من اجل الحفاظ على التوازن النفسي !

* د. رضا العطار

التوازن هو الحالة المتجانسة او المستقرة، او هو توازن البيئة داخليا وخارجيا، بأعتبار هذا التوازن مطلوب في الكائن الحي على المستوى الفسيولوجي والعصبي والنفسي، وفي البيئة الخارجية التي يمكن ان تؤثر على حالة التوازن في الجسم او في التوازن النفسي بشكل عام. والتوازن مطلوب ايضا للافراد والجماعات في علاقاتها التفاعلية بعضها ببعض.

يقول الباحث الامريكي – والتر كانون – من اجل الحفاظ على التوازن الجسمي و ضرورة الحفاظ على درجة حرارته وهي عند الانسان نحو 37 درجة مئوية، فان ارتفعت عن ذلك يلجأ الجسم الى ميكانيزمات من داخله تهدف الى استعادة الوضع السابق، كأن يعرق مثلا ليعمل العرق على ترطيب الجسم وقد يكون الغرض من التعرق تخفيف شدة الحرارة من خارج الجسم. واشتداد حرارة الجو قد يجعلنا نلجأ الى اخذ حمام بارد او استخدام المكيفات.

فالافعال المنعكسة هي التي يدور عليها اهتمام علماء الفسيولوجيا، بينما ينصب اهتمام علماء النفس على الانشطة التوازنية التي يلجأ اليها المتعلم كسلوك. ويتميز الانسان بانه يبذل فصارى جهده ليكون في افضل حالاته، كأن يشعل نارا اذا احس البرد مثلا او يقوم بنشاط اساسه التنبؤ بظروف مستقبلية كأن يرتحل مع بداية سقوط الامطار الى حيث المراعي.

ومن العلماء من يطلق اسم الهوميوستاز الفسيولوجي التي من شأنها ان تحمي الاحوال المستقرة. فان زاد تركيز الفيتامين مثلا قامت ميكانزمات الكليتين على تصحيحها ويبدو ان اللحاء المخي يتحكم في ذلك: كذلك يعمل نظام التوازن الارتشاحي في الدم ويتسبب عنه العطش. ويأتي العطش في الاهمية قبل الجوع، كما ان الحاجة الى الاكسجين اهم من الحاجة الى الماء والطعام معا. ومن الممكن للفرد ان يتحمل نقص الاكسجين لمدة دقائق فقط بينما يمكنه احتمال نقص الماء لمدة يومين والطعام لمدة بعض يوم.

وبعض المنبهات تستحدث اختلال التوازن او استعادته، فمثلا تعمل المذاقات الحلوة على خفض الجوع والتوتر بينما الألم يفسد التوازن بزيادته للتوتر. وايضا فان الملامسة الرقيقة تخفض التوتر عند الثدييات – – وفي الانطباع فان صغار البط بمجرد ان تخرج من البيض يتبع اول شيء يراه يتحرك امامه وتكون له عنده قيمة توجيهية موجبة ويسلك كما لو ان هذا الشيء يفسد توازنه اذا اختفى.

فالطفل مثلا يتكيف مع مواعيد التغذية اذا جعلناها كل ساعتين، فاذا زدناها الى ثلاثة ثم اربع ساعات فانه يتكيف ايضا مع المواعيد الجديدة ويشعر بالجوع بعدها. واذا تعرض لضوضاء الراديو او التلفزيون فانه ينزعج في بادئ الامر ولكنه من بعد ذلك يبدأ يألفها ويسر لها. وكذلك فان الافارقة يجدون ان درجة الحرارة في الصيف اذا بلغت ثلاثين درجة مئوية فانها تكون حرارة مثالية في الوقت الذي لا يطيق الانكليزي مثلا هذه الدرجة اذا كان الطقس في بلده عليها في الصيف. والانعكاسات الاوتونومية متعددة الاشكال تبدأ في انتقال الانسان من الحر الشديد الى الظل، وقد تنتهي في فتح الحساب في المصرف باعتباره امان للشخص، يدعمه ماليا واقتصاديا ونفسيا.

وبعض حالات التوازن تفضل البعض الاخر، ويتباين الناس في اضفاء القيمة على الراحة البدنية. والبعض يفضل الحياة العائلية الهادئة، والبعض يؤثر ان يعيش حياة صاخبة حافلة بالمخاطر. وقد تتحول صورة الذات بالفشل او بالتسخيف الاجتماعي او فقدان المكانة الاجتماعية مما تسبب للفرد ارتفاع ضغط الدم وتغيرات هورمونية، تستوجب نشاطا جادا في استعادت تكامل الآنا

وكان العالم النفسي فرويد سباقا الى القول بنظرية التوازن منبها الى ميكانزمات الكبت والاسقاط والاحلام والتبرير وغير ذلك من الوسائل التي توفر الحماية للفرد من تهديدات الاضطرابات او التي يستعيد بها توازنه، وعندما يستثار بالقلق والتوتر فانه يلجأ الى وسائل بدائية لخفض التوتر ومن ذلك الاقبال على الاكل او الشرب او الجنس.

* مقتبس من كتاب الموسوعة النفسية لعبد المنعم الحفني.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here