ديمقراطية بلا ضوابط .. كعلاج من دون محددات

خالد الناهي
رجل كان يعاني الكبت والحرمان منذ طفولته وحتى شبابه، وعندما تزوج قرر ان يجعل أبناؤه يعيشون حياة تختلف عن الحياة التي عاشها، وبنسبة (360) درجة، لذلك أطلق لهم العنان منذ الطفولة، وقال لهم لستم ابنائي انما أصدقائي، فلكم مطلق الحرية في تصرفاتكم، والأبناء اخذوا يتصرفون على هذا النحو
كان الأب يفتخر بذلك التصرف مع الأبناء، لكن ما ان كبروا قليلا، حتى أصبحت السيطرة عليهم جدا صعبة، بالخصوص ان تصرفاتهم اخذت لا تنسجم مع الواقع او المثل الاجتماعية التي يعيشها، وكلما حاول ان ينبههم او يرجعهم الى جادة الصواب، تكون ردود افعالهم أكثر عدوانية، وتصل في بعض الأحيان الى التطاول على الأب.
اخذت تكثر مشاكلهم، وفي نفس الوقت يزدادون بعدا ونفورا من والدهم
ان شعور الأب بالحرمان لسنين طوال، جعله يعتقد ان الأفراط في الحرية هو الحل الأمثل لكي يعيش هو وأبناؤه في سعادة دائمة، لكن لا المركزية كانت كلها غير صحيحة، ولا الحرية بكل تفاصيلها اجراء صحيح أيضا.
حال الرجل وابناؤه يشبه كثيرا حالنا نحن العراقيين، فبعد سنين طوال من المركزية، وعدم السماح للشعب بالقول اه من شدة الضغط والعوز الذي يعيشه، جاء عام 2003 حاملا معه علاج لحالة الحرمان والمركزية اسمها الديمقراطية، لكنها ديمقراطية عامة، لم تمر عبر فلاتر ومنافذ قانونية تأخذ بنظر الاعتبار طبيعة مجتمعنا، وما يحمل من قيم ومثل عليا، وما فيه من ترسبات نتيجة لمركزية سنين طوال، انما اخذت الديمقراطية بشكلها العام والواسع.
أما من امسك إدارة البلد بعد تغيير النظام، هم من كانوا يعانون كبت النظام، ويشكون قسوته عليهم، لدرجة أصبحت كلمة مركزية تمثل عقدة لديهم، لذلك حاولوا عكس هذه العقدة على المجتمع العراقي، ففتحوا الباب على مصراعيه، لذلك اخذ كل شيء يدخل اليه، دون وجود أي دور للدولة في هذا الشأن، فبقي من يحصن المجتمع فقط مقدار اللقاح الذي اخذه كل شخص منا (الثقافة)
أعطت الحكومة للشعب الديمقراطية بكامل معناها، من دون ان تضع لها ما يناسبها من قوانين تنسجم مع الواقع، وفي المقابل نحن كشعب تقبلنا عطاء الدولة، بكل رحابة صدر، باعتباره العلاج الفعال الذي يشبع رغباتنا، دون ان نعي مخاطر ذلك على ابناؤنا بشكل خاص، وعلى مجتمعنا بشكل عام، فالديمقراطية بهذا الشكل، تشبه تماما شبك الصياد، يمكن ان يأتي بالسمك، وفي نفس الوقت يمكن ان يصطاد الأفاعي والديدان.
ربما المشكلة الأكبران الحكومة في الوقت الذي أعطت فيه حرية مفرطة للشعب، مسكت بكامل قبضتها على توجيه السياسة المالية والاقتصادية للبلد، ومنحت نفسها وذويها حق الفيتو في السيطرة على المواقع المهمة فيه، وكيفية ادارتها، وبالتالي مارست دكتاتورية السلطة، تحت يافطة الديمقراطية التي سميت بالانتخابات.
للخروج من هذه الازدواجية، يجب إعادة النظر بجميع ما حصل بعد عام 2003, ووضع الحلول الناجعة التي تتناسب معنا كشعب وبلد, لا التي تتناسب مع البلدان الأخرى, فلكل بلد خصوصيته, ولكل بلد ظروف تختلف عن غيره.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here