“قمة هلسنكي” آمال بعيدة عن الواقع… هل يُثبَت العكس؟!

بدأ الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين اجتماعهما المرتقب في القصر الرئاسي وسط هلسنكي عاصمة فنلندا، ويعدّ هذا اللقاء هو الأوسع والأشمل بين زعيمي القطبين منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض قبل عامين ونصف.

العلاقات بين موسكو وواشنطن باردة ومتوترة جداً وتعدّ من أكثر فترات التوتر ما بعد الحرب الباردة على الرغم من ميل قادة كلا البلدين إلى الحدّ من هذه التوترات وخلق أجواء إيجابية لحل النزاعات، وتعود بداية التوتر بهذا الشكل إلى فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، حيث جمّد أوباما في العام 2014 كل أشكال الحوار مع روسيا ووضع آليات جديدة للتنسيق بين الجيوش والمؤسسات والدبلوماسيين.

هذا الكلام لم يكن غائباً عن الرئيس ترامب الذي عزا تردي علاقات بلاده مع روسيا إلى سنوات طويلة من “الغباء” الأمريكي وما وصفه مراراً بـ”مطاردة الساحرات”، وكتب ترامب على حسابه في “تويتر” فجر اليوم قبيل انعقاد قمة هلسنكي “علاقاتنا مع روسيا لم تكن بتاتاً سيئة كما هي الآن بسبب سنوات طويلة من غباء وبلاهة أمريكا، والآن أيضاً بسبب تلفيق “مطاردة الساحرات” وهو: مصطلح أطلقه ترامب على وصف التحقيق بشأن المؤامرة المزعومة بين حملته الانتخابية وروسيا”.

وبناء على ذلك فإن واحدة من أكثر القضايا الغامضة تتمثل بنتائج محادثات ترامب وبوتين اليوم الاثنين وما سيتمخض عنها من تبعات على المستوى السياسي والاقتصادي ومستقبل العلاقات بين البلدين، وما إذا كانت ستتمكن من إحداث تحوّل في العلاقات الباهتة الحالية وفتح آفاق واضحة لتقليل مستوى الخلاف.

ما هي المواضيع التي سيتناولها اللقاء؟!

يتضمن جدول أعمال القمة الأمريكية الروسية ملفات معقّدة وشائكة على المستوى الداخلي لكلا البلدين والتي تتمثل بالمزاعم الأمريكية حول تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة والتي أدت إلى فوز ترامب بالرئاسة، وموضوع الهجمات الالكترونية التي يتعرض لها البلدان، فضلاً عن موضوع شبه جزيرة القرم والاعتراف بها من قبل واشنطن، والملف الأهم بالنسبة لروسيا والذي يتمثل بالعقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن عليها، والتي تقع أساساً خارج سلطة الرئيس الأمريكي لذلك لم يكن مجدياً الحديث عنها لكونها تخضع لسلطة الكونغرس وبحسب أليكسي سوشينيكوف مدير البرامج في منتدى الحوار الروسي (فالدي) فإن “كثيرين في موسكو يشعرون بالقلق من أن ترامب – رغم أنه يبدو توفيقياً – قد لا يفهم بشكل كامل القضايا المطروحة”.

أما على المستوى الخارجي فلا يمكن الخروج عن الحوار حول أوكرانيا ومستقبل سوريا وتطورات كوريا الشمالية التي تملك روسيا تأثيراً كبيراً في مصيرها، وكذلك إيران ومسألة الاتفاق النووي وفرض العقوبات عليها، وبكل الأحوال لا نستطيع أن ننكر بأن هناك مناخاً سلبياً يخيّم على نتائج اللقاء من قبل الأمريكيين والروس، وجميع المتابعين لهذا اللقاء، ولكن الكفّة ترجّح لبوتين بهذا الاجتماع بحسب جميع وسائل الإعلام الأمريكية والمسؤولين الأمريكيين.

لماذا يعدّ بوتين المنتصر الأكبر في اللقاء؟!

لم يسبق للرئيس الأمريكي أن كسب أي نتائج إيجابية ملموسة لمصلحة بلاده في مثل هكذا اجتماعات مهمة فكيف إذا وصل الحال به للاجتماع بالرئيس الروسي المخضرم في عالم السياسة والذي لديه إلمام بجميع الملفات السياسية والاقتصادية الكبرى مقابل جهل ترامب بكل ما ذكرناه، فضلا عن إعجابه بـ”كاريزما” بوتين، وتشير الصحافة الأمريكية إلى أن ترامب يعاني “ضعفاً تجاه بوتين”، فرغم تعليمات المسؤولين الأمريكيين بعدم تهنئة نظيره الروسي بالفوز بالرئاسة في مارس/آذار باعتبار أنها “انتخابات صورية ونتائجها معدّة سلفاً”، فإن ترامب تجاوز تهنئة بوتين لتوجيه الدعوة له إلى زيارة واشنطن.

ويركز الإعلام الأمريكي على سلوك ترامب وقراراته، وكيف أخرج من إدارته مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، وقد عرفا بحذرهما تجاه روسيا كما عمل على “إضعاف” حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي بالتصريحات أو الإجراءات، وهي كلها نقاط في مصلحة الرئيس بوتين خلال القمة.

الشرق الأوسط، سوريا وإيران

ذكرنا في بداية المقال أهم الملفات التي سيتم تناولها خلال الاجتماع، ولكن مما لا شك فيه أن أحد أهم النزاعات بين روسيا وأمريكا في السنوات الأخيرة هو أزمة الشرق الأوسط وجهود البلدين للحفاظ على نفوذهما ومصالحهما في المنطقة.

في هذا الملف، يمكننا القول بأن الغرب هدد روسيا ومصالحها من خلال العمل على إضعاف حلفاء روسيا التقليديين ومحاولة القضاء عليهم كما حدث في كل من ليبيا وسوريا، إذ تمكّن الغرب من إبعاد روسيا لمرحلة معيّنة عن المشهد الليبي بعد سقوط نظام القذافي لكنها استدركت هذا الأمر في الحرب السورية، ومنعت الجميع من إيذاء مصالحها هناك، وأوصلت رسالة للغرب برمّته بأن سوريا خط أحمر.

هذا التنافس الجيوسياسي اشتد بعد أن استفادت أمريكا وحلفاؤها الإقليميون من توسع الجماعات الإرهابية التكفيرية التي كان يمكن أن تنتشر في الفناء الخلفي الروسي في آسيا الوسطى وتنشر الفوضى حتى الحدود الروسية، لكن روسيا بقيادة بوتين أدركت كيف تدار اللعبة واستطاعت تعطيلها بحنكة وذكاء عسكري دبلوماسي مكّن روسيا من العودة إلى المشهد السياسي العالمي والانعتاق من محاولات حصارها وعزلها عن العالم.

الموضوع الثاني يتعلق بـ”إيران” ومحاولة حصارها وممارسة الضغوط عليها من الغرب لمنعها من التوسع والحصول على ميزات لا تريد أمريكا أن تكون بحوزة إيران لكون واشنطن لم تستطع أن تحصل عليها بكل عتادها العسكري والأمني وأقمارها الصناعية، وما فعلته إيران في كل من العراق وسوريا من مساعدة جيش كلا البلدين ودعم شعبيهما وتحريرهما من الإرهاب، لم يكن محطّ إعجاب الأمريكيين الذين بقوا أكثر من عقد وهم يروّجون لأنفسهم بأنهم جاؤوا لنشر الديمقراطية وطرد الإرهاب، وبالفعل تم طردهم لأنهم هم من جلبوا الإرهاب إلى هذه المنطقة، واليوم لا تريد واشنطن أن تحصل إيران على ما كانت تحلم به هي، لذلك لا بد من معاقبتها وحصارها، والعمل على إخراجها من سوريا لحفظ أمن “إسرائيل”، ولكن وبالرغم من الزيارات المتعددة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى موسكو وفرض العقوبات على الأخيرة من قبل واشنطن إلا أن بوتين حافظ على علاقاته الاستراتيجية مع طهران وأحبط كل ما خطط له في هذا المجال.

بناءً على ما تقدّم، ونظراً للانقسامات العميقة بين روسيا وأمريكا، فضلاً عن الضغط الداخلي الذي يواجهه ترامب والذي يسعى إلى تحييد أي اتفاق محتمل بين الرئيسين، فإنه من غير المتوقع أن يشهد لقاء بوتين- ترامب تحولاً كبيراً في العلاقة بين موسكو وواشنطن.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here