قراءة في بيانات البنك المركزي

ابراهيم المشهداني
تعتبر الوفرة المالية في اي بلدان العالم صغيرها وكبيرها القاعدة الاساسية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخلق الرفاهية والسعادة للناس وتخليصهم من براثن البطالة والفقر وتحصنهم من الانزلاق في عالم الجريمة شريطة وجود تخطيط علمي وحكومة قوية عادلة لتحقيق هذه الاهداف النهضوية .
وفي بلادنا، بصرف النظر عن مراحل حصلت فيها تدابير نهضوية جرى الالتفاف عليها لاحقا من خلال حروب همجية،تحققت وفرة مالية ما كانت متوقعة حتى في الاحلام لكنها ظلت محاطة بالكتمان من قبل الاجهزة الحكومية المسؤولة لغايات في نفس يعقوب وما كان من السهل الدخول في تفاصيلها من قبل الباحثين الاقتصاديين سوى الدوران حولها.
غير ان الارقام التي صرح بها البنك المركزي بوصفه المسؤول عن ادارة الحسابات الخارجية لوزارة المالية، في خطوة متأخرة جدا، كانت صادمة بحق وهي كافية لوضع المسؤولين عن ادارتها في قفص الاتهام .فظهر من تصريحات البنك المركزي ان مجموع الايرادات من العملة الاجنبية للفترة من 2005— 2017 بلغت اكثر من 706 مليار دولار امريكي وان مجموع ما انفق منها خلال نفس الفترة اكثر من 703 مليار دولار وان نسبة المنفق من الايرادات الاجنبية تشكل 99,5 في المائة من حجم الايرادات الكلي. واظهرت التصريحات ان التنقيد المالي للموازنات السنوية بلغ 488,6 مليار دولار ما نسبته 69,5 في المائة. وزاد ان الاستيرادات الحكومية عن طريق مصرف TBI بلغت 157 مليار دولار فضلا عن ان تكاليف عقود التراخيص كبدت الدولة 41,5 مليار دولار وان المدفوعات العسكرية بلغت 41,5 مليار دولار ولم يكتف البنك بعرض هذه الارقام بل زاد عليها انه في عام 2012 دخل الى العراق اعلى وارد سنوي حيث بلغ 106,23 مليار دولار واعلى انفاق في عام 2013 بلغ 97,45 ( نمو سالب (.
ان الاستنتاج الصادم المستخلص من هذه الارقام ينطوي بالأساس على عملية نهب منظم للمال العام من خلال تفاصيل الانفاق العام التي لم تظهرها احصاءات البنك المركزي، هذا اولا وثانيا عجز البرلمان عن اداء دوره الرقابي على اداء الحكومة بكل اجهزتها بل ومشاركة العديد من اعضائه في منظومة النهب وثالثا البرلمان في كافة دوراته لم يناقش الحسابات الختامية التي اكدنا عليها في هذا المكان مرارا وتكرارا عند مناقشة الموازنات السنوية . ولا شك ان وزارة المالية تتحمل المسئولية المباشرة عن عدم قيام ديوان الرقابة المالية بتحضير هذه الحسابات قبل مناقشة الموازنات لكي تتضح اوجه صرف الانفاق وآلياته مما تسببت في سرقة واهدار المال العام ان هذه العيوب وان اخفتها الاجهزة الحكومية فان رائحة فسادها ازكمت انوف ملايين الشباب العاطلين عن العمل وتسببت في فقر الخدمات لدرجة انعدامها احيانا مما ساهم في نضج حركات الاحتجاج المليونية منذ سبع سنوات ادارت لها الحكومة ظهر المجن .
ان اية حكومة جديدة تخرج من خيمة الانتخابات الاخيرة مدعوة الى ان تأخذ كل هذه الحقائق بعين الاعتبار في برنامجها المقبل وخاصة كيفية ادارة الموارد المالية المتوافرة حاليا او التي سترد في المستقبل ومتابعتها بحرص عال والا سيكون مصيرها على المحك مما يتوجب عليها اتخاذ اجراءات حازمة في اوجه عديدة نذكر منها :
1. تفعيل دور الاجهزة الرقابية في تشديد عمليات الرقابة على حسابات الدوائر الحكومية وعرض تقاريرها على الحكومة ومجلس النواب تمهيدا لعرض ملفات الفساد والهدر المالي على القضاء العراقي بدون تأخير .
2. لزوم قيام البرلمان بدراسة الموازنات السنوية على اساس البرامج بالارتباط مع دراسة الحسابات الختامية للاطلاع على طريقة واوجه صرف الانفاق العام المقرر في الموازنات السنوية التي قبلها .
3. قيام البنك المركزي ووزارة المالية بكشف الاحصاءات المالية للراي العام من ناحيتي الايرادات والنفقات اولا بأول واتاحة المعلومات للباحثين في الشأن الاقتصادي من الاكاديميين والدارسين ومراكز البحث العلمي .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here