البصريّون يشترون ماء الشرب بالدولار

البصرة تُحضِّر لـ”إضراب عام” والسماوة تواصل الاعتصام

 بغداد/ وائل نعمة

ينفق سكان البصرة نحو 100 مليار دينار شهرياً لشراء الماء العذب، حيث يبلغ إنتاج الحكومة من مياه الشرب في المحافظة الغنية بالنفط “صفر لتر”، فيما تستولي “أحزاب” متنفذة على محطات التحلية الأهلية، على وفق ما يقوله السكان.
وتبيع المحطات طن الماء الواحد بسعر يترواح بين ما يعادل 10 و20 دولاراً (يكفي ليومين للعائلة الواحدة)، وهو ما قد يفسر استمرار أزمة “الماء المالح” منذ سنوات في المدينة التي يخترقها شط العرب والقريبة من الخليج من دون أمل بحلها.
حكومة تصريف الأعمال برئاسة حيدر العبادي، بدورها، قدمت لائحة من التعهدات الى سكان البصرة بفاتورة تصل الى ترليونات الدنانير، لكنّ مسؤولين في المحافظة يؤكدون أن الحكومة المركزية ليست مستعدة لتنفيذ شيء، وأنها تراهن على “انخفاض درجات الحرارة” لتنطفئ جذوة التظاهرات ويعود المحتجون الى منازلهم.
وكشفت بعض الإجراءات الحكومية الأخيرة في المحافظة، عن طبيعتها “الدعائية”، حيث أرسلت محطات للتحلية ومولدات كهرباء من دولة مجاورة، تبيّن في ما بعد أنها تستخدم لأغراض محدودة كإنارة مبنى صغير، أو لتصفية مياه منزل واحد، في وقت يشكك السكان أصلاً في وصول تلك المحطات الى المدينة.
ويخطط البصريون الذين أشعلوا شرارة التظاهرات في مطلع تموز الماضي، إلى اعتصام ضخم تشارك فيه أغلب العشائر هناك بعد أن يئسوا من وفاء الحكومة بوعودها، ومثلهم في المثنى، حيث ينتظر سكان مدينة السماوة منذ أسبوع وصول فريق تفاوضي من رئاسة الوزراء لتحقيق مطالبهم وإنهاء اعتصامهم المستمر منذ 3 أسابيع.

أين ذهبت الأموال؟
وفي ذورة التظاهرات منتصف تموز الماضي، وعد رئيس الحكومة بتخصيص 3.5 تريليون دينار (نحو 3 مليارات دولار) فوراً إلى البصرة، واستخدامها لتحلية المياه وفك الاختناقات بشبكات الكهرباء وتوفير الخدمات الصحية اللازمة”.
وعلى النقيض من تلك التصريحات، تقول رئيسة لجنة الإعمار في مجلس محافظة البصرة زهرة البجاري في تصريح لـ(المدى) أمس إن “المبالغ التي أعطيت للبصرة بعد الاحتجاجات هي من مستحقات الميزانية التشغيلية (الرواتب) التي كانت من المفترض أن تصل الى المحافظة منذ آذار الماضي”.
وبينت المسؤولة المحلية، أنه لم ترسل منذ ذلك الوقت أي “تخصيصات أو تُنفّذ أعمال في مشاريع خدمية داخل البصرة”، فيما قالت ان “المولدات التي قدمتها الكويت كمنحة للعراق، لم تكن مخصصة بالأساس الى البصرة بل مدن أخرى”.
وتكشف البجاري عن أن المولدة الواحدة تعطي طاقة 3 ميغاواط، وهي تكفي لبناية واحدة فقط، كما قالت أن “محافظ البصرة طالب بالحصول على مولدتين لإنارة المستشفي الجمهوري والمستشفى التعليمي في البصرة”. ويصل نقص الكهرباء في فصل الصيف بالبصرة الى لـ3500 ميغاواط.

التعويل على انخفاض درجات الحرارة
ويتحدث المتظاهرون في البصرة عن أنّ قاسم الفهداوي، وزير الكهرباء “المجمّد” منذ أسابيع، نقل المولدات الى محافظته، الأنبار، فيما يقول مسؤول آخر في المحافظة طلب عدم نشر اسمه إن “الحكومة في بغداد تنتظر انتهاء فترة الأشهر الحارة لتنتهي مطالب المتظاهرين”!
وأكد المسؤول في تصريح لـ(المدى) أمس أن “أحد أعضاء اللجنة الوزارية التي أرسلها العبادي الى البصرة في تموز الماضي، قال إن نصب أي محطة كهرباء سيحتاج الى شهرين على الأقل، وفي تلك الحالة سنكون قد دخلنا شهر أيلول وانخفضت الحرارة، فماحاجتكم بالطاقة إذن؟!”.
وتتكرر الاحتجاجات في البصرة وعموم البلاد ضد نقص الطاقة الكهربائية بشكل دوري كلّ صيف تقريباً، باستثناء العام الماضي، حيث كان الجميع مشغولاً بالحرب على “داعش”.
الأسوأ في البصرة ليس الكهرباء فقط، فهناك “اللسان الملحي” في شط العرب، الذي زاد في شهر واحد 40 كم، ووصل الى شمال البصرة، فيما تقول رئيسة لجنة الإعمار بالمحافظة زهرة البجاري إن “إنتاج الحكومة من الماء المحلّى صفر لتر، والسكان يشترون الماء من المحطات الاهلية”.
ولم تعد المحطات الخاصة تغطي الطلبات المتزايدة لسكان البصرة، وتسببت الملوحة المرتفعة بتلف الفلاتر في تلك المحطات مما زاد الكلفة. ويقول سمير المالكي، أحد منظمي التظاهرات في البصرة إن “طن الماء العذب يباع بـ12 ألف دينار (10 دولارات) وفي شمال المحافظة وصل الى 25 ألف دينار(21 دولاراً)، ولا يكفي طن الماء لأكثر من يومين بالنسبة للعائلة”.
ويقدِّر المسؤولون في البصرة استهلاك السكان (2.5 مليون نسمة بحسب تقديرات 2009) يومياً 600 مليون لتر، فيما يبلغ متوسط إنفاق العائلة الواحدة شهرياً لشراء الماء العذب بحدود الـ400 الف دينار، وهو مايعادل مرتب شهر كامل لبعض الموظفين.

أحزاب تسيطر على الماء
ويشير المالكي في اتصال مع (المدى) أمس إلى أن “بعض الأحزاب في البصرة لديها محطات تصفية المياه، وهي سوف تتضرر في حال انتهت تلك الأزمة”. وتزداد ملوحة الماء القادم من الصنابير في البصرة الى درجة 13 ألف (تي دي اس)، فيما الطبيعي يجب ان يكون أقل من 500 .
ويشاهد سكان البصرة اللون الاحمر والصدأ في الماء بالاضافة الى الروائح الكريهة، فيما نشر قبل أيام أحد البصريين فيديو يظهر أن الماء القادم من الصنابير قابل للاشتعال، حيث وضع مصدر للنيران أمام الماء مما إدى الى اشتعاله وكأنه غاز! ومنذ 2011 عرضت حكومة البصرة مشروع تحلية بخاري لمعالجة المياه وتوليد الطاقة أيضا بالاضافة الى إنشاء سد لمنع تدفق الملح من الخليج، لكنه لم ينفذ حتى الآن. وتقول البجاري ان “الأسوأ قادم حيث ان السدة الترابية التي أنشئت قبل عامين عند الحدود مع أيران حدثت فيها انشقاقات وسوف يتدفق ماء البزل الإيراني المالح الى أراضي البصرة”.
ولم يبق أمام سمير المالكي وزملائه من المتظاهرين سوى التحضير لاعتصام كبير و”مؤثر” لإجبار الحكومة على تنفيذ المطالب، حيث يقول: “ربما سنحاول إغلاق الدوائر وإعلان الأضراب لأننا وصلنا إلى طريق مسدود مع الحكومة”.

السماوة في انتظار وفد الحكومة
وفي المثنى يستمر المعتصمون بالمبيت في شوارع مركزها السماوة منذ تموز الماضي، ويقول باسم خشان أحد مسؤولي اللجان التنسيقية بالمحافظة إن “وفداً من رئاسة الوزراء سيصل قريبا الى المحافظة لتنفيذ المطالب الآنية مقابل فض الاعتصام”.
وكان من المفترض أن يصل الوفد منذ أسبوع، لكنّ خشان يقول في اتصال مع (المدى) أمس إن “الحكومة كانت تراهن على قصر نفس المعتصمين، فيتعبون ويعودون الى منازلهم”. وأشار الى أن “الاتفاق يتضمن تشكيل لجنة من المتظاهرين لمراقبة أعمال الوفد الحكومي وكيفية سير الإجراءات قبل فضّ الاعتصامات”.
وينتظر المتظاهرون في السماوة بدء التحقيقات في عمليات ضرب المحتجين وقتل 4 منهم، والاستجابة لمطالبهم بإقالة المحافظ وقائد الشرطة ومدير الاستخبارات ومسؤولين آخرين في المحافظة. ويقول خشان “يمكن أن ننتظر تنفيذ مطالب الخدمات لوقت آخر، لكننا سنراقب نزاهة التحقيقات وإلا سنعود بشكل أقوى للاحتجاجات”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here