الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما، حضرموت ودورها المحوري في

الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما، حضرموت ودورها المحوري في نقل الثقافة الاسلامية الى اقطار جنوب شرق آسيا ! ح 13 (*) د. رضا العطار

كانت الهجرات العربية المتعاقبة الى ممالك الهند الصينية، هجرات جارفة حملت الاعداد الغفيرة من ابناء العروبة الى اوطان بعيدة، اتسمت بيئتها بالامن والامان والتمتع بشهرة المقام، اذ فسحت تلك الممالك المجال امام القادمين كي ينعموا بالاستقرار وراحة البال، فأظهرت لهم رحابة الصدر المتصفة بالتسامح العقائدي. فكوًنوا شعبا كثير العدد.

لكن المهاجرين الذين حالفهم الحظ ان يفلتوا من ظلم الطغاة ويتخلصوا من الفاقة الاقتصادية في بلدهم الام، سرعان ما اكتشفوا انهم يذوبون تدريجيا في مجتمعات غريبة كبيرة مع تعاقب الزمن، حتى ينتهوا اخيرا في غيبىة ابدية. فلم يبقى ما يربط الاحفاد بجذور ابائهم واجدادهم في الوطن الأم، مثلما لم يبقى لهم من الماضي الا شبح الذكريات

كما حدث لأسرة ( آل حسن) في اندونيسيا مثلا، حيث انطوت انطواء كاملا حتى اصبحت سلالتها لا تعرف الا بأسماء محلية. فغدوا يعرفون بعد اجيال بآل ساسترو.

والبلد العربي الوحيد الذي استفاد شعبه من وراء هجرة ابناءه الى مناطق الشرق الاقصى هو حضرموت، حيث عاد الابناء البررة الى وطنهم بعد اغتراب، طال امده. انهم لم ينسوا جذور منبتهم ولم يتنكروا فضل تربة وطنهم، بل انما كانوا معه دوما على اتصال روحي وثيق. يمدًونه بالمجلات الثقافية بأنتظام و التي كانت تصدر اسبوعيا في بلدان المهجر. فكانوا على بساطتهم يعرفون جيدا – ان للوطن حق عليهم – وان عليهم ايفاء هذا الحق المقدس. هكذا جلبوا معهم من بلد المهجر الاموال التي وفروها والخبرة الفنية التي اكتسبوها والثقافة التي تعلموها الى بلد الأم فساهموا بشوق ونشاط في بناء وطنهم حضرموت، البلد المتأخر شبه الصحراوي، بجهودهم الحثيثة حتى ظهرت فيها بوادر الحياة العصرية.

لكن بعد اكثر من الف سنة من تاريخ الهجرات المشرقية، بدأت هجرة العرب بأتجاه معاكس، اي نحو الغرب وتحديدا الى الأمريكيتين، شمالا وجنوبا، لكن هذه المرة انطلقت الهجرات تحديدا من بلاد الشام بما فيها سوريا ولبنان.

ومما يجلب الانتباه ان دوافع الهجرة هنا اختلفت كلية عن سابقتها، علما ان البواعث كانت تنحصر غالبا في المجالات الاقتصادية او الدينية او الاجتماعية او السياسية.

الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من كتاب دائرة المعارف الاسلامية للباحث حسن الامين بيروت 1990

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here