ومضات الخاطفة : اختلال التوازن في ميزان المحاكم

بقلم مهدي قاسم

بحكم عملي كمترجم قانوني في جهاز القضاء الهنغاري و الذي يمتد لمدة أكثر من ثلاثين عاما ، اكتسبت خبرة لا بأس بها على صعيد صدور أحكام قضائية في قضايا جنائية مختلفة ابتداء من جرائم قتل و سطو مسلح و متاجرة بالمخدرات وعملية اغتصاب بإكراه ، فضلا عن جرائم اقتصادية بحق المال العام و الخاص و سرقات أخرى وعمليات نصب و احتيال و تزوير وثائق و غير ذلك من جرائم أخرى ..

ولكن الذي لفت نظري قبل أي شيء آخر هو مُراعاة التوازن الصارم في حجم و طبيعة عقوبات الأحكام القضائية الصادرة و بدقة شديدة ، وتطبيق حكم ما يسمى ” بالوسط ، دون أن ينسحب ذلك دائما على عمليات ارتكاب جرائم قتل عمد مع سبق إصرار أو عمليات إرهابية خطيرة وزهقة للأرواح ..

فمثلا إذا ارتكب أحدهم جريمة خطف و اعترف بجريمته متعاونا مع القضاء ومعبرا عن ندمه لارتكاب الجريمة فإنه سيُحكم عليه بعقوبة حبس لمدة ست أو سبع سنوات فقط ، إذا كان نص المادة القانونية تحدد مدة عقوبة الحبس من سنتين إلى عشر سنوات مثلا ، وهو الأمر الذي سيحدده قاضي الجلسة الذي بإمكانه أن يصعد بالحكم إلى أعلى قليلا ، أي إلى ثمان أو تسع سنوات أيضا ، إذ أن هذا الأمر سيتوقف على سلوك المتهم و كذلك على خلو قيده الجنائي من ” سوابق ” فكل هذه الأمور : أي الاعتراف بالجريمة و التصرف اللائق أثناء جلسات المحاكمة ، و التعبير عن الندم ، و طلب العفو من المتضررين ، ستكون من ضمن العوامل و الظروف المخففة لعقوبة الحبس إلى أدنى درجة ممكنة ، بينما عكسها سيؤدي إلى تشديد الحكم ..

ولكن في كل الأحوال لم أكن شاهدا أو حاضرا قطعا على إصدار أحكام عقوبة حبس بمدى الحياة على خاطفين أشخاص بدافع الحصول على منفعة مادية ..

مع أنني كنت مترجما في قضايا عمليات خطف عديدة ارتكبها عرب في هنغاريا..

إنما عقوبة حكم بمدى الحياة تصدر فقط بحق مجرمين أُدينوا بجرائم قتل عمد مع سبق إصرار بعد أن أصبحت هنغاريا عضوا في الاتحاد الأوروبي الذي الغى عقوبة الموت سواء شنقا أو إعداما..

أما السبب الذي دفعني إلى كتابة هذه السطورهو قراءتي خبرا يفيد :

( اصدرت محكمة جنايات في جانب الرصافة في العاصمة بغداد حكما بالحبس مدى الحياة على رجل ادين بجريمة النصب والاحتيال على ذويه واقاربه.

وقال مصدر في المحكمة “المحكوم اقنع ذويه بان طفله قد تعرضت للخطف وقام باخفائه لدى صديقه وتحصل على مبلغ الفدية بالفعل مقدمة من ذويه ــ نقلاعن صحيفة صوت العراق *)

أما الخبر الآخر فيقول ( العراق ينفذ احكام اعدام بحق وجبة جديدة من المدانين والمؤبد لعاملين مع داعش ) !! ..

أي أننا نجد هنا من قام بعملية نصب و احتيال قد حكم عليه بنفس الحكم الذي حكم على من كان ضليعا في في ارتكاب عمليات إرهابية المتسببة بقتل مئات أو آلاف من المواطنين الأبرياء، بحكم مؤبد !..

هذا دون أن ننسى أن نُشير إلى هذا الاختلال الحاد في ميزان الحكام وعدم دقتها القانونية على صعيد العدالة الحقة في المحاكم العراقية ، إلى إدانة ” طفل المناديل الورقية ” الذي اتهم بسرقة مناديل ورقية و حكم عليه بعقوبة حبس لسنوات طويلة ، بينما نقرأ في ـــ الهامش الثالث أدناه ــ خبرا عن إصدار ( الحكم بسجن موظفين اختلسا 24 مليار دينار ) لمدة سبع سنوات فقط !! فكيف تصبح جنحة سرقة مناديل ورقية أخطر من جريمة سرقات و اختلاسات قد بلغت 24 مليار دينار ولكن بعقوبة حبس أقل مما لسارق المناديل الورقية ؟!! ..

فهنا نلاحظ أيضا اختلال ميزان العدالة الصارخ بين حالتي ” طفل المناديل الورقية ” الذي حكم عليه بسنوات أكثر مما حكم على مختلسي المال العام والبالغ 24 مليار ..

هوامش ذات صلة

*( اصدرت محكمة جنايات في جانب الرصافة في العاصمة بغداد حكما بالحبس مدى الحياة على رجل ادين بجريمة النصب والاحتيال على ذويه واقاربه.

وقال مصدر في المحكمة “المحكوم اقنع ذويه بان طفله قد تعرضت للخطف وقام باخفائه لدى صديقه وتحصل على مبلغ الفدية بالفعل مقدمة من ذويه ،، عن صحيفة صوت العراق ”.

فجريمة من هذا القبيل قد تترتب عليها عقوبة حبس ما بين خمس وثماني سنوات كعقوبة حبس متشدد في حالة عدم أخذ الظروف المخففة بنظر الاعتبار ، ولكن ليس عقوبة حبس لمدى الحياة في كل الأحوال ، علما أن صيغة تصنيف الجريمة ذاتها مشكوكة بها كجريمة خطف ، بقدر ما هي أقرب إلى جريمة نصب واحتيال بهدف الحصول على منفعة مالية وهي جريمة ــ في حالة إثباتها بأدلة قاطعة ــ لا تترتب عليها عقوبة حبس لمدى الحياة ..

و هنا بالضبط سنصل إلى حالة من اختلال توازن في إصدار بعض الأحكام القضائية في العراق إذا عرفنا أو قرأنا الخبر التالي أيضا و ذات صلة مباشرة موضوعنا وهو:

(بغداد.. حبس مدى الحياة لأب خطف ابنه ليحتال على ذويه من اجل المال

اصدرت محكمة جنايات في جانب الرصافة في العاصمة بغداد حكما بالحبس مدى الحياة على رجل ادين بجريمة النصب والاحتيال على ذويه واقاربه.

وقال مصدر في المحكمة “المحكوم اقنع ذويه بان طفله قد تعرضت للخطف وقام باخفائه لدى صديقه وتحصل على مبلغ الفدية بالفعل مقدمة من ذويه”.

واضاف ان “الجهات المعنية بالتحقيقات علمت من خلال الجهد الفني وجود اتصالات هاتفية سابقة بين رقم الهاتف الذي استخدم في المساومة المزعومة ورقم هاتف الاب قبل العملية من اجل الحصول على مبلغ الفدية ــ عن صوت العراق ”.

** (المدانين والمؤبد لعاملين مع داعش

اعلنت وزارة العدل يوم الخميس عن تنفيذ احكام اعدام بحق وجبة جديدة من المدانين بجرام “انتهاك حرمة الدم العراقي”.

وقالت الوزارة في بيان لها اليوم، انه “قد تم تنفيذ احكام الاعدام خلال هذا الاسبوع بحق ستة مجرمين ثبتت ادانتهم بانتهاك حرمة الدم العراقي”.

وأضاف البيان انه تم تنفيذ الاعدام “بعد اكتساب احكامهم الدرجة القطعية و ورود المراسيم الجمهورية الخاصة باحكامهم بعد توقيعها من رئيس الجمهورية، وموافقة الادعاء العام على اكتمال الاجراءات الاصولية لتنفيذ هذه الاحكام وحسب القانون ــ عن صوت العراق ”.

في غضون ذلك اصدرت محكمة جنايات الكرخ حكمين بالسجن المؤبد إرهابيين اثنين ينتميان لتنظيم داعش الإرهابي وعملوا لصالحه بمهن مختلفة.

وقال المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار بيرقدار إن “الهيئة الاولى في محكمة جنايات الكرخ نظرت قضايا متهمين أدينوا بالانتماء لتنظيم داعش الارهابي وقضت بالسجن المؤبد بحقهم بعد ثبوت تعاونهم مع التنظيم”.

وأضاف بيرقدار أن “أحد المدانين تولى عمليات نصب أبراج الانترنت للتنظيم لغرض بث عملياتهم الاجرامية والآخر كان يعمل في ما يسمى (ديوان الصحة) لمعالجة جرحى التنظيمات الإرهابية”، لافتا إلى أن “الأحكام تأتي وفقا للمادة الرابعة /1 من قانون مكافحة الإرهاب”.

***(الحكم بسجن موظفين اختلسا 24 مليار دينار

كشفت دائرة التحقيقات في هيأة النزاهة، اليوم الخميس، عن إصدار محكمة الجنايات المختصة بقضايا النزاهة في بغداد حكماً غيابياً يقضي بسجن اثنين من موظفي وزارة الصحة في محافظة صلاح الدين؛ لتعمُّدهم بإحداث ضررٍ بالمال العام بلغت قيمته 24 مليار دينارٍ.

واشارت الدائرة في بيان إلى أنَّ المدانين الهاربين اللذين كانا يعملان في دائرة صحة محافظة صلاح الدين، قاما بالاتفاق مع متهمين آخرين مفرقة قضاياهم، باختلاس مبلغٍ مقداره أربعة وعشرين مليار دينارٍ، كان مُخصَّصاً لدعم النازحين، موضحة أنَّ أحد المدانين هو عضو في لجان تنفيذ المشاريع المدعومة، فيما عمل المدان الآخر كوسيطٍ بين محافظٍ سابقٍ وأصحاب شركات الصيرفة؛ لغرض تحويل المبالغ المختلسة.

المحكمة، وصلت إلى القناعة الكافية بتجريم المتهمينِ وفقاً لأحكام المادة 316 من قانون العقوبات وبدلالة المواد 289 و298 منه، والحكم عليهما بالسجن لمدَّة سبع سنواتٍ، وذلك بعد اطلاعها على أقوال الممثل القانوني لوزارة الصحة، الذي طلب الشكوى بحقهما، ومحضر اللجنة التحقيقية الذي أوصى بمقصريَّتهما، إضافةً إلى إفادات الشهود، فضلاً عن قرينة هروب المتهمينِ عن صوت العراق ) ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here