لا حقوق .. حين يعتلي الجبناء صهوة النصر

فؤاد المازني

بعد أحداث عام 2003 لا أحد من العراقيين أياً كانت إنتماءاتهم العشائرية والمناطقية أو أياً كانت طائفتهم ومذهبهم ودينهم وقوميتهم وإثنيتهم وأين ماكانوا يقطنون في أي بقعة من الأرض داخل أو خارج العراق ممن لم تتلطخ أياديهم بدماء الأبرياء في زمن المقبور وحكم الطواغيت وممن لم يرتكب الجرائم بحق الآخرين ، أعتقد جازماً الكل إلا ماندر قد رسم في مخيلته وتطلعاته صورة مستقبل مشرق ينتظر البلاد وشعبه وتحولاً في حياته نحو حالة من الأمان والإستقرار والإزدهار وينعم برغد العيش ووفرة الخير وسيادة الحرية والعدالة والمساواة إلى حد ما بما يضمن للجميع حقوقهم التي حرموا منها هم وأبنائهم وآبائهم وأجدادهم وسلفهم من قبل ، وربما وضع البعض في مداركه جملة من المعرقلات التي تحول دون الإسراع بتحقيق تلك الأماني من قبل العابثين إن لم تطالهم يد العدالة التي ينبغي أن تكون الذراع الأول في إحكام القوانين في التشريع والتطبيق وأن توضع الموازين القسط في التعامل والكل سواسية ولا لأي أحد سلطة فوق القانون أو تجاوز لسننه .
على مدى السنين التي أعقبت سقوط الطاغية وعلى جميع المستويات وفي كل الصعد لم توضع الأمور على مساراتها الصحيحة وخلطت الأوراق بين المتنافسين على سدة الحكم الذين جيئ بهم من قبل قوات الإحتلال وكل منهم يدعي لنفسه الشجاعة والإقدام حتى صدرت من أحدهم في معرض لقاءه مع أحدى الفضائيات قوله بالعبارة الدارجة ( آنه بايع ومخلص) ويعرف العراقيون أصحاب الأتاوات والشقاوات وحدهم من يتداول هذه العبارات ، كما وأن البعض أوهم نفسه بأنه القدوة في القيادة المثالية والإلتزام بالقيم الدينية والمبادئ الأخلاقية والوطنية والسير بالركب نحو بر الأمان حتى أصبح تسنم المسؤولية فرصة وثروة البلاد غنيمة وإستغفال الشعب منهج وسلب الحقوق ممارسة لا مناص منها وهدرت الأموال وبعثرت الثروات وساد الفساد في أنحاء البلاد وضاع الأمن والأمان وتبخرت الآمال والتطلعات ومعها البطولات والشجاعات التي كانوا يتغنون بها أيام ماكانوا في حقيقة الأمر لايتجرؤن على المرور قرب شارع في نهايته موقع لقنصلية عراقية .
أغلب المتنافسين على سدة الحكم والمناصب والإمتيازات بعد أن لاح لهم زخرفها وإزينت لهم وتذوقوا طعم الترف والبذح وشاهت أبصارهم بين القصور والأبراج المشيدة والموائد الفاخرة المنصوبة أمامهم أصبحت مواقفهم بعيدة عن ملكة الشجاعة التي لايملكونها لا من جانب الصدق والإخلاص والأمانة فيما إدعوه لأنفسهم في بداية الأمر ولا من جانب الإعتراف بفشلهم الذريع وتبنيهم المسارات الخاطئة التي أودت بهم إلى منزلق الفساد حد النخاع ولا من جانب الوثوب على النفس الأمارة بالسوء وتصحيح المسار ومسك زمام المواجهة الحقيقية في التصدي وبناء الدولة ومؤسساتها وفق المعايير الأخلاقية في الوطنية والكفاءة والنزاهة والإخلاص والشجاعة في إتخاذ القرارات وتنفيذها ، ولا حتى القضاء على الفساد ومحاكمة الفاسدين من جهة أخرى بل بقيت مواقفهم متأرجحة على مقاعد الجبناء ما بين خائن هنا وخائن هناك ومتآمر ومساوم ومهادن ومتاجر ومتربص ، إلا أن هؤلاء بقيت علاقاتهم وطيدة مع الطرف الأمريكي الذي جاء بهم للبلاد وفرش لهم بساط الحكم دون أدنى شك وإن أظهروا خلاف ذلك في العلن بل جعلوه ملاذاً لحل أزماتهم الواقعة فيما بينهم .
وصل الحال بالبلاد إلى إحتلال جزء من أراضيه على أيادي عصابات إرهابية وفي سابقة خطيرة لم يشهدها العراق من قبل وعبثت هذه الزمر بمقدرات البلد وهتكت العرض والمحرمات والمقدسات ، وبفضل فتوى الإنقاذ التي أطلقتها المرجعية الرشيدة والتلبية المثالية لها من قبل فقراء الشعب والمستضعفين الذين يكنون الولاء والإنتماء الحقيقي للمرجعية ومدت لهم يد العون من دولة إيران بالخبراء والمستشارين وبالأسلحة وحتى بالمقاتلين وخاضوا معاً المعارك حتى إختلطت دمائهم مع دماء العراقيين ليتحقق النصر .
بعد أن بانت سحب النصر وهبت نسائمه وثب الجبناء على حين غرة ليركبوا صهوة النصر وكل منهم يدعي له اليد الطولى في الحرب والتحرير وعزف مرتزقته بمزامير الكذب والدجل والنفاق ولما تنشف بعد دماء الشهداء الفقراء وسارعوا هؤلاء لتوظيف النصر لأهوائهم ومصالحهم ، ولكونهم مهزوزين ومواقفهم غير ثابتة ويأتمرون بأوامر من وراء الدهاليز فما إن أعلنت أمريكا فرض العقوبات الأحادية على إيران والحصار الإقتصادي على شعبها حتى بادر الجبناء للإنصياع لها وإن إستنكر البعض منهم ظاهراً وهكذا الحال بعد أن أهدرت وأستبيحت حقوق الشعب العراقي من قبل حكامه وصل الأمر إلى المساهمة في تضييع حقوق شعب وقف مع العراق في محنته ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here