الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما،

الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما، حضرموت ودورها المحوري في نقل الثقافة الاسلامية الى اقطار جنوب شرق آسيا !ح 12 (*) د. رضا العطار

تحدثنا في الحلقة السابقة عن اخبار الصحافة في بلدان الشرق الاقصى، حيث كانت قد صدرت العديد من الصحف العربية الاسبوعية – كالسلام – في سنغافورة و – حضرموت – في اندونيسيا وقد عفى عليهما الزمن بتقادمه ولم يبق منها من اُثر.

اما عن اخبار الادب والشعر، يمكن القول ان الشعر العربي في المهجر بقى على حاله كما في بلاد العرب محتفظا بخصائصه التي لا تخرج عن نطاق الغزل والمديح والهجاء والرثاء والفخر، لكنهم اضافوااليه طابعا جديدا من الشعر يعكس معاناة الغربة وما يصاحبها من الانفعالات العاطفية من الشوق والحنين ، فما هي سوى افرازات احدثتها ذكريات الوطن والحس بعز الحياة وحلاوة العيش فيه. انها كانت تظهر بشكل عبرات وزفرات وتأوهات لا وحتى النحيب احيانا.

فالبعض كان قادرا على تحملها، مشددا عزمه وحزمه على مطارحتها و مطاوعتها محاولا الصمود امام التحديات وتراكماتها النفسية والعاطفية التي ليس لها اول ولا آخر. وآخرون لم يكونوا قادرين على تحمل حياة الغربة معتبرين اياها سجنا روحيا، رغم ما اتاح لهم البلد المضيف من منافع مادية ومعنوية سخية، مضخمين معاناتهم، بأظهار الشكوى والتذمر، وقد يقوى عندهم هذا الشعور ويشتد لديهم الاحساس بالضياع وفقدان الهوية وينفذ عندهم طاقة التحمل حتى انهم يفكرون بالرجوع الى اوطانهم الأصلية حيث ارض المنبت وعش الطفولة وذكريات الماضي الجميل.

وقد تجسدت هذه المشاعر المثيرة في نفس الشاعر الشيخ ابو بكر آل شهاب، جاشت في قصيدته، عبر فيها عن حنينه الى مسقط راسه حضرموت وشوقه الحراق لرؤية وطنه واحبائه والتمتع بالاحاسيس الحميمية لمجتمعه، يخاطب فيها عياله قائلا :

على سلمى وان نأت الخيام * * من المضنى تحية وسلام
تناشدني اترجع عن قريب * * فقلت نعم وللدهر احتكام
ترى هل تجمع الايام شملي * * بها او هل لفرقتنا التئام
اليها قبلتي ولها صلاتي * * وحجي والتنسك والصيام

فشاعرالمهجرالمشرقي لا يتغنّى بالديار والاطلال انما الى منازل العرب ومجدهم قوله:

مدينة سنغافورة حين تبدو * * معالمها ترى السوح الرحيبا
ولم تسمع اذا ما طفت الا * * حماما سمجعا ام عندليبا
من ساكنيها العرب الكرام * * من المجد اكتست بردا قشيبا

تعبر هذه القصيدة عما كان للعرب في تلك الديار من شأن عظيم. والظاهر ان العرب كان لهم من الثقل الاجتماعي وقوة التأثير في المجتمع السنغافوري، كما يتحدث الشاعر عن السوح الرحيبة والسفوح الخضراء حيث يحييها المطر، لتظل ابدا خصيبة.

لم يكن الشعراء العرب في المشرق جميعهم على منوال الشيخ ابو بكر يقرضون قصائد تعبر عن معاناتهم في البعاد والحنين، انما كان هناك ايضا من يهوى ويعشق ويهيم في فتنة الجمال ويتغزل. فبيئة المهاجر في الوطن الجديد وحالته النفسية والاقتصادية والاجتماعية هي التي تحدد مشاعره وحجم السعادة التي يتمتع بها. كهذا الشاعر الذي يتغنى بحبيبته (تقوى) فيقول:

ست الحسان ! لماذا * * سماك اهلك تقوى؟
ففيك طال انتظاري * * وكادت الدار تهوى
نفسي فداك تعالي * * فالوصل كله بر وتقوى

ان الابداع الفني والثقافي ظهر في ادب المهجر المشرقي قبل الف عام قد خضع مع بالغ الاسف الى الاهمال علما ان الظروف الملائمة هناك كانت مشجعة، ولذا ظهر في محيطهم بعض النوابغ الذين ابلوا بلاء حسنا في مجالات العمل و الادب الخلاق، فغدوا اعلاما يشار اليهم بالبنان.

(*) مقتبس من كتاب دائرة المعارف الاسلامية للباحث حسن الامين بيروت 1990

. الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here