هذه نتائج فسادكم

المظاهرات التي تشهدها المدن العراقية هي نتيجة حتمية للفساد المستشري في البلد والسياسة الفاشلة والمدمرة التي اتبعها المتحكمين بزمام السلطة بعد 2003 لحد يومنا هذا، فحرمان المواطن من حقوقه وقوته وبالمقابل نهب ثروات البلد وسلب حرية وارادة المواطن في التعبير عن رأيه وعدم تحقيق، ولو جزء يسير، من مطاليبه المشروعة ادت الى تراكم وتكدس الغضب والسخط الشعبي على الزمرة الحاكمة وحاشيتها.

الوضع العراقي المزري والمشين يشبه كثيرا وضع اهل تلك القرية الذين خسروا البقرة ووعاء الفخار معا عملا بحكمة وقرار مختارهم الحكيم، حيث يقال انه كان هناك قرية صغيرة وكان فيها بقرة يعيش سكانها من حليبها الوفير، وفي يوم من الايام كانت البقرة تشرب الماء من وعاء فخاري، ولما ادخلت رأسها وانتهت من شرب الماء لم تستطع اخراج رأسها من الوعاء، فالتم حولها اهل القرية جميعا وحاولوا جاهدين ان يخرجوا راس البقرة من الوعاء بروية وليونة للحفاظ على حياتها وفي نفس الوقت الحفاظ على الوعاء حتى لا ينكسر لكن كل جهودهم كانت بلا جدوى، وبعد ان يئسوا من محاولاتهم لجؤوا الى مختار القرية الحكيم ليحل معضلتهم، فحضر المختار الى مكان الحادث ونظر الى البقرة والوعاء طويلا وبعد تفكير عميق قال لهم: اقطعوا رأس البقرة! فقطعوه وهم صاغرين، ثم قالوا يا مختار ما زال رأس البقرة في الوعاء فماذا نفعل، فاجابهم قائلا: اكسروا الوعاء فكسروه… بعدها ذهب المختار بعيدا وجلس لوحده حزينا يبكي فجاءه اهل القرية يواسونه وقالوا له: يا مختار لا تحزن ولا تبكي فداك البقرة وفداك الوعاء ايضا، فنظر اليهم شافقا وقال: لست حزينا لا على البقرة ولا على الوعاء ولكني حزين عليكم فماذا ستفعلون لو لم اكن معكم!!

حكام ( مختاري ) العراق الجديد ومسؤوليه الكرام لا يفرقون عن مختار تلك القرية بشيء، فهم لم يبخلوا على الشعب بشيء فقطعوا الرؤوس ومزقوا النسيج الاجتماعي ودمروا الوطن الجميل لينهبوا ما يمكن نهبه وعند فوران الغضب وغيلان الالم يأتون متظاهرين بالحزن والبكاء على مآسينا ومعاناتنا وبكل وقاحة يقولون لنا ماذا كنتم ستفعلون لو لم نكن معكم!!!.

ماذا كنا نفعل لو لم تكونوا معنا؟ كنا سنبني العراق من جديد بمئات المليارات التي نهبتموها، كنا سنرسخ المحبة والسلام بين ابناء الشعب بغض النظر عن انتماءاته، كنا سنزرع الامل في نفوس اليتامى الذين فقدوا ذويهم واهلهم في الملاحقات والحروب السابقة، كنا سنوزع خيرات البلد على عموم الشعب وليس على حفنة من اللصوص، كنا سنعيد للعراق هيبته الدولية ومكانته التي هو جدير بها، كنا سنصون سيادة العراق ونمنع التدخلات الاجنبية التي تعتبر العراق كقرية من قراها!، كنا …. وكنا، كنا يا سادتنا الكرام، وبكل اختصار، ننبذ العقلية القديمة في ادارة البلد ونبتعد عن الاسلوب القديم المبني على احتكار السلطة والملاحقة والتصفية الجسدية في التعامل مع المقابل ايا كان انتمائه الديني والطائفي والقومي والفكري للاحتفاظ بالكرسي والتصرف باموال الشعب كملك شخصي.

مطاليب المتظاهرين ومطاليبهم المشروعة في توفير الماء والكهرباء وغيرها من الخدمات، والغاء الرواتب التقاعدية والمخصصات المالية الخيالية للرؤوساء والوزراء واعضاء البرلمان والحاشية كلها، والقضاء على الفساد ومحاكمة الفاسدين وسراق المال العام….. ليست مستحيلة التحقيق في وطن يطفو على الخيرات، لكن بدلا من الاستماع الى صوت الشعب والعمل على تقليص معاناته وانهائها قابلتم مظاهراتهم بالرصاص والملاحقة والتعذيب والتخويف والترويع وهذا يثبت لنا وللعالم اجمع بانكم لستم بافضل من اسلافكم في الحكم، بل ما ان اشتد عودكم في الحكم حتى بانت حقيقتكم وزيف اهدافكم وادعائاتكم وشعاراتكم قبل استلامكم لكرسي الحكم اللعين.

خمسة عشر عاما من الحكم بميزانية خيالية كانت كفيلة في ارضاء الشعب واسكاته، لان جزء صغير من الاموال المنهوبة كانت كافية لبناء محطات كهربائية، لا تغطي الاستخدام الوطني فقط بل بفائض للتصدير ايضا، وبناء محطات لتحلية الماء وتصفيتها، وتخصيص مبلغ مالي مناسب لكل مواطن عراقي، وتقديم افضل الخدمات لشعب عانى وسحق لعقود طويلة….، لكن بدلا من ذلك انشغلتم بالنهب والسلب وتذليل الشعب وتصفية المعارض والصراع على الحكم وترضية دول الجوار ناسين او متناسين ان للصبر حدود وان الظلم والخداع والتضليل مهما استمروا فلا بد ان ينتهوا يوما ما.

همسة:- اتعضوا من السوابق، فلو دامت لغيركم ما وصلت اليكم.

كوهر يوحنان عوديش

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here