عرب بين تقنيات حديثة و أخبار مفبركة

بقلم مهدي قاسم

ذات مرة كتبتُ ــ قبل سنوات ــ ما معناه وفحواه : ما أن يقترب العرب من منجزات تقنية حديثة حتى يدب فيها الفساد والانحطاط .

لقد كتبتُ ذلك قبل انتشار الفيسبوك / بل و حتى قبل وجودها ، حيث ركزّتُ آنذاك على عاملين أولهما المواد المتفجرة وثانيهما شبكة النت على سبيل المثال و ليس الحصر..

ففي الوقت الذي اكتشف الغرب المواد المتفجرة بهدف استخدمها في مجالات التنقيب عن الذهب و الفحم الحجري ولكن أيضا في مجالات شق الطرق و الأنفاق بين الجبال و تحت البحار لتسهيل تحركات التنقل بين الأمم و الأقوام والشعوب ، فقد اعتاد كثير من العرب و المسلمين ــ فيما بعد استغلال هذه المواد في عمليات تفجير بين المدنيين العُزل و الأبرياء و قتل وجرح الملايين منهم بدم بارد ، إضافة إلى تدمير الممتلكات العامة والخاصة للناس المسالمين ، سيما في العراق ناهيك عن أفغانستان وباكستان وسوريا وغيرها من بلدان أخرى .

هذا بالنسبة للمواد المتفجرة أما على صعيد شبكة النت ووسائل التواصل الاجتماعي فقد جرت عملية توظيفها من قبل السلفيين و ” المؤمنين المتشددين والجهاديين “المتحجرين لغسل أدمغة الناس بأفكار التطرف الديني و جرثومة الإرهاب التكفيري و خاصة في عمليات تجنيد الإرهابيين و حثهم على الالتحاق والانضمام إلى تنظيمات دينية متشددة وذات نزعة فاشية و إجرامية همجية ..

هذه من جهة أما من جهة أخرى ــ و هذا هو قصدنا من وراء كتابة هذه السطور ــ فقد جرت و تجري عملية استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لفبركة أطنان من أخبار ملفقة و زائفة تجري عملية الترويج لها على نطاق واسع ، طبعا ، من مصادر مجهولة حينا ومن مصادر معدومة تماما في أحيان كثيرة ، ولكن بالرغم من أنه حتى الساذج و الأبله الذي بمجرد قليل من تفكير و تحليل بسيطين سرعان ما يشعر المرء فورا كم أن هذه الأخبار ملفقة ومختلقة حتى النخاع و بكل وضوح و شروق ، نقول بالرغم ذلك فهناك أعداد كبيرة من الناس بل و حتى بعض من ” مثقفين ” معتبرين يصدّقون مثل هذه الأخبار المفبركة ، و لا يكتفون بذلك ، إنما يقومون بالترويج لها على الخاص و العام !!..

في حين لقد سبق لي أن قمتُ في مقالات سابقة لي بالتصدي لمثل هذا السلوك المهلهل والتعامل غير الرصين أو النزيه مع وسائل التواصل الاجتماعي ومع شبكة الإنترنت ، مؤكدا من خلال ذلك على أن كثرة الأخبار المفبركة والملفقة ليس فقط تشوّه الوعي الاجتماعي و السياسي و تؤدي إلى تضارب و تصادم ، على خلفيات أخبار غير صحيحة أو زائفة ، و تخلق انطباعات ومواقف غيرة صحيحة ، على حساب أخبار صحيحة ، إنما قد تضر أيضا بسمعة الأخبار الصحيحة و ذات مصداقية أكيدة وتجعلها مشكوكة في أمر صحتها حتى لو كانت صحيحة مائة في المائة ، وتاليا حتى الأخبار الصحيحة وذات صدقية تامة ذاتها ستفقد أهميتها وقوة تأثيرها في عيون الناس لكونها مشكوكة في نسبة صحتها بسبب كثرة الأخبار المفبركة والملفقة .

ولكن مع ذلك هناك بعض ممن يصّرون على الترويج لمثل هذه الأخبار الملفقة و بعضهم أخر يعلق عليها متعاملا معها بكل جدية وكأنها أخبار صحيحة و مضبوطة !!..

أمر عجيب فعلا و عصي على الفهم تماما ..

ولكن عندما نكتشف بأن الأمر يتعلق بعرب نكّف عن الاستغراب و الدهشة ..

لأنهم ما أن يقتربوا من أي منجز فكري أو تقني غربي متقدم ويأخذون بالتعامل معه حتى يدب فيه الفساد والانحطاط ! ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here