الانسان وفضائل الاخلاق !

(*) د. رضا العطار

عاش الأنسان على وجه الأرض وكان هاجسه الوحيد هو تحقيق اعلى درجة من الأطمئنان والأمان لنفسه ولأسرته. ووضع لذالك نظاما وقائيا يحمي نفسه من اخطار الأخرين فكان محور اهتمامه هو الحفاظ على ذاته.

وتجنبا لمخاطر الطبيعة والكائنات الحية ومن ضمنها الأنسان فقد انخرط معها في صراع دائم. ومما زاد من هواجسه, هو عنف الأنسان ضد اخيه الأنسان.

وعنف المجتمعات البشرية ضد المجتمعات الآخرى من بني جنسهم، ناهيك عن عنفه ضد البيئة والطبيعة. وقد مارس الأنسان وسائل العنف المادي تارة والعنف الفكري تارة اخرى لتحقيق غاياته وبذالك تعرض التطور الحضاري والقيمي والتقني نتيجة لهذه الممارسات الخاطئة الي الدمار. وفي كل الحالات استخدم الأنسان العواطف الضارة كالاستياء والحسد و الحقد والكراهية و المنافسة والطمع في ممتلكات الاخرين، كدوافع بغيضة للدخول في المعارك والحروب.

والتاريخ حافل في استخدام الأنسان اغرب اساليب العنف سواء على مستوى الفرد او الدولة. وان ما يثير الدهشة هو ان صورة العنف اصبحت اكثر شدة رغم ان دعاة السلم يدعون الأنسان الي الركون للعقل. وقد حث الدين ألأسلامي المؤمنين ان يذكروا الناس بفضائل الاخلاق، وفي مقدمتها عدم استعمال العنف مع الاخرين فكانت لها قواعدها واصولها في سلوك التطبيق ضمن حدود القانون.

فالقانون ينظر الى العنف من زاوية، اما الأقتصاد فينظر اليه من زاوية اخرى، وكذلك الحال مع علم النفس. فالعنف هو لغة التخاطب الأخير لدى بعض الجماعات بعد ان تترسخ لديهم القناعة في عدم جدوى الاقناع . انذاك يلجأون الي استعمال العنف اعتقادا منهم انه سيحقق لهم ما يبتغون.

يمكن القول ان مصطلح العنف قد استعمل رسميا اول مرة بمفهوم سياسي ابان الثورة الفرنسية ومورس من قبل رجالها من امثال – روبسبير – الذي كان يرى ان قتل الطغاة من رجال السلطة المستبدة ومن والاهم شرعية ثورية. فكان يصدر هو ومن معه احكامهم، وهم على اقتناع تام بأنهم يمثلون وجدان الشعب و ان ارادتهم كافية، فكانوا هم بمثابة المحكمة والقاضي والقانون، اما سلطتهم التنفيذية فكانت متمثلة في المقصلة.

تفسر ظاهرة العنف بخمسة نظريات، الأولى تؤكد على التحليل النفسي لسلوك العنف في ايذاء الغير او ايذاء الذات عن طريق العنف العضلي او العنف الفكري. وحسب راي العالم النفساني المعروف فرويد ان الأنسان يسلك وفق غريزتين، فأما يتمثل في عمليات الهدم والكراهية والعدوانية تجاه نفسه، فيتولد منها تدمير الذات بتعاطي المخدرات او بالأنتحار، او يتولد منها الرغبة في تدمير المجتمع من خلال اعمال العنف والأغتصاب والجريمة، وهذه النظرية بدورها تنحصر في ثلاثة نقاط .

فأما ان يكون احساس الفرد بالدونية، متصورا ان المجتمع يحتقره او باعتقاده بان حياته مهددة بالخطر او شعوره بالأحباط الذي وقع له في ماضي الزمان , فيختل توازنه النفسي والأجتماعي ويتلاشي عنده التزام بمبادئ فضائل الأخلاق.

والنظرية الثانية تقول ان سلوك الأنسان مكتسب يأتي عن طريق المعاشرة خلال حياته . و النظرية الثالثة تؤكد بان سلوك الأنسان يصبح عدوانيا اذا افتقد احدى متطلباته الأساسية في الحياة وهي حاجة الأكل و حاجة الأمان و حاجته للقبول الأجتماعي و حاجته لأحترام الأخرين له واخيرا حاجته للأبتكار.

اما النظرية الرابعة فتتعلق في الجانب الديني، وعلينا ان نعرف ان لمصطلح العنف لامكان له في القران الكريم. هكذا تتجلي ارادة الخير في الأسلام الذي يدعوالناس الي نبذ العنف والتوجه الي عبادة الأله الواحد الاحد، بغية توحيد الصف والكلمة والأرتباط بعقيدة واحدة تجعلهم متأخين مع بعضهم لكن هذه الأماني لم تتحقق دوما في كل مكان بسبب اختلاف المذاهب حتى ان الأنسان يعادي اخاه الأنسان لمجرد انه يخالفه في الرأي، والتاريخ يخبرنا كيف ان السياسة كانت دوما هي الحطب الجزل لنيران التفرقة بين بني الأنسان كما عبر شاعر البشر ابو العلاء المعري عن هذه الحقيقة المرة قوله :

ان الشرائع القت بيننا راصنا * * وعلمتنا افانين العداوات

اما النظرية الخامسة فأنها تتعلق بالسياسة التي تعترف بعنف الدوله المنظم ولا تعترف بعنف الأحزاب المعارضة التي تنظر الي العنف الوسيلة الفعالة لتحقيق مطامحها في تغيير بنية الحكومة القائمة او تغيير نظامها السياسي كأدنى مطلب.

و دوافع العنف اما ان تكون شخصية او سياسية او اجتماعية او اقتصادية.

فالدافع الشخصي يقول بان الدولة تستعمل اسلوب العنف لأخضاع جماهير الشعب اذا تمردت لكنها تتهم شعبها بالأرهاب اذا استعمل ضدها اسلوب العنف نفسه لبلوغ اهدافه، ولذا يعتبر العنف معيار سياسي ذو بعدين فهو قابل للتأويل في الأتجاه الأيجابي او السلبي .

والدافع الاجتماعي يقول بان الانسان يتأثر بمحيطه مثلما يتأثر بسلوك مجتمعه الذي يرسم ويحدد له اطر الحياة وهذه تكون عادة عبارة عن مجموعة معايير وقواعد سلوكية يستعملها الأنسان في تعامله مع الأخرين فهناك استراتيجيات كالفروسية والقسوة المتناهية والتحمل الشاق ضمن برنامج التدريبات العسكرية التي تجسد امام المواطن صورة العدو المفترض وتهيئه للأنقضاض عليه وتدميره والملاحظ ان مثل هذه الأساليب العنيفة ظهرت في بعض الثقافات الرسمية بشكل واضح , كحالة المانيا النازية، قبيل الحرب العالمية الثانية.

* مقتبس من كتاب افكار ومواقف لمؤلفه الامام عبد الفتاح امام مكتبة مدبولي ميدان طلعت حرب القاهرة 1996

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here