حرب الخنازير تؤرق داعش وتحبط مخططاته وكمائنه في اهم حواضنه بديالى

بعد مضي نحو 20 دقيقة من السير وسط بساتين، مهجورة منذ سنوات، لدرجة لم يبقَ منها سوى أشجار النخيل العالية والتي تسمى محليا بـ (العيط) قرب قرية المخيسة، كبرى قرى حوض الوقف في محافظة ديالى، جذبتنا رائحة كريهة عن بعد فدفعتنا اليها ونحن نتابع خطوات مفرزة امنية يتقدمها عنصر ماهر في كشف المتفجرات.

الرائحة الكريهة كانت لخنزير بريّ، رمادي اللون، تقطعت اوصاله منذ ايام كما يبدو بسبب انفجار عبوة ناسفة زرعها مسلحو داعش، في محاولة لاستهداف اي قوة أمنية تتوغل في عمق هذه البساتين، وهو اسلوب معروف يتبعه مسلحو التنظيم لتأمين مضافاته في البساتين المهجورة، لتفادي اي عمليات مباغتة تصل إليه.

خبير المتفجرات والذي اوقف مسير المفرزة لدقائق بعد الاشتباه بوجود عبوة أخرى، تمكن بعد ربع ساعة تقريبا من العثور عليها، وهي تسمى عبوة المسطرة والتي تمثل تكتيكا استخدمه داعش في استهداف المفارز الجوالة للقوى الامنية من خلال ربط العبوة بمسطرة خشبية فيها صاعق التفجير الذي يعمل بعد الضغط عليها عن بعد لتنفجر.

وقال خبير المتفجرات، ويدعى احمد، في حديث إن “سلاح داعش هنا العبوة بالمقام الاول لكونه لا يقوى على المواجهة المباشرة، إذ سرعان ما يهرب مستغلا طبيعة تضاريس البساتين للاختباء”، لافتا الى ان “الخنازير البرية تمثل عامل مساعد في احباط كمائن داعش لأنها تقوم بتفجير تلك العبوات، وتقوم بما يشبه عمل كاسحات الالغام”.

واشار أحمد إلى أن “هجرة البساتين بدت واضحة بعد 2006 عند بروز القاعدة وتحول تلك البساتين الى مواقع انطلاق لعملياته المسلحة، ومنذ ذلك الوقت، تنصب عبوات كثيرة بعضها نقوم بتفكيكها والبعض الاخر تفككه الطبيعية”، في اشارة منه الى الخنازير البرية او مياه الامطار التي هي الاخرى تلعب دوراً في تفجير العبوات.

أما مصعب الحيالي، وهو مزارع من اهالي قرية المخيسة، فقد أشار إلى أن “الخنازير البرية منتشرة بكثرة في بساتين الوقف، وهي بالفعل تلعب دوراً مهماً في معالجة العبوات الناسفة، ونحن نسمع بين الحين والاخر صدى انفجار فنعرف ان عبوة أخرى قضى عليها خنزير”.

ويضيف الحيالي، في حديثه : “مررت قبل أربع سنوات بموقف لا يزال عالقا في ذهني عندما ذهبت الى بستان ( الصغي ) في اطراف القرية وفي لحظة حصل انفجار مدوٍ على بعد نحو 200 م ليتبين فيما بعد ان عبوة ناسفة موضوعة على الطريق انفجرت لحظة مرور خنزير بري عليها، ليتحول الى اشلاء متناثرة”، لافتا الى انه “لولاء الخنزير لكنت انا الضحية”.

واشار الحيالي إلى أن “كثرة الخنازير رغم انها ظاهرة سلبية تهدد المحاصيل الزراعية، لكنها في ذات الوقت، تؤرق داعش ومخططاته الاجرامية في نصب العبوات والالغام لقتل الابرياء”.

ومن جهته، أكد رئيس مجلس ناحية العبارة، عدنان ملا جواد، أن “الخنازير البرية منتشرة بشكل غير مسبوق في بساتين الوقف بشكل عام، خاصة بالسنوات الأخيرة”، لافتاً إلى أن “انتشارها تسبب بضرر بالغ للمزارعين، نظرا لما تحدثه الخنازير من خراب ناهيك عن خطورتها على ارواح الاطفال والنساء وحتى الرجال لأنها تهاجمهم”.

ويوضح ملا جواد، خلال حديث لـ (بغداد اليوم)، أن “كثرة الخنازير احبطت الكثير من كمائن داعش من خلال تفجير العبوات الناسفة في البساتين خلال السنوات الماضية، وبالتالي انقاذ ارواح المزارعين”.

وتعد العبارة جزء من حوض الوقف، وتضم العشرات من القرى الزراعية التي تعتمد بالأساس على البستنة في تأمين مصادر رزق اهاليها.

ويقول احمد الشمري، وهو مراقب أمني في بعقوبة، إن “تكتيك داعش في بساتين الوقف هو نصب العبوات، والخنازير اصبحت جزءاً من ماكنة تفجيرها وابطالها، لذا فان التنظيم يواجه مشكلة في ابعادها عن كمائنه”.

واضاف الشمري، أن “وجود داعش في الوقف ليس كبيراً، بل محدوداً في خلايا مبعثرة، تستغل البساتين المهجورة للاختباء ونصب والعبوات، والتي هي اشبه بخطوط دفاعية لإيقاف اي عمليات مباغتة ضد مسلحي داعش”.

ولفت الشمري إلى أن “الخنازير رغم انها حيوانات مكروهة، لكنها تشن هي الاخرى حرباً على داعش، وتفشل مخططاته الاجرامية”، وأردف: “لدينا معلومات بانها انقذت ارواح الكثيرين في بساتين الوقف، بعدما تحولت اجسادها الى كاسحات للعبوات والالغام”.

والوقف هو أكبر حوض زراعي في ديالى، ويضم قرىً زراعية مترامية تحوي بساتين واسعة جدا تمتد بين ناحيتي ابي صيدا والعبارة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here