الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما ! …

الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما ! حضرموت ودورها المحوري في نقل الثقافة الاسلامية الى اقطار جنوب شرق آسيا ! – ح 15 * د. رضا العطار

من هنا يمكن القول ان نوع البيئة للمهاجر وحالته النفسية هي التي تتحكم في موضوعات الشعر, فليس جميع شعراء المهجر كانوا على منوال الشيخ ابوبكر الحضرمي لا يقرض غير شعر معاناة فراق الغربة وشكوى الحنين , انما كان هناك ايضا من يهوى ويعشق، يهيم في الجمال الأخاذ للجنس اللطيف ويتغزل , فهذا الشاعر المهجري يناغي حبيبته – تقوى – قائلا :

ست الحسان، لماذا * * سماك اهلك تقوى

ففيك طال انتظاري * * وكادت الدار تهوى

نفسي فداك تعالي * * فالوصل كله برُ وتقوى

ان الابداع الفني و الثقافي الذي ظهر في ادب المهجر الشرقي قد خضع مع بالغ الاسف الى الاهمال و التعتيم . علما انه قد توفر في ذلك المحيط المنهل من الظروف الملائمة مما شجع بعض النوابغ من المغتربين العرب من ان يبلوا بلاء حسنا في مجالات العمل الخلاق والفكر المنير كالادب والشعروالدين، فغدوا اعلاما يشار اليهم بالبنان, كان الشاعر الفذ ابو بكر احدهم. اكثر ظني ان القصد من هذا الاهمال هو ان لاتتاح الفرصة لادب المهجر الشرقي من ان ينال قسطا كافيا مما يستحقه من عناية الدارسين في البحث والتنقيب لئلا يكسب روادها نصيبهم من الشهرة التي حققوها عن طريق نتاجاتهم في الادب الانساني الخلاق.

لقد عاد معظم الحضارمة الى وطنهم بعد اغتراب طويل, فكانوا في نظر شعبهم من ابنائه البررة كونهم لم ينسوا جذور منبتهم ولم يتنكروا فضل تربة وطنهم, بل انما كانوا معه دوما على اتصال روحي وثيق, لقد جلبوا معهم من بلد المهجر الاموال التي وفروها والخبرة التي اكتسبوها والثقافة التي تعلموها, فساهموا بشوق ونشاط في بناء بلدهم العزيز الشبه صحراوي, فانقذوه من براثن الفقر والفاقة والتخلف الحضاري, حتى ظهرت في حضرموت اليوم بوادر الحياة العصرية.

كانت الهجرات الاسلامية المتعاقبة الى ممالك الهند الصينية, هجرات جارفة حملت الاعداد الغفيرة من ابناء العروبة الى اوطان بعيدة اتسمت بيئتها بالامن والامان والتمتع بشهرة المقام، اذ فسحت تلك الممالك المجال امام القادمين كي ينعموا بالأستقرار وراحة البال. والحياة الكريمة، وأظهرت لهم روح التسامح العقائدي. فأصبحوا بمرور الزمن شعبا كاملا على كثرتهم. لكن تلك الجماعات وبضمنهم الاسر العلوية التي حالفها الحظ ان تفلت من قبضة الحكام الظلمة في اوطانهم القديمة، بدأت الآن تذوب تدريجيا في المجتمعات الكبيرة مع مرور الزمن، حتى انتهوا اخيرا في غيبة ابدية. فلم يعرف الاحفاد عن جذور ابائهم واجدادهم في الوطن الام شيئا, مثلما لم يبقى لهم من الماضي الا شبح الذكريات. كما حدث لاسرة – الحسن – في اندونيسيا التي انطوت انطواء كاملا حتى اصبحت سلالتها تحمل اسماء محلية فغدوا يعرفون بعد اجيال بال ساسترو.

الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من كتاب دائرة المعارف الاسلامية الشيعية لحسن الامين بيروت 1990

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here