفترة طويلة، إذ اندثرت بفعل العوامل المناخية والتخريبية، وأصبحت فيما بعد متهالكة، “لا تعيق مرور حتى الحيوانات بين البلدين”.

سعدي عبد الغفور(46عاما) احد السكان المحليين والذي يمتلك ارضا زراعية على ضفاف نهر الفرات، فرح كثيرا عندما سمع عن بناء جدار عازل على الحدود العراقية السورية، على الرغم من أن هذا الجدار سيقتطع جزء من أرضه.

عبد الغفور تحدث لنقاش قائلا: “كنت من اشد المؤيدين لفكرة بناء هذا الجدار على الرغم من الضرر الذي سيصيبني من خلال اقتطاع جزء من ارضي كونها تدخل ضمن حدود المشروع، لكن عندما شاهدت هذه الأسلاك وهذه الآليات التي تحفر الخنادق، أدركت أنني أمام مشروع لن يقدم الشيء الجديد، تم إنشاؤه على مخلفات سابقة كانت في ما مضى سياج امني تهالك واندثر”.

قيادة قوات الحدود المنطقة الثانية، وعلى لسان مدير إعلامها العقيد أنور حميد، تفخر بهذا الانجاز وتعده مرحلة مهمة من مراحل السيطرة على كامل الحدود العراقية طال انتظارها، وتتطلع الى نجاح هذا النموذج لتتمكن من تنفيذ المشروع بصيغته النهائية على طول الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، بكلفة تصل الى أربعة مليارات دينار عراقي.

العقيد أنور حميد تحدث لـ”نقاش” قائلا ان “نصب هذا السياج سيكون على كامل الشريط الحدودي بعد موافقة لجان متخصصة من وزارة الدفاع وقيادة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، بعد تحديد الجدوى منه ومدى فعاليته في حماية الحدود العراقية”.

إنشاء السياج سيستغرق وقتا وجهدا كبيرين في حال تم إنجازه بالفعل ولم يتلكأ مثل باقي المشاريع في العراق وقد يفضي إلى حل مشكلات حقيقية يعاني منها العراق في مجال تسلل الإرهاب إلى حدوده.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here