تجّار ومستثمرون عراقيّون خسروا نصف أموالهم بسبب العقوبات على إيران

ترجمة/ حامد أحمد
صاحبَ قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة فرض العقوبات على إيران آثار ارتدادية على العراق حيث أدت إلى تكبد مستثمرين خسائر فادحة، في وقت يعيش فيه البلد الحليف لأميركا أصلاً حالة عدم استقرار مالي ناتج عن ظروف اقتصادية صعبة.
وبينما تعرّض بلدهم لانهيار اقتصادي في العام 2015 تحت وطء هجوم تنظيم داعش، اندفع عراقيون لإيداع ملايين من الدولارات في بنوك إيرانية كانت تمنح معدلات فائدة عالية وذلك عقب اتفاق إيران النووي مع الولايات المتحدة. كثير من العراقيين استخدموا بغالاً لنقل آلاف الدولارات إلى داخل إيران متجاوزين بذلك الأعراف القانونية بالمبالغ المسموح بإخراجها من البلد.
الآن ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرضها للعقوبات التجارية على إيران فإن قيمة التومان الإيراني قد تدهورت إلى معدلات تاريخية أربكت المستثمرين.
الضائقة المالية العراقية هي مثال صارخ على كيفية تأثير الخلاف بين طهران وواشنطن على استقرار العراق الذي لكل من الولايات المتحدة وإيران مصالح مهمة فيه، والذي يواجه أصلا استياءً شعبياً عاماً حول ضعف اقتصاده وقلقاً بشأن توقف عملية الانتقال السياسي فيه وتراجع الخدمات.
عواقب العقوبات الاقتصادية توضح أيضا مدى ارتباط الوضع الاقتصادي الجيد للمواطنين العراقيين الاعتياديين بالسوق الإيرانية أكثر من ارتباطهم بالسوق الأميركية الذي لا يكاد له وجود بحياتهم اليومية.
إعادة فرض العقوبات التجارية على إيران الأسبوع الماضي آثارت جدلاً حادّاً في كل من بغداد وطهران حول تعهد العراق للالتزام بالعقوبات. العراق يعتبر شريكاً تجارياً كبيراً لإيران، ولكنّ حالة التذبذب غالباً ما يكون لها صدىً ضمن التحالفات السياسية في العراق.
في بادئ الأمر قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الأسبوع الماضي إنه مبدئياً يعارض العقوبات ولكن ليس له خيار سوى الالتزام بها. هذا الموقف أثار حفيظة إيران، مع قيام حلفاء طهران في العراق بوصف القرار باحترام العقوبات خيانة لدعم إيران المقدم للعراق خلال حربه ضد تنظيم داعش.
في يوم الإثنين تراجع العبادي عن موقفه السابق بقوله إن العراق سيمتنع فقط من إجراء تحويلات تجارية مع إيران بالدولار الاميركي. وقال إنه لم يتخذ قراراً بعد فيما إذا سيوقف العراق استيراداته للبضائع الأساسية من إيران. وكتنازل لجاره القوي قال العبادي إنّ رسوم سمة الدخول للزوارالإيرانيين للعتبات المقدسة في العراق سيتم تخفيضها للتعويض عن ضعف قيمة التومان الإيراني.
يذكر أنّ التومان الإيراني قد فقد 50% من قيمته مقابل الدولار عقب قرار ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. ويتوقع محللون استمرار هبوط العملة الإيرانية أكثر مع دخول المرحلة الثانية من العقوبات في شهر تشرين الثاني القادم.
بيان خاجيهبور، خبير بالأمور الصيرفية الإيرانية من مؤسسة آتيا Atieh للاستشارات المالية في فيينا يقول:”الشيء الرئيس الذي يجذب المستثمرين للبنوك الإيرانية هو معدل التصريف المستقر نسبياً للعملية الأجنبية والذي انهار الآن.”
هذا ما جعل عراقيين مثل المستثمر، حسين الكعبي، أن يميل للبنوك الإيرانية. الكعبي (41 عاما) مستثمر في مجال العقارات أودع مدخرات حياته البالغة بحدود 150000 دولار في أحد البنوك الإيرانية التي تعطي نسبة أرباح 20% وذلك خلال العام 2015. في ذلك الوقت كان سوق العقار قد انهار بوجه تهديدات تنظيم داعش”. ويستدرك الكعبي قائلا”الناس توقفوا عن شراء البيوت، لأنّ المستقبل غامض.”
ويقدر الكعبي خسائر إيداعاته المالية بأنها أرجعته عشر سنوات الى الوراء. وأضاف قائلا”لم يفعل الاميركان أي شيء جيد للشرق الاوسط. أي شيء يفعلونه يؤثر علينا سلباً فيما إذا كان من الناحية العسكرية أو السياسية أو المالية.”
بينما يلقي الكعبي باللوم على إدارة ترامب بسبب خسارته، فإن آخرين في نفس موقفه مستاؤون من الحكومة الإيرانية.
ويقول ناظم الخفاجي (60 عاما)، وهو صاحب فندق في مدينة النجف إنه خسر أكثر من نصف مبلغه المودع في بنك حكومي إيراني البالغ 100000 دولار”أنا ألقي باللائمة على الحكومة الإيرانية،لأنها لعبت لعبة قذرة معنا. لقد استدرجوننا من خلال طُعمٍ مغرٍ يتمثل بنسبة فائدة بقيمة 20% واستغلوننا للاستحواذ على أموالنا.”
من جانب آخر يلقي بعض الخبراء باللائمة على المستثمرين العراقيين. ويقول باسم جميل أنطون، خبير اقتصادي عراقي:”القانون لايحمي المغفلين”، مشيراً إلى أنّ”من المستحيل معرفة عدد العراقيين الذين أودعوا أموالهم في البنوك الإيرانية لأنهم أرسلوا أموالهم بشكل غير قانوني”.
وأضاف انطون قائلا”أنا أعرف بأنّ هناك شيئاً مريباً بهذا الأمر،لأنه ليس هناك مصرف في العالم يمنح فائدة بقيمة 20%. النسبة المعقوله هي بقيمة 2 أو 3 % وليس 20 %”.
ويقول عبد الرحمن شنيور (48 عاما)، تاجر عراقي مستورد إن نسبة الأرباح الممنوحة من البنوك الإيرانية أغرته لإيداع أمواله فيها. وقال إنه أودع مبلغ 110000 دولار في مصرف إيراني وأن البنك اشترط أن يحوّل المبلغ المودع من دولار إلى تومان وأنه لم يستطع سحب أي كمية طوال سنة كاملة. وإذا أراد الآن سحب مبلغ فإنه سيسحبه بالتومان وليس بالعملة المودعة أصلاً بالدولار.
وقال التاجر شنيور”أنا ألوم نفسي فقط، في الصفقات التجارية هناك أيام تربح فيها أموالاً وهناك أيام أخرى تخسر فيها أموالاً، ولكننا كنا نعتقد بأن التومان الإيراني سيبقى مستقراً دائما.”
وقال شنيور إنه باع سيارته لسد العجز المالي الذي أصابه من أجل مواصلة عمله التجاري.
كريم سجاد بور، خبير إيراني من معهد كارنغ للسلام الدولي، قال إنّ معدلات الفائدة الفلكية التي تعرضها البنوك الإيرانية غالباً ماتكون مجرد”سراب”وذلك لوجود تضخم عالٍ في البلاد وعدم استقرار العملة مما يجعل من الخطورة إيداع مبالغ ضخمة في البنوك الإيرانية.
ولأجل زيادة الأوضاع صعوبة بالنسبة للمستثمرين العراقيين الذين يسعون للخروج من هذا المأزق، حددت البنوك الإيرانية شروطاً تقييدية لعمليات السحب وحددتها بما يعادل سحب 200 دولار باليوم فقط.
عن: صحيفة واشنطن بوست

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here