الكورد و الجبهتين العراقيتين

عماد علي
باختصار تام, يشهد العراق اليوم صراعا و تنافسا شديدا بين جبهتين داخليتين تابعتين لطرفين و قوتين خارجيتين مختلفتين من حيث التركيب و الهدف و التعامل مع العراق شعبا و ارضا. انهما و منذ عقد ونيف بل اكثر يتلاعبان على مصير العراقيين و كل وفق طريقته و امكانياته و علاقاته و ارتباطاته مع الداخل العراقي و الجهات التي تسيطر على زمام السلطة. اليوم السباق محموم حول من يمكن ان يتسلم كرسي السلطة و يرسي عليه النسر اخيرا من اجل ضمان مصالحه و بالخصوص في هذه المرحلة التي بلغ الصراع اشده بين ترامب و خامنئي و اصبحت العقوبات السلاح الذي تريد امريكا ان ترضخ به من يقف حجر عثرة امام تحقيق اهدافها الاستراتيجية في المنطقة و العالم.
ما يهمنا هنا كيفية تعامل الكورد مع ما يجري في المركز و السلطة العراقية التي من المحتم الاشتراك بها ليس حبا او محاولة لتنظيمها او ترتيبها استنادا على المأسسة و تجسيد الديموقراطية و السير الصحيح بترتيب الامر على ضمان وجود السلطة و المعارضة كما هي حال اي بلد ديموقراطي في العالم, و انما يجب ان تكون شراكة الكورد نابعا من الاهداف الاستراتيجية التي يحملها و لم تتحقق لاسباب تاريخية سياسية عالمية و اقليمية وداخلية عراقية رغم المحاولات التي باءت دائما بالفشل و منها عملية الاستفتاء التي سجلت سابقة مهمة و تاريخية للعودة الى نتائجها في اي ظرف مساعد و التي عبرت عن موافقة الاكثرية الساحقة على الانفصال و تاسيس دولة كوردستانية ديموقراطية حرة. الفرص مؤآتية و الجهد يجب ان ينكب على الخطوات التي توفر الطريق السهل و ان كانت طويلة للتقدم نحو الامام.
و هنا يمكن ان نفكر في اي جبهة يمكن ان تفيد الكورد في التقرب من هدفهم المستقبلي و ليس التكتيكي الاني. جبهة تابعة لايران واهدافها معلومة و في مقدمتها قطع دابر سيطرة امريكا نسيبا و تخفيف اثارها وقوة و ثقل و جبروت وفرض يدها على المنطقة على الاقل و الخروج من العقوبات التي فرضتها عليها امريكا من بوابة العراق على الاقل. و الجبهة الاخرى هي تابعة لامريكا و تريد ان تغلق بوابة العراق على ايران كي ترضخها لكافة متطلباتها و تحقيق اهدافها وما تريده منها بسهولة. هاتين الجبهتين تراسهما جانبان من القوى الشيعية المتصارعة فيما بينهما ظاهريا. و لكن الاهم بالنسبة للكورد هو ايهما افضل له نسبيا في نهاية الامر. الكورد على علم بما تحمله الجبهتان و جرّبهما في مرحلتين مختلفتين و تاكد منهما بانهما لم يحملان غير افشال التجربة الكوردية ان تفرغوا لها. اي الكورد تاكد بان القاعدة الاساسية هي( كلما تفرغ العراق من المشاكل سيشكل خطرا و مشاكل كبرى لكوردستان و العكس صحيح ايضا, اي كلما كان العراق منشغلا بمشاكله المركزية استراحت و اطمانت كوردستان من تدخلات المركز و طموحاتهم المختلفة و المتخلفة الباقية منذ عقود). و عليه يجب ان يدرس الكورد بدقة متناهية مسيرة كل جبهة و ما يمكن ان يحصل. فانني بدرايتي المتواضعة لكل جبهة و نواياها المختلفة, متيقن بان اي منهما ليس في مصلحة الكورد و اهدافهم, و عليه يجب الاختيار وفق القاعدة السابقة؛ اي ايهما يوفر على الكورد الجهد و يبعد عن بابه الشرور في حال ما يكون عليه الامن و الاستقرار في بغداد. هذا من جهة, اما من جهة اخرى فان اي منهما يمكن ان يؤدي الى تثبيت الفدرالية التي لم تذر اية جبهة اية اهمية لها بل تريد في قرارة نفسها سيطرة المذهب الخاص بهما على حساب المكونين الاخرين و هما الكورد والسنة. ايفي نهاية الامر و استنادا على النتائج الاكثر اهمية للكورد في نهاية المعادلة فان جبهة المالكي الايراني هي في نهاية الامر و كتحصيل حاصل تقع لصالح الكورد, كيف؟
باشتراك الكورد في هذه الجبهة, ستقتنع ايران و ترضى من الكورد و تقترب منهم و تعتبره رد الجميل للدين الذي تدعي ايران بانها اقرضته سياسيا و معنويا للكورد خلال مسيرته و بالاخص في حربه مع داعش, وبه يمكن الوفاء بالدين و ما تريد بشكل معين, و اما من جهة اخرى فان امريكا و توابعها في المنطقة ستقف بعيدة او غير راضية من المركز العراقي في تلك الحال لحدما لانها ستكون تابعة لايران و به ستكون اقتراب او ميل امريكا نحو الكورد تحصيل حاصل ايضا, و عليه, فان الكورد سيستفاد من الطرفين الامريكي الايارني في تحقيق بعض اهدافه الانية و يخطوا خطوات بسيطة نحو الهدف الاستراتيجي, و يمكن ان يساعد هذا ايضا على ترسيخ الفدرالية كمطلب للسنة اولا و من ثم المحافظات الجنوبية التي برزت فيها هذه التوجهات كثيرا ثانيا. اي انها فرصة و لابد للكورد ان يبعد عن فكره اي مشاركة قد يمكن ان تؤدي الى الاستقرار التام في المركز و تتفرغ هذه القوى غير الديموقراطية المذهبية الدينية الضيقة الافق لتجتمع و تجمع قواها و تتعاون ضد اهداف الكورد الحقة. اذاً امام الكورد فرصة و الاشتراك في السلطة المركزية كهدف تكتيكي آني كفرصة سانحة, و ان ابقت المعادلة عليه ان يكون هو بيضة القبان فيجب ان يميل الى الجبهة الايرانية ليس حبا بها و انما تحقيقا للبراجماتية التي تفرض نفسها على الكورد الان, و يجب انيعمل على فرض شروطه لحد ما تمكن و كيف كان و عليه ان يسير وفق اتفاقية علنية متضمنة لاهم البنود التي توفر المصالح الانية و الضامنة لخطوات مستقبلية , و هذا اضعف الايمان في هذه المرحلة و في مثل هذا الواقع السياسي و في ظل الصراع الاقليمي و العالمي و ما يجري و ما تمخض عن الصراعات الداخلية و الخارجية بروز هاتين الجبهتين العراقيتين, فانه كان اولا و اخيرا لصالح الكورد قبل غيره. اما الاشتراك في جبهة امريكا العبادي لم يوفر تلك المنفعة, لانه يبعد ايران و لم تقدم هي وجبهتها اي شيء للكورد و يمكن ان تخطوا ليغر صالح الكورد و بامكانها ذلك, و لم يستفد الكورد من جهة اخرى وكنتيجة طبيعية لتلائم القوى العربية مع الجبهة المعادية لايران ايضا و يكون على حساب اقترابهم من الكورد, اي يتضرر الكورد ايضا . اي ان الكورد باشتراكه في جبهة العبادي سيخسرمن الجوانب الثلاث, امريكا و ايران و الدول العربية ايضا

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here