منظّمات إغاثة: أطفال المناطق المحرَّرة يواجهون تحدّي الخلاص من الصدمات النفسيّة

ترجمة: حامد أحمد

الطفلة رهف 10 سنوات، من غرب الموصل، لا تستطيع أن تتحدث عما سببته الحرب التي تركتها يتيمة وقتلت صديقاتها وسلبتها طفولتها، ولكنها يمكن أن تعطيك نظرة من عينيها الطفولية تفصح عن التراكمات النفسية والآلام والضياع الذي يعانيه جميع الأطفال في مدينتها المنكوبة. حيث تقول: “أنهض من النوم وأشاهد الحرب يومياً. لا أريد أن أعيش أيام الحرب مرة ثانية .”
بعد سنة من استرجاع الموصل من تنظيم داعش بدأ العمل بجهود إعادة الإعمار في المدينة. رغم ذلك فبالنسبة للاطفال الذين يحاولون إعادة بناء حياتهم ويتأقلمون مع الخسارة ويبقون في مواصلة الأمل بالمستقبل الذي تعتمد عليه مدينتهم، فإن الاستجابة تجاه هذا الأمر ماتزال تبعث على السخرية حتى الآن .
بينما تركز منظمات الإغاثة والحكومة العراقية على إعادة إعمار مدن خربتها الحرب، فإن الاحتياجات النفسية الاجتماعية لآلاف الأطفال الذين عانوا من صدمات نفسية، ماتزال مهملة ولا تحظى باهتمام .
الدمار طال غرب الموصل بشكل غير منصف. عبور الجسر الحديدي القديم المار فوق دجلة الى الجانب الغربي من الموصل يذكّر بمشهد من مشاهد ستالينغراد (أعتى معارك الحرب العالمية الثانية). إنه المكان الذي كان الموطئ الأخير لتنظيم داعش في الموصل. أحياء بأكملها تحولت الى خراب خلال حرب دامت تسعة أشهر وصفها مسؤولون أميركان بأنها أعنف معركة مدن منذ الحرب العالمية الثانية .
إلقاء نظرة على حجم الدمار يعطي المرء نظرة على الرعب الذي عايشه المدنيون أثناء المعارك. من المستحيل معرفة عدد الذين قتلوا أو جرحوا بسبب القناصين والعجلات المفخخة. الشيء الواضح هو أن كثيراً من الأطفال خرجوا من تجربة المعارك العسكرية سبقتها ثلاث سنوات تحت حكم داعش، وهم محمّلون بجروح وآثار نفسية عميقة .
في مخيّم حمّام العليل للنازحين من منطقة غرب الموصل التقى الناشط كيفن واتكنز، من مؤسسة انقذوا الأطفال Save the Children ، البريطانية بالطفلة عائشة 12 عاماً. لقد شاهدت أمها وهي تقتل بشظيّة انفجار قنبلة. عائشة تعيش الآن بكنف عمتها التي فقدت ابنتها وأخويها ووالدها. عمّتها انهمرت بالبكاء وهي تصف مكافحتها لمواكبة الحياة .
وكما هو الحال مع أكثر من 300 ألف طفل من غرب الموصل ما يزالون يعيشون في المخيمات، فإن عائشة لاتذهب الى المدرسة، حيث حرمت من فرصة يمكن لها أن تستعيد شيئاً من الحياة الطبيعية .
لا يمكن للمرء أن يستوعب تأثير الوضع النفسي على الاطفال، ولكن في استطلاع جديد قامت به مؤسسة انقذوا الاطفال، فإن مايقارب نصف الاطفال تقريبا شخصت لديهم حالة الشعور بالحزن على شكل دائم أو معظم الوقت، 9% من الذين أجريت لقاءات معهم شخصوا على أنهم قادرون على التفكير بمصدر للسعادة في حياتهم، في حين اعتبر 25% فقط من الاطفال بأن المدرسة مكان أمان .وما يثيرالاستغراب في ذلك هو أن معظم مدارس المدينة مدمرة .
أحد أكثر نتائج الاستطلاع إنذاراً بالخطر هي الدرجة التي يحاول الاطفال عندها مواكبة الوضع والتأقلم معه، إذ كشف الاستطلاع بأن أغلب الاطفال غير قادرين على التحدث مع الذين يرعوهم بخصوص أوضاعهم النفسية. وقالت يسرى سيماش، وهي إحدى الذين شاركوا في إعداد الاستطلاع: “هؤلاء الأطفال معرّضون لخطر شديد للإصابة بأزمات أخرى ومشاكل مزمنة بالصحة الذهنية.”
كل هذه الأمور تثير تساؤلات جوهرية حول كيفية التفكير بخصوص إعادة الإعمار. إعادة إعمار البنى التحتية والمنازل لا يكفي إذا لم تكن هناك جهود متزامنة لإعادة بناء ما هو أهم، وهو مساعدة الأطفال الذين يعانون من أزمات نفسية بسبب الحرب للتأقلم مع واقعهم الحالي لإعادة بناء حياتهم من جديد .
ما مطلوب الآن هو أن على المنظمات الإنسانية بضمنها مؤسسة انقذوا الأطفال، أن تعمل معاً لإجراء تقييمات للبنى الاجتماعية النفسية في مناطق مثل غرب الموصل ومناطق قتال أخرى. تحديد حجم المشكلة هو خطوة أولى نحو تقدير حجم المتطلبات المالية والمؤسساتية لمعالجتها وعلى منظمات دولية مثل اليونسيف والبنك الدولي أن تتولى الريادة في هذا المجال بالتنسيق مع الوزارات الحكومية .
في الواقع إن المساعدة وحدها لن تكون كافية لحل هذه الأزمة التي تواجه أطفال العراق. ولكن وجود تدفق يعتمد عليه من المعونة قد يساعد في تمويل عمال إغاثة مدربين ومدرسين ومنظومات إسناد تنقل عبر مدارس ومراكز التعليم المبكر والرعاية المنزلية .
تخصيص ما نسبته 0.5% فقط لإسناد الرعاية النفسية والتربية من مجموع 30 مليار دولار خصصت لإعادة إعمار العراق ستوفر 150 مليون دولار فقط .
قصّة الطفلة رهف تعكس ما يعيشه الأطفال في العراق وسوريا واليمن ومينمار. لايمكننا محو الأضرار النفسية التي سيحملها هؤلاء الأطفال طوال حياتهم. ولكننا يمكن أن نبدأ بالاعتراف بأن هناك المزيد علينا أن نفعله إزاء معالجة جروح ما بعد الحرب، أكثر مما أن نركز فقط على إعادة إعمار جسور وطرق وبنايات .
عن: صحيفة غارديان البريطانية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here