طريق الشباب (حلقة ثقافية) ـ التوسع في المعارف

* د. رضا العطار

من الاخبار الصغيرة الخطيرة التي يجب ان نوجه النظر اليها، ما ذكرته احدى الصحف الاوربية من ان شركة شل للبترول في هولنده قد منحت كلا من موظفيها المتخصصين للابحاث العلمية في مادة البترول مئتي جنيه كل عام فوق رواتبهم. ولكنها شرطت على الموظف ان ينفق هذا المبلغ في اية دراسة اخرى، بحيث لا تتصل بموضوع التخصص الذي يقوم به. اي انه يستطيع ان ينفق هذا المبلغ على دراسة التاريخ او الفلسفة او البيولوجيا او الفلك او غير ذلك.

وقد انتهت الشركة الى هذا القرار لانها وجدت ان التفكير الذي يثمر الكشف والابتكار لا يأتي عادة إلا من اولئك الذين يخرجون من المحيط الضيق الذي يقتضيه التخصص الى الافاق الواسعة. في العلوم الاخرى التي لا تمت بأية علاقة الى مادة تخصصهم. ذلك ان التخصص الذي يدرس نقطة معينة يجد في الدراسات الاخرى من الاتجاهات ما يتفاعل مع موضوع بحثه. فتختمر عنده الافكار وتنضج وتثمر تصورا جديدا. لم يكن يصل اليه لولا هذه الدراسات الاخرى.

وما اجدرنا ان نفهم العبرة من هذا الخبر الصغير. فإنه يجب على الطبيب ان يدرس الطب والتاريخ. ولو ان المهندسين الذين اقاموا الخزانات للري في بلادنا وشقوا القنوات ووفروا الماء للزراعة عرفوا الطب، لما تفشت امراض الانكلستوما والبلهارزيا.

يجب ان نتوسع في افاقنا الفكرية كي نزيد فهما للبؤرة الدراسة التي نتخصص فيها وايضا كي نستطيع بالاتزان النفسي والذهني الذي يحد من التخصص منه.
وكثيرا ما تحدنا الحرفة كما تحد القضبان الحديدية القطارالذي يسير عليها. حتى تعود حرفة الكسب كأنها سيرة الحياة. فلا نعرف من الدنيا غير حرفتنا، فهي مادة تفكيرنا، ومنتهى آمالنا وطريق معيشتنا، وعندئذ يؤدي ضيق الحرفة الى ضيق الحياة.
يجب ان نكون موسوعيين، نحاول ان نعرف كل شيء، ونطلع الى كل افق، نتعلم للحياة وليس للحرفة فقط.

* مقتبس من كتاب طريق المجد للشباب للعلامة سلامة موسى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here