الانسان وفضائل الاخلاق !

(*) د. رضا العطار

ذكرنا في الحديث السابق ان هناك خمسة دوافع للعنف وقد ذكرنا اربعة منها. وهنا نذكر الدافع الخامس الذي يتعلق بالاقتصاد، فالاقتصاد السليم وتاثيره الايجابي في تنشئة الشباب ليغدو جيلا قويا قويما، على عكس المجتمع الهزيل اقتصاديا الذي يحطم طموح الشباب عن طريق تفشّي البطالة بينهم. ولا يخفى ما للبطالة من تأثيرات مدمرة على سلوك الشباب العاطلين عن العمل. انهم معرضون دائما بان يفلتوا من الاخلاق القويمة وبنخرطوا في عصابات التخريب والسرقة والسطو المسلح.

لقد كان السبب المباشر في نجاح الدعوة الأسلامية خلال القرن السابع الميلادي هو التطبيق العملي لثوابت القرأن الكريم وما جاء في ثناياها من فضائل الاخلاق في المجتمع الحديث، بعيدا عن اساليب العنف وليس بمستغرب اننا لا نجد مصطلح العنف يرد ذكره فيه قط .

لم تكن المساجد الأسلامية في صدر الأسلام زمن الرسول الاعظم و الخلفاء الراشدين، مجرد مكان للعبادة انما كانت بمثابة برلمانات شعبية حيث كان المسلمون بعد اداء فريضة الصلاة يوم الجمعة يتداولون فبها شوؤنهم العامة، يتحاورون ويتناقشون ثم يصدرون القرارات الصائبة التي كانت تطبق على ارض الواقع بقوة القانون. ولهذا كانت روح الديمقراطية سائدة في الدولة الأسلامية, ولذا كان المجتمع الأسلامي يومذاك متسما بالتألف والتأخي .

ان الروح الوثابة والاخلاق الفاضلة التي غرسها النبي الكريم في نفوس القبائل العربية كانت بمثابة بذرة الاشتراكية الحميدة. حيث انه كان (ص) يوزع ما عنده على المحتاجين. وقد كتب شاعر النيل احمد شوقي قصيدة نهج البردة التي غنتها مطربة الشرق المرحومة ام كلثوم عام 1950 والذي عبر فيها عن النزعة الانسانية في نهج الادارة النبوية في الحقل الاقتصادي، اذ يقول : ولد الهدى فالكائنات ضياء – ثم يردف قائلا: انصفت اهل الفقر من اهل الغنى، فالكل في حق الحياة سواء. ويختمها بعبارة – الاشتراكيون انت امامهم.

فالاسلام دين المحبة والسلام جاء ليحقق مثلُ عليا تجلت في قيم العدل الأقتصادي والاجتماعي. فلا عجب ان يصرح خليفة المسلمين على بن ابي طالب قوله :

(يكاد يكون الفقر كفرا)

لقد اتي الأسلام بالسلام وهو نموذج يخص مبدأ اللأعنف فالتحية عند المسلمين رمز السلام يوحي الى التقارب الروحي الذي يفتح باب التعارف والتواصل وقد يتطور الى اوثق الصلات الأجتماعية فليس هناك وسيلة افضل للشعوب في ديموميتها من انتهاجها سياسة اللاعنف والا فالتاريخ يشهد كيف ان الأمبراطوريات التي انتهجت سياسة العنف والدكتاتورية كالدولة العثمانية تهاوت مع الزمن.

لقد اكد الأسلام في تشريعاته على مفهوم اللاعنف كما ورد في الأيات الكريمة

– يا ايها الذين امنوا ادخلو السلم كافة – و – تحييتهم فيها سلام .

يعيّرنا الغرب المسيحي مدعيا ان الأسلام انتشر بحد السيف.

واني اوجه كلامي الى المتتبعين لتاريخ الأديان واقول لهم : ان النبي محمد لم يخطر بباله يوما ان يفرض عقيدته على الأخرين بأسلوب العنف, لكن الخليفة عمر بن الخطاب اضطر الى خوض معارك حربية في العراق عام 636 وفي مصر عام 639 م بسبب التهديدات التي كان يطلقها يزديجرد ملك الفرس على الدولة الأسلامية الفتية بأحتلال الأراضي العربية في اليمن وما جاورها من الممالك التي احتلها القائد الفارسي قمبيز، واستعادتها بالقوة العسكرية. فما كانت الفتوحات الأسلامية الا ردة فعل لتلك التهديدات واحترازية للدفاع عن النفس ضد الأخطار الخارجية, طبقا للأية الكريمة : كتب عليكم القتال وهو كره لكم.

بينما اباحت اوربا لنفسها عام 1182 م بأقتراف ممارسات دموية فظيعة بحق ملايين الأبرياء من السكان الأمنين عندما اصدر كل من البابا امينو شنسيوس الثالث والبابا غريغور بوس امرا بابوية الى حكام المقاطعات في العديد من البلدان الأوربية يقضي بقتل وحرق مواطنيها لأمتناعهم اعتناق المسيحية. واني اتسائل بعد كل هذا : اي من الديانتين انتشر بحد السيف ؟؟

* مقتبس من كتاب افكار ومواقف للامام عبد الفتاح امام مكتبة مدبولي ميدان طلعت حرب القاهرة 1996

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here