لا إصلاح ولا إعمار بلا معارضة قويّة

ساهر عريبي

[email protected]

تتصاعد هذه الأيام الدعوات لتشكيل حكومة جديدة من الكتل ”الفائزة“ في الإنتخابات , وهو مصطلح طارئ على الممارسات الديمقراطية , ففي كل انتخابات هناك فائز واحد وهو من يحصل على المرتبة الأولى وأما الكتل والأحزاب الأخرى فهي فائزة بمقاعد في البرلمان وليس بالإنتخابات.

إلا أن هذا المفهوم الجديد يجري تسويقه في العراق هذا اليوم بهدف تشكيل حكومة تضم جميع الكتل الممثلة في البرلمان, وهي سابقة يندر حصولها في الأنظمة الديمقراطية التي عادت ما تتناوب على الحكم فيها أحزاب تارة تتربع على كرسي الحكم وتارة تجلس على مقاعد المعارضة, وإن حصل وتشكلت حكومة وحدة وطنية فإن ذلك يقع عند تعرض البلاد الى خطر كبير مثل الحرب, واما بغير ذلك فلايمكن تشكيل حكومة من أحزاب وكتل تمتلك برامج ورؤى مختلفة لإدارة البلاد.

فلايمكن مثلا في العديد من الدول الغربية تشكيل حكومة تضم الأحزاب اليمينية واليسارية معا, نظرا لإختلاف برامجهما ورؤاهما في إدارة البلادة, ففيما يسعى المحافظون الى تقليل الضرائب على أصحاب الشركات وتقليل المنافع الإجتماعية يسعى الإشتراكيون الى العكس من ذلك. ولذا فيصبح تشكيل مثل هذه الحكومة مستحيلا حتى لو تقسيم المناصب الوزراية بين الطرفين.

وأما في العراق فبالرغم من أن البلاد مثقلة بالأزمات من خدمية واجتماعية وأمنية وتعليمية وغيرها, فإن هناك تكالب على الإشتراك في الحكومة! بالرغم من المهام الجسيمة التي عليها النهوض بها , لكن القوى التي تروج لمشروع حكومة تمثل القوى الفائزة لا يبدو مهتمة لتلك الأزمات, لأن الهدف من المشاركة في الحكومة ليس حل الأزمات بل تقاسم المناصب والإمتيازات وموازنة الوزارات.

فالعيون ترنو اليوم نحو الوزارات الدسمة من داخلية ودفاع ونفط ونقل وتعليم وصحة وكهرباء وغيرها, مع ان المهمة الملقاة على عاتق هذه الوزارات ثقيله. لكن الكتل صاحبة هذا الطرح لاتبدو آبهة لذلك, بل إنها لم تطرح أي برنامج بسقف زمني محدد لإصلاح الأوضاع في كل قطاع في البلاد, وهي لاتريد تولي كفاءات مستقلة للمناصب بل لابد من تولي سياسيين ”أغبياء“ إدارة الوزارات, في تكرار فجّ لتجرية السنوات الماضية.

وقد يدافع أصحاب هذا الرأي مدّعين أنه في ظل غياب الأحزاب والكتل الوطنية العابرة للطوائف والقوميات فلابد من تمثيل مختلف المكونات , وهو كلام سليم, لكن هذا لايعني تمثيل جميع القوى الشيعية السياسية المتنافرة او السنية او الكردية, بل أن تشكل بعض القوى من كل مكون الحكومة فيما تجلس القوى المتبقية على مقاعد المعارضة لمراقبة أداء الحكومة ومحاسبتها واستجواب رئيسها ووزراءها, فهذه الآلية المعتمدة في الأنظمة الديمقراطية ترفع من اداء الحكومة وتقلل من الفساد لأن الحكومة تشعر بان هناك من يراقب عملها ويخضعها للمساءلة, وهي بذلك تخشى سحب الثقة عنها وتشكيل قوى المعارضة لحكومة جديدة, او أن يتم تعريتها امام الشعب الذي لن يدلي بصوته للكتل التي شكلتها في الإنتخابات المقبلة.

لقد اثبتت تجربة السنوات الماضية التي شكلت فيها جميع الكتل الحكومات المتعاقبة, ان مثل هذا النموذج لم ينتج الا الفساد والفشل والويلات. فقد فشلت كافة المحاولات لإستجواب رأس الحكومة وسحب الثقة عنه, كما فشلت كافة محاولات محاربة الفساد لأن الكتل تغطي على فساد وزراءها وتهدد الآخر بفتح ملفات فساده وهكذا يصمت كل واحد على فساد الآخر وتخضع عمليات المسائلة للتسييس حيث تتفق الكتل على الغلق المتبادل لملفات الفساد, مستغلة غياب المعارضة القوية التي تراقب الأداء الحكومي.

وأما حل معضلة تمثيل المكونات فيمكن عبر تشكيل حكومة من قوى تمثل كل مكون فيما تترك القوى الأخرى من كل مكون تجلس على مقاعد المعارضة, ولاشك أن هناك قوى تربعت على سدة الحكم طوال السنوات الماضية وهيمنت على مفاصل البلاد الساسية من عسكرية وأمنية واقتصادية واعلامية مخابراتية وقد أثبتت فشلها الذريع, فمثل هذه القوى آن الأوان لجلوسها على مقاعد المعارضة فلم يعد هناك متسع من الوقت لتجريب مثل هذه القوى المجربة والفاشلة. وإن مثل هذه القوى موجودة في كل مكون فينبغي لها الجلوس على مقاعد المعارضة.

ولذا فإن كل حزب أو كتلة تطرح مشروع تشكيل حكومة من جميع الكتل الفائزة بمقاعد في البرلمان فهذا يعني أنها تسعى للفساد ولا تنظر الى الحكومة الا كمغنم وكعكة ينبغي تقاسمها, ويظهر ذلك جليا عبر حشد الكتل المختلفة والمتنافره عبر إغراءها بالمناصب . إن مثل هذا النهج لن يؤدي الا ترسيخ الفساد وضعف أداء الحكومة واستمرار الأزمات التي تعاني منها البلاد. ولا شكل ان مثل هذا النهج يتعارض مع توجيهات المرجعية الرشيدة التي دعت تشكيل حكومة قوية برئيس شجاع وحاسم تتولى معالجة ملفات البلاد الشائكة.

إن خيار تشكيل حكومة من قوى منسجمة ومتفقة على برنامج يهدف لمحاربة الفساد وإعمار البلاد وحل أزماتها, يقع بشكل أساسي على عاتق القوى السياسية الشيعية المطالبة بتشكيل نواة للكتلة الأكبر . فإن اي جنوح لهذه القوى لتشكيل تحالف يضمها جميعا أي سائرون والفتح والنصر دولة القانون والحكمة, فهذا يعني أنها بصدد تقاسم الحكم وترسيخ الفساد والفشل وتعميق الأزمات وحينها لايلقى اللوم على القوى السياسية الأخرى.

واما لو اتفقت بعض هذه القوى الشيعية المنسجمة على تشكيل نواة للكتلة الأكبر وتركت القوى الشيعية الأخرى تجلس على مقاعد المعارضة فستكون مهمة ضم أطراف من المكونات الأخرى وترك اخرى تجلس على مقاعد المعارضة ستكون يسيرة, وبغير ذلك فإن العراق سائر نحو الهاوية وستتحمل القوى السياسية الشيعية النتائج الخطيرة المترتبة على مثل هذا النهج , واولها هي الثورة الشعبية التي لن تتوقف هذه المرة إلا بالإطاحة بهذه الطبقة السياسية التي لاهم لها سوى تقاسم النفوذ ونهب الثروات.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here