ملامح صراع داخلي عقب إعلان افتتاح منفذ جديدة عرعر

كمال العياش

يبدو أن قرار افتتاح منفذ “جديدة عرعر” الحدودي فتح بوابة ذات مصراعين الأولى نحو موانئ البحر الأحمر، والثانية نحو مشكلات داخلية لوجود المنفذ ضمن الحدود الإدارية للمناطق المتنازع عليها إداريا بين الأنبار وكربلاء والنجف.

“العمل قائم على قدم وساق من اجل إعادة افتتاح منفذ (جديدة عرعر) الحدودي للحركة التجارية قبل موسم الحج القادم، بشكل يليق بالدولتين العراق والسعودية” بهذه الكلمات أعلن السفير السعودي عبد العزيز الشمري عن قرب افتتاح منفذ جديدة عرعر بشكل دائم، وأشار خلال لقاء تلفزيوني الى أن الجانبين العراقي والسعودي قد اتفقا على كامل المتعلقات والإجراءات الكفيلة بإعادة افتتاحه للأغراض التجارية.

ليست المرة الأولى التي تعلن فيها السعودية موافقتها على إعادة العمل بالمنفذ، ومع كل إعلان ترتفع الأصوات المؤيدة لعودة العلاقات الى طبيعتها مع السعودية، تقابلها الأصوات المعارضة حول العائدية الإدارية للمنفذ، كونه يقع ضمن الحدود الإدارية لقضاء النخيب (308 كيلومترات) جنوب غرب الرمادي مركز محافظة الأنبار، الذي مازال يمثل منطقة متنازعاً عليها بين محافظتي الأنبار و كربلاء.

تشير الوثائق التي تستند إليها محافظة الأنبار الى عائدية ناحية النخيب التي تضم المنفذ الحدودي إداريا إلى المحافظة، حيث أنها تتبع إلى قضاء الرطبة (450 كيلومترا) غرب العاصمة بغداد قبل أن تتحول إلى قضاء في عام 2016، بتصويت غالبية أعضاء مجلس محافظة الأنبار.

استحدثت ناحية النخيب بموجب مرسوم جمهوري في عام 1960 وارتبطت بقضاء الرطبة التابع إلى محافظة الأنبار حتى عام 1978، بعد أن تم ضمها إلى محافظة كربلاء لمدة أربعة عشر شهرا ثم أعيدت إلى محافظة الأنبار في عام 1979، بعد حدوث أزمة بين السكان المحليين للناحية وحكومة الرئيس العراقي الأسبق احمد حسن بكر.

ويقع منفذ جديدة عرعر على الحدود العراقية السعودية (97 كيلومترا) جنوب غربي قضاء النخيب، يفتتح رسميا خلال موسم الحج فقط منذ عام 2003 لتفويج الحجاج العراقيين إلى مكة المكرمة، وله مساران الأول يمر بمحافظة كربلاء، والثاني داخل محافظة الأنبار.

الحكومة المحلية في محافظة الانبار تتفاخر بنجاح خططها الأمنية والخدمية في كل موسم من مواسم الحج على الرغم من تأكيدها المستمر بعدم وجود تخصيصات مالية للمنفذ، الا أنها وفي كل عام تساهم في رفد المنفذ والقضاء بإمكانيات ذاتية، سعيا منها الى إثبات الحالة والتمسك بحقها حول عائدية القضاء والمنفذ الحدودي لها إداريا.

طه عبد الغني عضو مجلس محافظة الأنبار تحدث لـ”نقاش” قائلا “من غير المقبول أن يتكلم احد عن حقه في إدارة منفذ جديدة عرعر غير محافظة الأنبار، فكل الوثائق والمستندات تشير الى أن قضاء النخيب ومنفذ عرعر ضمن الحدود الإدارية لمحافظة الأنبار، وكل ادعاء غير هذا هو افتراء على محافظة الأنبار وتعد على حقوقها”.

ويضيف أيضا “محافظة الأنبار ومنذ خمسة عشر عاما تتولى مهمة إدارة ناحية النخيب قبل أن تتحول الى قضاء بقرار مدعوم من مجلس محافظة الأنبار، وتقتطع مبالغ ضخمة من ميزانيتها لتخصصها الى خدمات ومشاريع فيه فضلا عن دعم كافة القطاعات وتوفير المستلزمات اللوجستية والخدمية لضمان نجاح الخطط الامنية، وعمليات تفويج الحجاج في منفذ جديدة عرعر”.

لا يمكن حصر أهمية منفذ عرعر الحدودي بين العراق والسعودية بالأغراض التجارية أو السياحية فقط، فهو يتميز بمكانة سياسية وأمنية لصالح مختلف الأطراف السياسية إن كانت دولية أو محلية، وهذا ما يتبناه بعض المتخصصين والمطلعين، الذين يؤكدون إن الصراع الذي ترتفع وتيرته مع كل تطور بخصوص قضاء النخيب أو المنفذ لا يمكن أن يكون لأهداف اقتصادية فقط.

اللواء المتقاعد محمد كرطان تحدث لـ”نقاش” قائلا إن “السيطرة على القضاء والمنفذ من الجانب العراقي له دافع واحد عند الجميع فالأنبار مثلا تسعى للمحافظة على منفذها باتجاه محيطها السني وتحديدا الخليجي، أما كربلاء أو النجف فهو من اجل فرض سيطرتها ونفوذها، وعزل المكون السني عن محيطه الخليجي الداعم الرئيس له”.

ويقول أيضا “من يمتلك السيطرة عليهما يمتلك السيطرة على عقدة اتصالات مهمة بين العراق وسوريا استحدثت بالتزامن مع احتلال جماعات داعش لغالبية مدن محافظة الانبار، في محاولة لإيجاد طرق بديلة تسهم في وصول إمدادات الدعم المادي واللوجستي الى سوريا دون المرور بجماعات داعش، فضلا عن السيطرة على منفذ العراق نحو دول الخليج وموانئ البحر الأحمر”.

عودة المنفذ الى الحياة من جديد قد يمثل منفذا مهما للتجارة العراقية والسعودية، الا انه ضربة اقتصادية موجعة تتسبب بها السعودية بمساندة العراق للتجارة الإيرانية، التي تعتمد بشكل كبير ومباشر على السوق العراقية.

كريم النوري القيادي في قوات الحشد الشعبي تحدث لنقاش قائلا إن “افترضنا حسن النوايا من السعودية فقرار إعادة العمل تجاريا بشكل دائم في منفذ عرعر الحدودي هو قرار جيد ومفيد من اجل إعادة العلاقات العراقية السعودية الى نصابها، لكن ما نراه أن القرار سياسي والتوقيت غير مناسب لاسيما مع العقوبات الأميركية على إيران”.

وأضاف أيضا “افتتاح المنفذ الواقع في مدينة حساسة ومهمة لم يحسم ملفها بعد ومازالت ضمن المناطق المتنازع عليها، قد يفجر أزمة حقيقية تتطور الى صراع بين مكونات الشعب الواحد، وأن إعلان افتتاح المنفذ في هذا الوقت هو قرار غير مدروس، يجب إعادة النظر فيه”.

السكان المحليون في محافظة الانبار عموما وقضاء النخيب خصوصا، يؤكدون أن إعادة العمل بمنفذ جديدة عرعر الحدودي، يسهم في الانتعاش الاقتصادي لغالبية المدن المحيطة بالمنفذ، والتي تضررت اقتصاديا منذ إغلاقه في عام 1990.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here