حب في زمن الحرب

——————- ضياء محسن الاسدي
(( انها مدينة جميلة منعزلة آمنة يحتضنها الجبل من ثلاثة محاور تغفو على سفحه باسطة ذراعيها تحت صخوره المعشبة الخضراء بأمان وسكينة يمسح جبينها نسيمه العذب الندي وفي الصباح تتفيأ أشجاره الشامخة المثمرة التي ولدت مع ولادة المدينة اما في الشتاء فأنها كالعروس في ليلة زفافها بحلتها البيضاء النقية يغطيها الثلج من كل مكان . انها مدينة مصغرة لشعب العراق بتنوعها ونسيجها واطيافها الاجتماعي والعرقي حيث تنتصب على ظهر الجبل تلك الكنيسة القديمة بعطرها التاريخي القديم كأنها فارس يمتطي صهوة جواده يجتمع عندها مصليها كل أحدٍ ليؤدوا قداسهم على اصوات اجراسها النحاسية العملاقة القديمة كل دقة كأنها تقول الله أكبر الله أكبر حيث القلوب المتحابة تجتمع عندها من اطراف المدينة وعندما يحل الربيع وفي آذار بالتحديد في الحادي والعشرين منه تزحف الجموع الهادرة ليلا متسلقة سفح الجبل لتوقد النيران عليه إيذانا بالاحتفالات النيروزية على ضوء نيرانه الوقّادة يتم الفرح والرقص بين احضان الطبيعة الخلابة لا فرق بين مكوناتها الكل يستمتع بهذا اليوم انهم متعايشين متحابين يتواصلون بأفراحهم وأتراحهم لا تعرف الفوارق الطبقية والدينية والمذهبية طريقا الى قلوبهم كانت ( فاطمة ) الفتاة الجميلة من وسط المدينة بأخلاقها المميزة تجمعها علاقة حب منذ الصغر مع الشاب ( أحمد ) تطورت الى مرحلة الصبا ثم الشباب لا يفرق بينهما اي شيء أنهما يطمحان في تكوين أسرة سعيدة ليكملوا مشوارهم الدنيوي بنية صافية كصفاء قلوبهم النقية كان والد ( أحمد ) يتحدث مع والد ( فاطمة ) التي بلغت مبلغ الفتيات اللواتي يُطلَبن للزواج . وعند خروجهما من المسجد ويتلاقيان امام الجامع الذي يرتاده كل جمعة لأداء صلاة الجمعة كانا يتبادلان الحديث في كيفية الاستعداد والترتيب لمراسيم الزواج ليكللا فرحتهما التي طال عليها الزمن . لكن الزمن رسم لهم غير الذي خططا له وسارت الامور على نحو مغاير حيث قامت الحرب في البلاد وأستعر لهيبها الذي حرق الحرث والنسل والاخضر واليابس وزحف العدو نحو مدينتهم للدخول اليها . تجمع الاهالي في تلك الليلة المشؤمة في أحد المساجد ليتخذوا القرار المناسب لردع هذا العدوان ودفعه عن مدينتهم بالقدر الممكن ومنع العدو من الدخول اليها لكن ذهبت جهودهم سدى ودُكتْ المدينة بالقصف والنيران فلم يسلم منها دارا أو مزرعة وخيم شبح الموت والدمار ورائحة البارود تنتشر في كل مكان . كانت ( فاطمة ) الفتاة الشجاعة مع أخواتها من نساء المدينة يعددن الطعام في كل يوم ليقمن بتوزيعه على المقاتلين المرابطين حول المدينة وهي تمتطي صهوة جرارها الزراعي غير مبالية بالمخاطر التي تحدق بها , ويزداد الرجال والشباب عزيمة اتجاه العدو واشتد الحصار عليهم واخذ العدو يشدد القصف المدفعي حيث تهدم الجامع والمسجد الذي كان يأوي المصلين في كل يوم وكثير من المرافق العامة والرجال المرابطون اشد ضراوة للدفاع عن مدينتهم غير عابهين بالموت المحدق بهم فسطروا اروع انواع الصمود والتضحية والبسالة . أن الليل كان ل( فاطمة ) كابوسا كبحر متلاطم الامواج تعتلي كل موجة منه الخوف والقلق والافكار السوداوية التي تقض مضجعها وهي تفكر مع كل صوت أطلاقة بندقية بحياتها مع ( أحمد ) ومستقبلها المرتقب ويكاد قلبها ينخلع من مكانه والايام والليالي تمر مسرعة وهي تعد ساعاتها لحظة بلحظة .وفي الصباح الباكر تأخذ ( فاطمة ) جرارها محملا بالمؤن والعتاد منطلقةً الى حبيبها ( أحمد ) لتطمئن عليه وعلى الرجال الآخرين تتفقدهم مع رفيقاتها واحدا تلو الآخر كأنها القائد الميداني وهي توزع الفطور وترمق حبيبها بالحب واللهفة والحنان المتدفق من بيت أضلعها بينما تكبر في عينيه كل يوم لتزداد جمالا وزهوا وعظمة ومكانة في قلبه الذي عشقها وهي صبية تدور حوله وفي الليل كانت الأرض لها بساطا تفترشها للصلاة والدعاء رافعة يدها خاشعة لله تعالى متذللة أن يحفظ حبيبها ورفاقه وينصرهم . وفي لحظة من اللحظات قرر المؤلف لهذه الأحداث الله سبحانه وتعالى ن يضع نهايتها بمشيئته وقدرته الربانية ويسدل الستار على شخوصها بانسحاب الجيش المحاصر للبلدة تاركا ورائه الدمار والخراب لكل ما كان جميل فيها معترفا بصمود أهلها وبطولاتهم بعدما أطمئن لهم بعدم تشكيل أي مشكلة لقواته المحتشدة بعيدا عنهم . أشرقت شمس الصباح الجميل على ربوع حياض المدينة والطيور على غير عادتها كانت محتفلة بشيء ما حتى كاد يستقر الصباح وتعتلي الشمس السماء الصافية فأذا بالأصوات تكبر وتهلل بالنصر واندحار الأعداء عن مدينتهم وزغاريد النساء تعلو شفاههن مطلقة العنان للفرح والبهجة وبعد عدة أيام من هذا النصر قرر أحمد أن يكلل هذا الفرح بإتمام مراسيم الزفاف من فاطمة وشرع مع أبيه بالاستعداد لهذا الأمر مع والد فاطمة . هنا تجلت روعة وعظمة هذه المدينة وتجانس أهلها في العيش حيث تقدم القس المسيحي راعي الكنيسة الى والد أحمد وفاطمة طالبا منهما باسم الأخوة والعشرة واضعا إمكانيات الكنيسة تحت أمرهم لإجراء الزواج المبارك في باحة الكنيسة كونها الأوسع مكانا لهذه المناسبة حاليا ومشاركة منه في تقديم جزء من هذا التعاون الأسري والتلاحم الأخلاقي وعرفانا منه لأهل المدينة لتكون بلدتهم رمزا للأخوة والصمود والمحبة لدى الآخرين ))

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here