ماذا حققت الجامعات التقنية بعد 4 سنوات على التأسيس ؟؟

لم تكن إعادة هيكلة هيئة التعليم عام 2014 هي الأولى منذ تأسيسها في عام 1969 في البلاد ، فقد سبقتها محاولات عديدة منذ ثمانينات القرن الماضي وكانت تركز على أهداف متعددة منها دمج التعليم المهني بالتقني وتحويل التعليم التقني إلى أقسام حسب المواقع الجغرافية للجامعات ومحاولة عسكرة الهيئة من خلال ربطها بالتصنيع العسكري ، وغيرها من المحاولات التي لم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة أبرزها إنها لم تتم دعمها بمعالجات جوهرية وعدم استنادها إلى مسوغات موضوعية ، وبذل رؤوساء الهيئة جهودا في دحضها لتفنيدها سيما بعد أن تحول التعليم التقني إلى إمبراطورية تستوعب أكثر من ثلث عدد خريجي الاعداديات بفروعها المختلفة في كل عام دراسي وتحقيقها لمردودات عالية بعد أن دخلت كليات ومعاهد الهيئة مرحلة التعشيق مع التصنيع العسكري والقوات المسلحة ، وفي عام 2013 بادر رئيس هيئة التعليم التقني لتبني فكرة إعادة هيكلة الهيئة بتحويل الهيئة إلى جامعة أو أكثر بعد أن انتشرت تشكيلاتها في أنحاء العراق وقيام وزارة التعليم العالي بوضع خطة لاستحداث 100 معهد في عموم العراق ووصول الكليات والمعاهد التقنية البالغ إلى 46 والمواقع المرتبطة بها إلى حالة مقبولة من العطاء مما يتطلب منحها اللامركزية لإتاحة الفرص لطلبتها والعاملين فيها لفتح أفاقا جديدة من المبادرة والإبداع ومعالجة بعض الاختناقات التي تصنعها البيروقراطية من حيث نشر البحوث وتحديث المناهج والاهتمام بالترقيات العلمية وزيادة براءات الاختراع والانفتاح على التقانات العلمية العالمية وإنشاء الشراكة الدولية المتوازنة مع المنظمات والمؤسسات العالمية بما في ذلك الاستفادة من تجاربها ودعمها ونشر تجربتنا لتكون بما يناسب واقعها الفعلي ، وكان صمام الأمان في بلوغ المزيد من التقدم والمؤشرات الايجابية هي الحالة المتوازنة التي من الممكن أن يحدثها مجلس التعليم التقني الذي تكون رئاسته بصورة دورية من قبل رؤوساء الجامعات التقنية ومن واجباتهم الحفاظ على وحدة وهوية التعليم التقني لعدم إضاعة الجهود التي بناها التقنيون منذ 1969 .
ولاقت هذه الفكرة الدعم من لدن معالي الوزير الأسبق الذي أعطى مدة 4 سنوات لإكمال الدراسات المتعلقة بالشروع وتهيئة المستلزمات ، وخلال المؤتمرات التي عقدت مع السادة عمداء الكليات والمعاهد التقنية والخبرات العالية التي تمت الاستعانة بها من قبل المختصين والمعنيين بالتعليم التقني لاقت الفكرة قدرا كبيرا من الاستحسان وخلال التصويت على المشروع وجد انه حقق إيجابا بنسبة تقترب من 100% ، وكانت تلك اللقاءات حافزا لبذل جهودا مضنية بحيث تم اختصار الزمن إلى سنة واحدة بدلا من أربعة سنوات كما تشكلت اللجان وفرق العمل التي اتفقت على تأسيس أربعة جامعات تقنية حسب المواقع الجغرافية ( الفرات الأوسط ، الوسطى ، الجنوبية ، الشمالية ) وعند عرض الموضوع أمام أنظار مجلس الوزراء الموقر حصلت الموافقة على استحداث هذه الجامعات والمباشرة بالقبول رغم الظروف الصعبة التي مر بها بلدنا العزيز في حربه المقدسة ضد هجمات الدواعش ومن يقف معهم من الخونة والعملاء ، وخلال الأربع سنوات التي مرت على عمل هذه الجامعات تحققت العديد من المزايا والايجابيات : أولها تأسيس جامعات ضمن الإمكانيات المتاحة والقياسات المحلية والدولية المعتمدة وعدم إثقال كاهل الموازنة الاتحادية وثانيها منح المزايا الاعتبارية للطلبة وأساتذتهم وبقية العاملين كونهم جامعيون بحيث اختفت تقريبا طلبات انتقال التدريسيين لبقية الجامعات وثالثها الزيادة الملحوظة في عدد البحوث المنجزة ذات معامل التأثير وولوج النشر في المجلات العلمية العالمية ناهيك عن الزيادة في العمل الجماعي بدلا الفردي وزيادة عدد براءات للاختراع ورابعها استقرار وانتظام الأعمال الإدارية والتنظيمية وانجاز المعاملات للطلبة والعاملين وأصبحت المراجعات ميسرة لأنها قريبة من الموقع الجغرافي وخامسها انخفاض عدد معاملات نقل الطلبة أو استضافتهم نظرا للصلاحيات الممنوحة للجامعات وتقليل الحاجة للأقسام الداخلية واستقرار الكادر التدريسي والتدريبي وسادسها الزيادة في عدد الترقيات العلمية بشكل يصحح هيكل التدريسيين وحسب إحدى الاستطلاعات فان عدد حملة الأستاذية أصبح إضعاف ما كان سائدا وبلوغ نسبة ومجموع الترقيات العلمية خلال 4 سنوات إلى ما يوازي عددها خلال ربع قرن واستحداث أربعة مراكز للتعليم المستمر مما يجعل تغطية الاحتياجات التدريبية متاحا وبكلف قياسية .
وفي مقابل الايجابيات والمزايا المتحققة خرجت آراءا (محدودة ) تنتقد مسالة إنشاء الجامعات التقنية الأربعة فالبعض حسبها خطوات متعجلة والبعض الأخر يعبر عن اعتزازه وولاءه لهيئة التعليم التقني لان البعض تربى وشاب فيها ، ولان جميع الآراء محترمة ومن حق أصحابها أن يعبروا عنها بالطريقة ( المهذبة ) المناسبة فننا نضع مجموعة من الأمور التي تستحق الاهتمام والتي لم تحل بعد على أمل معالجتها للإجابة عن التساؤلات المشروعة والنقد النابع من الحرص المهني والوطني :
. إن المشرع العراقي لم يجد معالجة واضحة وعملية للمواد 31- 35 من قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 المعدل فهذه المواد تخص هيئة التعليم التقني بمعنى إن الهيئة موجودة قانونيا ولا تزال في موقعها الحالي في المنصور – شارع النقابات ويداوم فيها عدد من الموظفين بعد أن تم تخيير العديد من الموظفين في الانتقال إلى الجامعات الحكومية مع الدرجة الوظيفية والراتب أو الاستقالة أو التقاعد أو أي خيار آخر .
. وإذا كانت المواد المشار إليها موجودة ( نافذة ) فلماذا لا تعامل الجامعات التقنية الأربعة معاملة الجامعات ( الفتية ) لغرض الاستفادة من هذه الميزة من حيث التخصيصات المالية والقبول في الدراسات العليا وغيرها من الامتيازات .
. ويتساءل البعض أين مجلس التعليم التقني الذي تم الاتفاق على تأسيسه في مراحل الإعداد لإنشاء الجامعات التقنية الأربعة باعتباره صمام الأمان في الحفاظ على هوية وتاريخ التعليم التقني في العراق علما إن موضوع رئاسته كانت محسومة ( حسب ما تم التداول به ) وهو أن تكون دورية بحيث يكون كل رئيس جامعة رئيسا للمجلس لسنة واحدة أوان تنشا هيئة عليا للتعليم التقني بمستوى يقل عن الوزارة واكبر من الجامعة ويضم السادة رؤوساء الجامعات وحقل العمل والخبراء ومن يعينهم مجلس الوزراء .
. يعتقد البعض بحصول غياب في اللجان القطاعية ولجان إعداد وتوحيد المناهج حيث كانت هناك خطة لتغيير المناهج على مدى 5 سنوات وبمعدل 20% سنويا والجزء المكمل للموضوع يتحدث عن الكيفية التي يتم بها تحديث وتغيير المفردات والمناهج بما يضمن وحدة التعليم التقني ضمن الحدود والنسب العلمية المعمول بها في مجال الرصانة العلمية ، كما إن من الضروري الإبقاء على مركز تطوير الملاكات لرفد مراكز التعليم المستمر للجامعات بالخبرات .
. وإذا كانت الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي في مجال التعليم التقني والمهني للسنوات التي تمتد لغاية 2023 لا تزال سارية فأين وصل موضوعها ومن يتولى إدارتها كجهة قطاعية ومستفيدة بعد الجهة المعنية في أمانة مجلس الوزراء وما هي خطط التعليم التقني في عقد المزيد من الاتفاقيات العربية والدولية لغرض التواصل العالمي وتبادل المنفعة مع الآخرين .
وان طرح هذه المواضيع لا يقلل إطلاقا من المكانة المرموقة التي وصلت إليها الجامعات التقنية رغم الاعتماد على إمكانياتها الذاتية وبدون اعباءا ضافية ، فقد أصبحت لكل جامعة من هذه الجامعات بصماتها ودخلت التصنيفات العالمية ولديها مبتعثين عادوا وسيعود ما تبقى منهم لإضافة طاقات جديدة لتشكيلاتها ، ويجب أن لا نبخس حقوق هذه الجامعات في إشغال مساحات واسعة في مجال تخريج الطلبة وتطبيق هدف الجامعة للمجتمع وتحقيق المردودات المادية وغير المادية ، فالجامعة الجنوبية لها علاقات واسعة مع الشركات والمنظمات والإفراد في الجنوب وشركات النفط وغيرها وتقوم بتنفيذ العقود وتشغيل الخريجين كما حققت جامعة الفرات الأوسط السبق في مجال إنتاج الطائرات المسيرة ولها عقود والتزامات كبيرة لم نكشف عنها لطبيعتها السوقية أو التعبوية كما إن الجامعة التقنية الوسطى تسابق الزمن لسبر غور العديد من المواضيع وهي بصدد التوسع في الطاقات البديلة وحاضنات الأعمال ن أما الحديث عن الجامعة التقنية الشمالية فان له العديد من الشجون فقد اخترقت المستحيل لكي تحقق الولادة وليس الريادة ويكفي إنها جمعت ألاف الشباب من الضياع ومن الأوائل التي عادت إلى موصل الحدباء ورصاصات القتال لم تنقطع بعد ، وكما ذكرنا سابقا إن هناك من ينتقد ولا يظهر رضاه عن التغيير لأنه تغيير أولا ومن المتوقع إن يقابله مقاومة للتغيير ولأنه يريد أن يرى الصورة متكاملة وغير مجتزئة كما إن البعض تضرروا من النقل والانتقال أو تعودوا على رئاسات وقيادات تغيرت ولعل مافات البعض إن القوانين النافذة تفرض إجراء التغييرات ، فحتى مهندس ومصمم ومنفذ مشروع الجامعات التقنية الأربعة الأستاذ الدكتور عبد الكاظم الياسري الذي اقترح إجراء التغيير نصحوه بان لا يمضي بمشروعه لأنه ينطوي على مخاطرة فقد يخرج منها خالي اليدين ولكنه أجاب في مؤتمر علني أنا اعمل للعراق وليس في خدمة منصب وأنا أدرك إنني لا أغامر رغم إنني رئيس لواحدة من ابرز مؤسسات العراق لأنها تضم 46 تشكيل بدرجة مدير عام ، فتحية لكل من أسهم لكي يخرج هذا المشروع ليرى النور وتحية لجميع العاملين في التعليم التقني سواء في الجامعات الأربعة أو موقع المنصور الذي لم يحدد مصيره بعد من الراضين والزعلانين على التغيير وتحية للتقنيين جميعا ولطلبتنا الإعزاء وشكرا لكل من يوقد شمعة في عراقنا الحبيب فنحن بحاجة للضوء .
باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here