في ادب الحياة ـ ضرورة اللياقة والتأنق لدى الشباب والشيوخ !

* د. رضا العطار

كان القصد الأول من سرد هذا الموضوع هو ارشاد الموظفين الذين يقضون ثلاثين سنة من اعمارهم , وهم جلوس طول الدوام وراء طاولة الكتابة دون حركة تذكر, للأنتفاع بحياتهم عقب الستين. لأن الملاحظ ان الكثيرين منهم عقب سن التقاعد يصبحون في حال يرثى لها, وهم يعيشون في خواء الذهن وركود الجسم. لكنني ارتأيت ان لا يقتصر الموضوع على الموظفين فحسب بل يشمل البحث كذلك موضوع الشيخوخة عندنا وذكر العوامل التي تؤدي الى ترقيتهم نفسيا وذهنيا .

غايتي ان احيل الشيخوخة من معانيها الحاضرة ومن اوهامها الشائعة الى نضج وايناع. وذلك ببسط الافاق الجديدة التي يستطيعون ان يجدوا فيها المجال الحيوي لنشاطهم واختباراتهم وذكائهم. والفائدة العاجلة من هذا الحديث تعود الى القارئ المسن . ولكن هذا لا يمنع الشبان من الأنتفاع بقرائته.

هناك اشياء كثيرة يستطيع الشاب ان يلتفت اليها ايام شبابه, يجني منها فوائد كأن يتفادى سلبياتها حتى يستفيد من ايجابياتها زمن الشيخوخة. كما ان هناك عادات ذهنية ونفسية قد يشق على المسنين اتخاذها مع سهولة ذلك على الشبان. فمثلا يستطيع الشاب ان يتعود وهو في الثلاثين تلك العادات الملائمة لصحة ذهنه ونفسه التي تخدم سعادته ونشاطه بعد الستين والسبعين.

يستطيع ان يتجنب عادة التدخين , اذ من الشاق جدا على الانسان زمن الشيخوخة ان يقلع عنها اذا كان قد اعتادها في شبابه. ولم يختلف احد من الباحثين في ضرر هذه العادة كونها تحول دون التعمير بل التدمير. كما انه يسهل على الشاب ايضا ان يحافظ على نحافته بتجنب الأنغماس في الشراب وتناول الطعام بنهم. والنحافة عامل خطير في الشيخوخة المثمرة وفي عمليات التعمير ايضا. لذا يجب على الشاب ان يجعل القناعة في الطعام مزاجا لا يحتاج الى التفات خاص. ان ذلك لا يتحقق الا بالعادة.

يجب على الشاب ان يتعلق بالرياضة ويختار منها تلك التمارين التي تلائم معيشته، والتي يستطيع ان يؤديها وهو في منزله بل في غرفة نومه كل يوم بعد ان يعمل على تغيير هواء الغرفة. وكثير من الناس لايحتاجون الى الرياضة لأن طبيعة اعمالهم اليومية تطالبهم بنشاط يحافظ على حيويتهم.

لكن جميع الذين يمارسون الكتابة كموظفي الدولة او المتاجر الأهلية، هؤلاء يحتاجون الى ممارسة الرياضة اليومية. وهنا تعتبر الحركات الرياضية علاجية.

ومن احسن العادات التي ترفع من شأن الشيخوخة وتكسبها الأيحاء الروحي الايجابي في الصحة النفسية والجسمية هي عادة التاّنق. والتأنق مظهر جميل ومرحب في الشباب, لكنه أجمل في الكهل والشيخ. ونعني التأنق في كل شئ. في اللباس النظيف والهندام المرتب, و أداب المائدة و اسلوب تناول الطعام. وكذلك في اللغة و في العلاقات العامة مع المجتمع. وكلنا نعجب بالشاب النظيف و الأنيق، لكننا نعجب بالشيخ المتأنق في هندامه وسلوكه اكثر.

وليس اجمل من السيدة التي بلغت السبعين او جاورتها وهي تتمتع بأناقة الهندام مثلما تتأنق في اللغة والأيماءة والحديث العذب، تعني بتصفيف شعرها الأبيض وبالوردة على صدرها. وبالمقابل نشمئز من منظر الرجل والمرأة المسنين, عندما نرى فيهما اهمال ورثاثة, فالشعر مشعث والبدلة واسعة مبهذلة الى جانب الاهمال في عادات الأكل و الحديث والمعاشرة، فلو التزمنا عادة التأنق زمن الشباب, لازمتنا العادة الى عهد الشيخوخة والعكس بالعكس.

ان اتخاذ هواية بعد الخمسين قد يشق بعض المشقّة ولذلك يجب على الشاب ايضا ان يتعلق بهواية ما في شبابه حتى اذا وصل الى مرحلة الشيخوخة وجد وقته مملوءا خصبا بالعمل المثمر. وان خير الهوايات في الشيخوخة هي الثقافة، لأن ميدانها رحب لا نصل الى اخره ولا نكتفي منه وهويشعرنا دوما بالنمو والرقي كلما ازددنا توسعا فيه.

والشاب الذي يعني بصحة نفسه وجسمه وذهنه قبل الخمسين يكون قد تعود عادات حسنة ملائمة للشيخوخة. لا يصعب عليه ان يصل الى المئة من عمره وهو يتمتع بنشاط الشباب, كما حدث للفيلسوف الأنكليزي برنادشو , فرغم بلوغه الرابعة والتسعين الا ان ذهنه كان يتقد نور الثقافة الحديثة مطعّمة بالحكم والنوادر. وهذا هو حال الكثيرين الآن في العالم . وهم الذين اسعدهم الحظ ان يعيشوا في ببيئات اجتماعية حسنة ساعدتهم في شبابهم على المعيشة الصحية وعودتهم العادات المفيدة التي تلائم سن الشيخوخة.

ويسنطيع القارئ الشاب ان يتأمل زملائه من الشبان ويتكهن بمصيرهم بعد الستين. فهناك الذي يقضي وقته جالسا على خشبة المقهى يلهي نفسه بالعاب النرد وهناك الآخر الذي يسرف في التدخين (1) و الثالث الذي استكرش قبل الأربعين. كل هؤلاء سوف يجدون المشقة الكبيرة في شيخوختهم. وقليل منهم من يبلغ الشيخوخة دون ان يكون مصابا بمرض عضال.

· مقتبس من كتاب حياتنا قبل الخمسين للموسوعي سلامة موسى.

(1) يستذكر كاتب السطور ما رأه في خمسينيات القرن الماضي، عندما عهد اليه تشريح جثة فتاة مدخنة في الثلاثين من عمرها، فوجد ان حويصلات رأتها مليئة بمواد رمادية تفوح منها روائح نتنة تزكم الانوف. كما وجد ان نسبة مادة النيكوتين السامة في دمها المتخثر نسبة عالية، وهي سبب الوفاة، يومها توقفت عن التدخين، وليكن هذا التعليق للقارئ المدخن عبرة !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here