كيف تمكن “صدام حسين” من “انقاذ” العراق والقضاء على تنظيم داعش؟

رصدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في تحقيق مطول، ما وصفته مساهمة جاسوس عراقي، في القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي كان يسيطر على رقعة ليست بالقليلة من الأراضي العراقية.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن الجاسوس العراقي، ساهم بمعلوماته المفصلة، التي قدمها من داخل التنظيم الإرهابي، على تنفيذ القوات العراقية، أكثر من هجوم جريء، ساعدت في القضاء على خطورة “داعش”.

عملية استخباراتية
وبدأت القصة قبل 16 شهرا تقريبا، عندما تنكر سائق الشاحنة، التي ذكرت الصحيفة أن اسمه الكودي “كابتن سوداني” ويدعى حارث سوداني، عندما قررت الاستخبارات العراقية تجنيده وأن تدفع به ليتنكر في صورة جهادي متشدد في تنظيم “داعش”.
وتمكن الجاسوس العراقي في إحباط 30 هجوما مفخخا عن طريق سيارات، و18 هجوما انتحاريا، بحسب تصريحات مدير الاستخبارات العراقية، علي البصري.
وكان كابتن سوداني، 36 عاما، يعمل في السابق خبيرا في مجال الكمبيوتر، قبل أن ينجح في اختراق صفوف القيادات العليا لتنظيم داعش.
وقالت الصحيفة الأمريكية إنها توصلت إلى تلك المعلومات، بعدما أجرت مجموعة من المقابلات مع مدير الاستخبارات العراقية، وأعضاء في وحدة مكافحة الإرهاب أو ما يعرف باسم “الصقور” ومجموعة من أصدقاء والمقربين وأفراد أسرة من كابتن سوداني، وبعد مراجعة مجموعة من المراسلات النصية المتبادلة بينه وبين الاستخبارات العراقية.

خدعة صدام حسين
وكشفت وحدة مكافحة الإرهاب في الاستخبارات العراقية، عن أن “كابتن سوداني” استخدم خدعة “صدام حسين”، واخترق صفوف “داعش”، وتحديدا القيادات العليا المقربة من زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، مستفيدا من أن ترويج خدعة أن السنة باتوا أقلية منذ سقوط نظام صدام حسين.
وروج كابتن سوداني لتنظيم داعش، أن عائلته كانت تعيش في الرمادي، خلال فترة حكم صدام حسين، وعندما أطاح الأمريكيون به عام 2003، أصابه غضب مثله مثل العديد من السنة، بحسب قوله لهم، ما دفعه للانضمام إلى تنظيم “داعش”.
ويقول مدير الاستخبارات العراقية للصحيفة، إنه بعد سقوط نظام صدام حسين، تم تأسيس تلك الوحدة الخاصة، التي كانت مهمتها ضيقة جدا، ألا وهي “استهداف قيادات الإرهابيين”.
وبالفعل نجح كابتن سوداني في تنفذ الاستخبارات العراقية عملية ناجحة باعتقال خمسة من كبار قيادات تنظيم “داعش” كانوا مختبئين في تركيا وسوريا، علاوة على نجاحه في إحباط المئات من الهجمات الإرهابية على بغداد.
وقال الكولونيل شون جيه. رايان، المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في بغداد: “ثبت بالدليل القاطع أن تلك الوحدة ذات قيمة بالغة، فقد نجحت في تقليل خطورة داعش، عن طريق التسلل إلى قلب التنظيم وقتل قادتها وتدمير أسلحتهم”.
وقال البصري: “يمكن للطائرة بدون طيار أن تخبرت من دخل المبنى، لكنها لا تخبرك ما يقال داخل الغرفة المغلقة، وما اتفق عليه من دخلوا إلى تلك الغرفة”.
وقال اللواء سعد الفالح، قائد سوداني: “كان مدفوعا بصور الأطفال، الذين قتلوا في هجمات داعش، وكان يرغب في إيقاف كل هذا، كما أن قدرته على تقليد لهجة أهل الرمادي سهلت من عملية دخوله سريعا في التنظيم”.
وأطلق “داعش” على كابتن سوداني لقب “أبو صهيب”، الذي تحول بعد فترة إلى حلقة رئيسية في سلسلة “الخدمات اللوجيستية” الخاصة بعمليات التفجير الانتحاري في بغداد وغيرها من المدن.
ولتساهم “الصقور” في بقاء واستمرار “كابتن سوداني” في موقعه، كانت تنشر أنباء عن تفجيرات مزيفة في نشرات الأخبار، وفي بعض الأحيان تشير لوقوع إصابات كبيرة، لمنحه غطاء على عمله، ولتصعيده داخل التنظيم.

شك وأكاذيب
لكن كان الخطر الأكبر، هو بقاء “كابتن سوداني” متخفيا لفترة طويلة، لأنه كلما ازداد تخفيه كلما ازداد الخطر الذي يتعرض له.
وقال اللواء الفالح: “أبلغناه في أكثر من مرة أنه ينبغي أن ينهي مهمته لأن حياته يمكن أن تكون في خطر، لكن في كل مرة كان يختار الاستمرار، معللا ذلك بأنه وجد أخيرا هدفا من الحياة”.
لكن مع مرور الوقت، بدأ التنظيم الإرهابي، يشك فيه، وبدأوا في تتبع حركاته عن طريق تتبع هاتفه وأماكن تواجده، وبدأوا يشعروا بأنه يكذب عليهم.
في ذلك الوقت، أخبر مناف شقيق كابتن سوداني، بأن الوقت قد حان لينهي مهمته تلك، لأنه يمكن أن يكشف أمره في أي لحظة، لكنه رفض أيضا.
في 19 ديسمبر/كانون الأول، أبلغ قائد الموصل كابتن سوداني، بأنه تم اختياره للمشاركة في هجوم عشية رأس السنة الجديدة، ضمن سلسلة تفجيرات منسقة في مدن عديدة حول العالم.
أدرك كابتن سوداني حينها أنه أمام حدث جلل، فقاد شاحنته البيضاء، واتصل هاتفيا بـ”الصقور” لمناقشة الأمر.
وذهب إلى منزل الصقور “الآمن” في بغداد، لكن قيادة الموصل اتصلت عليه، وأخبرته أنه ينحرف عن مهمته، وحاول أن يختلق لهم أعذارا، لكنه اضطر إلى التحرك حتى لا ينكشف أمره، ودعا زملائه في الصقور إلى الاقتراب من موقعه، ونجح الفريق في تفكيك القنبلة التي كانت تزن نحو 300 طن، مكونة من مفجر إلكتروني و26 كيسا من مواد C4 المتفجرة ونترانت الأمونيوم والمسامير.
وقبل منتصف ليلة رأس السنة، روج مسؤولون أمنيون عراقيون أنباء عن انفجار شاحنة بيضاء خارج سينما البيضاء في بغداد الجديدة من دون وقوع إصابات.
وبتلك الطريقة نجحت مهمة كابتن سوداني، وتم إخفائه بنجاح بعد نجاح طوال الفترات الماضية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here