العراق أمام مفترق طرق, إما حكومة عراقية أو حكومة محاصصة اقليمية ودولية!

ساهر عريبي

[email protected]

تشهد الساحة السياسية العراقية سباقا محموما بين توجهين أحدهما يريد تشكيل حكومة جديدة وفقا لإرادة عراقية خالصة, فيما يسعى الآخر الى تشكيل حكومة محاصصة إقليمية ودولية يراعي فيها مصالح الدول المؤثرة في المشهد العراقي قبل أن يراعي مصالح العراق.

ويتزعم الإتجاه الأول التحالف الفائز بالإنتخابات وهو سائرون التي أثبت زعيمه السيد مقتدى الصدر طوال السنوات الماضية أنه مستقل وغير تابع لأي قوى خارجية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية , التي اعتبرها قوة محتلة للبلاد ورفض التعامل معها كما حظر على المنتمين لتياره اللقاء بأي مسؤول أمريكي.

كما وان الصدر وبالرغم من العلاقات الوثيقة التي ربطت الجمهورية الإسلامية بالمعارضة العراقية السابقة والدعم الذي قدمته لها بالإضافة لكونها من اوائل الدول التي رحّبت بالتغيير في العراق , فإن الصدر حرص على الحفاظ على استقلالية قراره السياسي مع حرصه على إقامة اوثق العلاقات مع ايران.

وأما الإتجاه الثاني فيمثله ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي حرص طوال سنوات حكمه الثمان على تشكيل حكومة محاصصة يراعي فيها مصالح الدولتين المؤثرتين في العراق وهما كل من امريكا وإيران.

فالمالكي وخلال ولايته الأولى حرص على ارضاء الجانب الأمريكي الذي كان يمتلك قوات عسكرية على الأرض , ساهمت في توطيد حكم المالكي عبر محاربة الإرهاب وخاصة تنظيم القاعدة الذي أنهته القوات الأمريكية, كما وانها وفرت دعما وغطاءا سياسيا للحكومة العراقية طوال تلك السنوات.

لكن المالكي وبعد خسارته الإنتخابات في العام 2010 لصالح القائمة العراقية برئاسة اياد علاوي المقرب من الإدارة الأمريكية ومن السعودية, خرج من تحت البسطال الأمريكي واستظل بالعباءة الإيرانية التي لولاها لم يتمكن المالكي من الإحتفاظ بمنصبه فبعد أن كانت ولايته الأولى أمريكية راعى فيها القليل من مصالح ايران وحلفائها وخاصة سوريا التي اتهمها بدعم الإرهاب وهدد برفع ملفها الى مجلس الأمن , كانت ولايته الثانية ايرانية بامتياز لم يراع فيها الا نزرا قليلا من مصالح أمريكا.

واليوم فإنه يسعى لتشكيل حكومة جديدة ليست عراقية , لإن العراقيين وضعوا عليه خطا احمرا وقد ظهر ذلك جليا في نتائج الإنتخابات التي مني بها بهزيمة منكرة بعد ان فاز ب 26 مقعدا فقط من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعدا, وبالرغم من نبذ المرجعية له وبالرغم من فشله وفساده طوال سنوات حكمه.

ومن الواضح ان تشكيل المالكي للحكومة المقبلة هو ضرب من ضروب الخيال لكن آماله لازالت قائمة لإنه يتكيء على العاملين الإقليمي والدولي, فهو يحاول عبر الحكومة الجديدة ارضاء ايران من جهة ومن جهة أخرى ارضاء أمريكا, وقد ظهر ذلك جليا بعد أن تخلى عن خطابه المتشدد ضد أمريكا الذي اعتاد عليه طوال السنوات الأخيره, لكنه اليوم وبعد ضمانه دعم الإيرانيين فإنه يحاول التقرب من الأمريكان عبر طلباته المتكررة للقاء المسؤولين الأمريكيين وخاصة السفير الأمريكي لكن كافة محاولاته باءت بالفشل. ولا يعود هذا الرفض الأمريكي للقاء المالكي لأن الإدارة الأمريكية تعتبر ان المالكي اصبح خارج اللعبة , ولكنها تريد منه أن يقدم تنازلات ملموسة كي تحقق له أمريكا المستحيل بنيله الولاية الثالثه.

وبالمقابل فإن تحالف سائرون وتيار الحكمة يسعيان لتشكيل حكومة عراقية خالصة وفقا لمبدأ الوطنية والكفاءة والنزاهة والنجاح وليس وفقا لمبدأ المحاصصة الإقليمية والدولية, لإن هذه القوى تضع مصلحة العراق فوق اي اعتبار مع مراعاة مصالح الدول المؤثرة ولكن دون تدخلها في القرار السيادي العراقي. وهكذا يبدو أن الصراع السياسي العراقي الدائر في العراق اليوم هو صراع بين إرادتين واحدة عراقية وأخرى مرتبطة بالخارج وأن نتيجة هذا الصراع ستشكل منعطفا تاريخيا لتحديد مستقبل البلاد, فهي إما ان تتحرر من الإرادة الخارجية او تظل أسيرة لها لعقود مقبلة!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here