الكرهباء!!

الكرهباء!!
“الكهرباء عصب الحياة”
الكهرمان كلمة عرفها البشر منذ آلاف السنين وتحسس الكهرباء بسببها وأيقن بوجودها.
والكهر تعني الانتهار أو القهر، والكره من الكراهية.
وباء إليه أي رجع إليه، وباء بمعنى وافق.
ونقول باء إلى الشيء يبوء بوءا أي رجع.
وباء تأتي بمعنى أقر.
والمقصود بالكرهباء هو الإقرار بالكره أو التعبير عن الكراهية , أو الإقرار بالقهر وانتهار الآخرين إذا أبقينا على كلمة (كهر…باء) وفقا لما هو قائم في واقعنا الأليم.
والطفل عندما يبدأ بنطق الكلمات يعبر عنها بأخطاء جميلة في اللفظ ، ويبقى كذلك بعض الوقت حتى يتقن ترتيب الحروف والأصوات ويتوصل إلى النطق السليم .
وعادة يكون نطقه للكلمات الجديدة غير مضبوط وموضع بهجة وسرور في عائلته.
ومن الكلمات التي يخطأ أطفالنا بنطقها كلمة كهرباء، فيقولون كرهباء.
إستحضرت هذا اللفظ وأنا أتأمل معضلة الكهرباء عندنا حيث تتفاقم مأساتها وتساهم في معاناة الناس وشقائهم المرير , فصارت حلما وشاغلا لشعب بكامله.
فالكهرباء في بلاد الرافدين ما أضحت كما أثبتها بينيامين فرانكلن بطائرته الورقية ، أو لويجي جلفاني وضفدعته، وألساندرو فولتا وبطاريته، ومايكل فرداي وتياره ومغناطيسيته أو ثوماس أديسون ومخترعاته , وكذلك جيمس واط وأندرية أمبير وجورج أوم.
هؤلاء الذين ساهموا في إبتكار الأدوات والأجهزة التي تمكننا من إستخدام الكهرباء والتوصل إليها ومعرفة قوانينها وضوابط سلوكها لتحقيق سعادتنا وتطوير حياتنا .
وقد بدأت رحلتنا مع الكهرباء الفاعلة في حياتنا في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الوقت والعقول البشرية تسعى بقدراتها الابتكارية لتوظيف الكهرباء في بناء الحياة المعاصرة.
أما نحن فقد أغفلناها وإعتمدنا على غيرنا من أجل الحصول عليها , فما تفاعلت عقولنا لإبتكار وإستخدام مصادر الطاقة المتوفرة عندنا لإنتاجها , وإنما تقوقعنا في طريقة إستخدام مساقط المياه لإنتاجها والمياه عندنا أصبحت شحيحة وعزيزة .
في حين أن من الممكن لعقول المهندسين لو تفاعلت ووظفت أفكارها لتوصلت إلى مصادر أخرى لتوليد الكهرباء , ولإستخدمت حرارة الشمس وإستثمرتها أحسن إستثمار وغيرها من المصادر الأخرى.
وليس من المقبول أن تعجز الدولة عن حل مشكلة أصبحت بسيطة في عالم التكنولوجيا المعاصرة ، حيث يمكن معالجتها بعدد من المولدات العملاقة ، أو بإستخدام الطاقة الشمسية التي تحرق رؤوسنا وتذيب أدمغتنا وتوفر لنا طاقات الصراع الدامي.
ويبدو أن الكهرباء قد صارت نوع من السياسة ، وغدت كرهباء ، أي أنها تعبر عن كراهية الكرسي للشعب ، وقد تحولت منذ عقود ولازالت إلى وسيلة حكم لنظام يكره شعبه وينهره ويقهره بتيارات الإستبداد ومحطات توليد الطغيان والظلم والامتهان.
نعم أن الكهرباء صارت ( الكره…باء)، أي كراهية الأنظمة الشديدة للناس، والتي حققت وبائيتها العالية في مجتمعنا بإستخدام الكهر…باء لقهرنا وتنمية معاناتنا وإنهاك قوانا، لكي تتلذذ بنعمة الكراسي ومباهج السلطة والحكم من نهب وسلب وبناء قصور وعمارات في أصقاع الدنيا، إلا الوطن الذي لا تبني فيه غير المعتقلات والسجون وأقبية التعذيب والإعدامات اللذيذة الطيبة التي تشفي قلوب الحاقدين على أنفسهم وشعبهم ودينهم.
فقبل أكثر عقدين من الزمان، ومنذ أول غارة على البلاد في يوم السابع عشر من كانون الثاني عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين وإلى اليوم والشعب يعاني من مشكلة الكهر…باء ، فقد تم تدمير محطة سدة سامراء لتوليد الطاقة الكهربائية، والتي كانت تساهم بنسبة كبيرة من حاجة البلد وكذلك المحطات الأخرى، ولا يُعرف هل أنها أعيدت إلى خدمتها وتم تطويرها أم لا . وعلى مدى الأعوام الماضية أصاب الناس عناء شديد ومضني بسبب الكهرباء التي أصبحت شحيحة أكثر من شحة المطر وخواء النهرين.
فلماذا تستلطف الكراسي تحويل الكهرباء إلى كرهباء؟!
إن حرمان الشعب من الكهرباء تعبير سافر عن كراهيته من قبل الحكومة ، وتلذذها بمعاناته ، وهو عمل سادي وشراسة عدوانية لا تتفق مع أبسط القيم والمعايير الإنسانية ، فالكهرباء جزء مهم من بنود لائحة حقوق الإنسان لأنها تتعلق بتوفير ظروف الحياة الحرة الكريمة ، وتقليل المكابدة اليومية التي تستنزف طاقاته وتؤثر على قدراته في التعلم والثقافة والعطاء والرعاية الصحية والأمنية والراحة النفسية.
فهذه السياسة تعبر عن الظلامية وكراهية الأنوار، وعدم إحساس المسؤولين بمعاناة الإنسان ونكران السعي لتلبية إحتياجاته.
فلماذا يتم حرمان الشعب من حقه في الكهرباء ، بعد أن صودرت الكثير من حقوقه الأخرى ومنعت عنه الرعاية الصحية المعاصرة وفرص العمل ، وعبدت الطرقات أمامه لترك موطنه للآخرين الذين يسبحون بكرة وأصيلا بالسحت الحرام والأفك المبين والنفط الثمين.
فحرمان الناس من الكهرباء في أيام الصيف الحارقة ظلم شديد وعقوبة قاسية ، وهل يعرف دينه مَن يتنعم بالكهرباء وجاره يتضور من غيابها؟
لقد أصبحت الكهر…باء عيبا مشينا في جبين كل من يدعي الوطنية ويتشدق بالحكم والكرسي العتيد وبأخلاق قارون .
فاليوم لا يمكن إقناع أي مخلوق بأن الكهرباء عسيرة المنال وهي معضلة نلقي بأسبابها على السراب المترائي في صحرائنا المتنامية ، التي تؤكد عجزنا على إبتكار أسباب الحياة والقوة والمنعة والتقدم والرخاء، برغم ما عندنا من الثراء الفاحش، وسوء إدارة أرزاق العباد الذين يساقون إلى المجهول بسياط التضليل والخداع والأوهام وبإسم رب رؤوف رحيم كريم.
ويبقى السؤال لماذا الكهرباء مستعصية في بلاد الرافدين؟!!
وكيف لم تتمكن من توفيرها على مدى ستة سنوات ، وهل لها علاقة بإلهاء البشر وأخذ ثرواتهم وإمتهانهم؟
الكهرباء التي لا يمكن لأية قرية أو مدينة صغيرة في العالم المعاصر أن تتحمل غيابها لبضعة دقائق وليس لأعوام أو لعقد من الزمان , ولو إنقطعت عن الناس في أية دولة متقدمة لأيام قليلة فأن الشعب سيسقط حكومتها ويقوم بثورة جرارة لا تهدأ إلا بعودة الكهرباء.
فهل سنثور من أجل الكهرباء، وإنكار سياسات الكهر…باء والكره..باء؟
ولماذا لا نحقق مسيرات مليونية من أجل حقوقنا وليس لذرف دموعنا؟
وآهٍ من سياسة الكره…باء!!!

د-صادق السامرائي
*هذا المقال منشور في يوم الخميس 13\8\2009 مع بعض التحرير. 
 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here