في ادب الحياة ـ على المسن ان يجاري مشاعر شباب العصر !

(*) د. رضا العطار

يمتنع الشبان مجالسة الشيوخ, اعتقادا منهم بان هؤلاء قدماء بعيدون عن روح العصر، اذا قعدوا نعوا على الشبان والفتيات عصريتهم التي ينعتونها بانها تبذل او حتى تهتك. والشيخ في نظر الشباب محافظ, يبالغ في محافظته الى حد التخلف و الرجعية. والشاب في نظر الشيخ حر الى حد الانحلال. ومن هنا يحدث التصادم بين الفريقين, والذي نلاحظه بين الحين والاخر في مقالات بعض المجلات الاسبوعية ما يبعث على التسلية، فالشيخ يطلب من الشباب الرزانة والوقار وتغطية الساقين والفصل بين الجنسين. بينما الشباب يرغب في الاختلاط والحرية والانطلاق.

ولست هنا في صدد الدفاع عن احد الفريقين ولكن مما لاشك فيه ان المسنين اذا اهملوا انفسهم تخلفوا، ويبدوا تخلفهم عندئذ في كل شئ تقريبا. في عادات التأنق المادي والفكري وفي اهمال الاراء العصرية السياسية والاجتماعية بل لقد لاحظت بنفسي ان بعض الشيوخ يلتزمون اللغة التي كانت مألوفة في ماضي الزمن. ولا يعنون بأتخاذ الكلمات الحديثة وهذا واضح حتى لدى بعض الصحفييين القدامى.

اودُ ان اصارح القارئ الكريم الى اني اعزف في مقالي هذا على نغمة التطور.

اي التجدد الذي لا ينقطع. وهذا التجدد جدير بأن يجعلنا على دراية والفة بالاراء العصرية حين نناهز الستين والسبعين فنجاري مشاعر شباب العصر الحديث ونفكر بأساليبه الجديدة التي اقتضتها ظروفه.

والجدير بالذكر ان الرموز اللغوية والتفكيرية والعقائدية في السياسة والادب والاجتماع تعدوا غريبة على المسن خاصة لو لم يكن متعلما ولم يحاول الاستفادة منها, فأنه يقطع الصلة بينه وبين الجيل الجديد. فيكره الشبان مجالسته ومحادثته فيقاطعونه هم بدورهم. ويجد هو من هذه الحالة ما يوهمه الاحتقار والنبذ والاطراح.

واعظم ما يصل بيننا و بين روح العصر هو الاتصال المستمر بالجريدة اليومية والمجلة والكتاب, فان المسن في حاجة الى الاطلاع والاختلاط حتى لا ينزوي وينعزل زاهدا مقتصرا يجتر ايام الصبا والشباب اجترارا عقيما، والمسنون عندما يختلطون بالشباب ينتفعون بما يكسبون من معارفهم الحديثة وتطلعاتهم. ثم هم يزدادون منفعة للشباب، لأنهم يستطيعون المقارنة بين الجديد والقديم. فيلقون لهم اضواء ايجابية تنير وتفتح بصائرهم نحو المستقبل.

وكثيرا ما تغرس العادات الاجتماعية في نفوسنا عواطف لها قوة الغريزة الطبيعية حتى ليشق علينا مخالفتها، اني استذكر اواخر الثلاثينيات من القرن الماضي حين شاهدت شابا كان يسكن محلّتنا, قد حلق شاربيه . ولم اكن قد رأيت مثل هذا المنظر من قبل، اذ كنا في العراق نعد الشوارب عنوان الرجولة. فلما تأملت الرجل شملني غثيان و اصبح موضوعه حديث ساكني الزقاق، والان لا نكاد نرى رجلا لا يحلق شاربيه.

وكذلك عندما شاعت عادة الاستغناء عن الجواريب بين الفتيات والسيدات هب كثيرون من المسنين في ذعر، كأن الحياء قد انمحى من الدنيا. والان نرى الارجل العارية قد عمت البلاد فلا ينظر اليها احد. وما يحدث في الزي والملبس يحدث في الافكار والاراء والعقائد كذلك. وعلى المسن ان يحتفظ بقدرته الذهنية ويتقبل الاراء العصرية برحابة صدر ولا يقف ناعيا جامدا ساخطا. فأن الدنيا لا تنهار في حلق الشارب او ترك الجواريب او لبس المايو في المسبح. ان الشيخ المسن حين يصر على محافظته وجموده لا يجد من الشباب غير التجنب والامتعاظ مع انه في حاجة روحية الى الاختلاط بهم, كما انهم هم في حاجة ايضا الى الاختلاط به.

يجب ان تكون لنا نظرة ميكانيكية، الية للصحة . نفحص اجسامنا مرة واحدة كل سنة, حتى لو لم نكن نشكو شيئا. للتأكد من سلامة صحتنا. فكثير من الامراض تجري مختبئة غير ظاهرة ملموسة. فعن طريق الفحص الشامل يمكن ان نقف عليها ونعالجها.

* مقتبس من كتاب حياتنا بعد الخمسين للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here