التغيير ذل العباد ونهب البلاد

فراس الغضبان الحمداني

تبني الأمم المتقدمة والناهضة آمالها الكبيرة على نهضة الشباب وقدراتهم على تطوير البلاد وإزدهارها في المستقبل ، وتضع لذلك خطط وبرامج وميزانية ضخمة لدعمهم في جميع المجالات ، إلا نحن فان المليارات من الدولارات تذهب إلى جيوب الفاسدين والمفسدين ، والملايين من شبابنا العراقي لا يعرفون إلى أين سيتجهون ..! .

وربما يسأل ساءل ما الذي تريده من الشباب العراقي ، وما الذي ينقصه هذه الأيام في ظل البطالة والواقع المزري ، وهنا نقول إن الشباب طاقة خلاقة ومبدعة ، وإن بلادنا الخارجة من دمار الحروب ومرارة الإرهاب وتوارث الحصار وعنجهية المغامرات بحاجة إلى إعمار وتوظيف الطاقات الوقادة في المجالات كافة مثل التعليم والإقتصاد والثقافة والفنون والعلوم والعناوين الأخرى ، ولكن مؤثرات الواقع والتي لا تحتاج إلى دليل فهي تحت مدركات الجميع وتفصح بأن ملايين الشباب لا يجدون أمامهم طريقا سالكا لإستثمار طاقاتهم ليساهموا ببناء الوطن ، حيث كانوا يحلمون بأن قوى التغيير ستحول البلاد إلى خلايا أنشط من خلايا النحل ، ولكن التغيير ذل العباد ونهب البلاد .

فكان على الدولة إن تزج الملايين من الشباب للعمل بالزراعة ، وآخرين يعملون بالصناعة ، ومجموعات أخرى تنهض بالبناء إلى حافات السماء ، ورابعة تستصلح الأراضي وتحيي حتى الصحراء ، وأخرى تبدع في التكنولوجيا وفي بناء محطات الكهرباء وتطور الجامعات والرقي بالمؤسسات الحكومية والعلمية والطبية ، لكن كل هذه الأمور وللأسف الشديد معطلة ، ولذلك فان النتيجة الحتمية لطاقات شبابنا مهدورة في جميع المجالات ، ولم تجد حتى طريقا إلى التطوع بسلك الشرطة والجيش بدون جزية أو إرتباط للتعامل ضد الإرهاب وعصابات الجريمة المنظمة التي إجتاحت العراق .

لقد إستبشر الشباب خيرا بانهيار النظام السابق ، ولعل الأحلام وأعظم الأمنيات قد جالت في خاطر عشرات الآلاف من الأكاديميين من أصحاب الشهادات العليا المقموعين داخل البلاد أو المهجرين خارجها ومعهم مئات الآلاف من أصحاب الخبرات المهنية في التخصصات كافة ، على الحكومة إن تفتح لهم كل الأبواب لإنتزاع استحقاقاتهم في تولي المسؤولية والمساهمة في صنع القرارات المصيرية لنقل البلاد نوعيا في المستوى الذي يستحقه الشعب العراقي ، وتؤهله لذلك ثرواته النفطية الطائلة وتراكم خبراته وتوفر العقول المتخصصة والتأريخ العريق ، وهي عوامل كانت معطلة في الماضي وقد تعطلت أيضا بعد سقوط النظام لشدة الموجات الإرهابية والفوضى التي تركها الإحتلال والتي أدت إلى تكالب أعمى للسيطرة على السلطة بدون شروط أو أستحقاقات ، وكانت الارجحية للهيمنة السياسية وليس العلمية ، ونتج عن هذا الواقع حكومات متعاقبة فاسدة وغير قادرة على تنفيذ إستراتيجيات حقيقية في التنمية البشرية ، فتبعثرت جهودها وضاعت مليارات الدولارات دون إن يتحقق الحد الأدنى من الإنجاز الذي يبهر القريب ويدهش البعيد ، والسبب كما قلنا إن العقول الناضجة والخبرات المتخصصة كانت بعيدة ومهمشة وغير قادرة إن تدخل حلبة المنافسة السياسية أو إبرام الصفقات المريبة التي لا تليق بها ولا تنسجم مع تقاليدها المهنية والأكاديمية .

إن هذا الواقع المرير يحتاج أولا لمراجعة دقيقة منذ سقوط النظام والتغيير في 2003 ولحد هذه اللحظة ، والإعتراف بالحقيقة بأن الدولة أهملت الشباب لتتفرغ لصراعاتها السياسية من أجل المناصب والمكاسب الشخصية ، وضياع المليارات على مشاريع ترقيعية وصفقات وهمية وشبحية ، وعليها البدء بوضع البرامج التخصصية للقضاء على الأمية بكل أشكالها والعمل على تطوير المدارس والجامعات ودعم القطاع الخاص لينهض بالصناعة والزراعة وبقية الإختصاصات ، ليصبح عندنا مثل بقية الدول الحديثة إنتاج قومي واضح ، ومعنى ذلك توظيف جوهري لكل الطاقات والتخصصات وليس الإكتفاء بتشغيل الناس من الأحزاب والأقارب والعشائر والجزيات في الأجهزة الحكومية وبطرق تقليدية وبيروقراطية غير منتجة وجعل الجميع يستهلك ولا ينتج ويستورد كل شيء من الغذاء إلى الحذاء .

ولعل فاتحة هذه الأسئلة سؤال مهم يتبادر إلى الذهن ومفاده من هو القادر على وضع الخطط وتوجيه الأموال لإنقاذ تطلعات الشباب من أجل بناء مستقبل زاهر للعراق ، والجواب لا يحتاج إلى عبقرية فالمفروض إن يكون أعضاء مجلس النواب هم أعلى نخبة في الثقافة والعلم والتخطيط الإستراتيجي ويستطيعوا إن يحولوا الأحلام إلى قوانين ومشاريع ويراقبوا السلطة في تنفيذ هذه المشاريع على الأرض ، ولكننا نقول وبصراحة تامة وغير جارحة إن فاقد الشيء لا يعطيه .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here