ثلاثة يهدمن الحضارة

رضوان العسكري

اذا أردت ان تهدم حضارة، عليك بثلاث وسائل تجعل الشعوب تستحي حتى من انتمائها، {هدم الاسرة, وافشال التعليم, وإسقاط القدوة(القائد){.

هذا ما نستشعره اليوم لدى شعوب المنطقة العربية، تراهم يخجلون من انتمائهم الاسلامي والعربي، ويتمنون لو انهم ولدوا في بلدان غربية واوروبية حديثة النشأة، تفضيلاً على دولهم ذات الحضارات التاريخية العريقة.

لتهدم أسرة عليك بتغييب دور الام، اجعلها تخجل من وصفها بـ “ربت منزل”، فلا تقارنها بأجيال اليوم، ولا تقل لها ان افكارك “قد اكل عليها الدهر وشرب”، فهي لم تختار حياتها كما هو اليوم عند الغالبية العظمى من النساء، لأنها عاشت في ظروف تختلف كثيراً عما نحن فيه، فدور الام في المجتمع من اهم الأدوار، لأنها الاقرب للأسرة من غيرها، فهي المعلم الاول للأجيال.

يعتبر التعليم احد اهم ركائز بناء المجتمعات المتطورة، لارتباطه الوثيق بالأسرة، لذلك سميت بـ (وزارة التربية والتعليم)، أَي ان التربية سبقت التعليم، لأنها المدخل الأساسي لبناء الانسان، ولأجل هدم التعليم عليك بـ”المعلم” لا تجعل له أهمية, قلل من مكانته, حَقِرّه امام طلابه, اجعله يستحي من انتماءه لمهنته, كي يصبح مفتقراً لمكانته العلمية والمجتمعية داخل بلده، وبذلك تكون قد هدمت ثقافة جيل بأكمله.

كي تسقط “القدوات” عليك بالعلماء والمفكرين، اطعن فيهم, قلل من شأنهم, شكك بهم, ارمهم بالزور والبهتان, دلس عليهم، حتى لا يسمع لهم قول, ولا يقتدي برأيهم، حينها يصبح المجتمع في تيه وحيرة وتخبط تام، لا يعرف طريقه من أين يبدأ والى اين ينتهي.

المجتمع العراقي باعتباره مجتمع مسلم غالبيته من الشيعة، فأن قيادته تنحصر نوعا ما في علماء الدين ورجالتها، ولكي تصنع فجوة بين المجتمع وقادته، اضرب القادة، قلل من أهميتهم المجتمعية، ساوي بينهم وبين عامة الناس، فاذا ما جوبهت بالرد ان هؤلاء علماء أفاضل وقادة اجلاء، احصر حركتهم بالدِّين فقط،، وقل انهم اختصاص في ما هم فيه، عندها يمكنك جعل المجتمع لا يأبه بهم ولا يمتثل لأقوالهم واوامرهم ونواهيهم.

نعم ستجابه بردود لعل بعضها قاسية في حال انتمائك لجهات غير دينية، اما اذا كنت تنتمي لجهة دينية ستكون الردود اقل وطأة، وتناقش في بعضها، عندها يكون التأثير اكثر عمقاً في نفوس المجتمع.

فلا غرابة ولا استغراب عندما نسمع بين فترة واُخرى بعض المنتمين لـ (حزب الدعوة الاسلامي)، يطعنون ويشككون في قضايانا الدينية, وعقائدنا المذهبية، كما فعلها المدعو (حسين الشامي)، ثم يأتي دور آخر لعدد مِنْهم يطعنون في مراجعنا وعلمائنا، عندما يقولون بأن “المرجع مفكر ونحن مفكرون”، فهذا هو واقعهم الحقيقي ومنهجهم الخفي.

بعدما ترك السيد (محمد باقر الحكيم), والسيد (محمد باقر الصدر), والسيد (مهدي الحكيم) الحزب، اصبح بلا قيادة تذكر، وكل من جاء بعدهم لم يطول به المطاف طويلاً مع الدعاة، لأن اغلبهم يدعي انه القائد والمفكّر، فأصبحوا قادة لمجموعات صغيرة جداً، وهذا ما نلمسه اليوم في تشكيلات الدعوة الحالية.

ان خلو الدعوة من القيادة العامة، وافتقارهم الدعم المرجعي، جعلهم يكنون الاحقاد والضغينة للآخرين، والعداء لمراجع الدين، بعدما ترك اغلبهم الصفوف الاولى للحزب بادئ الامر، واصبحوا خارجه كلياً، وانقطعت الصلاة بينهم.

شهدت الفترة الاخيرة هجوم منظم ضد المرجعية الدينية، من قبل بعض اعضاء “حزب الدعوة” كما اعترف بذلك من يدعي نفسه مفكراً (غالب الشابندر)، حين قال “كلفنا انا والأخ (سامي العسكري) بمهاجمة المرجعية في كتابة مقالات ضدها، وتبين اننا مخطئون”، فَلَو يسأل سائل من هو الذي كلفهم؟ وهل كان تكليفهم استخباراتي خارجي؟ ام حزبي داخلي؟.

كلام الشابندر الاخير عبارة عن اقاويل مليئة بالتناقضات، فوصفه للسيد الحكيم بالدكتاتور، ما هو الا حقد دفين امتلأ به قلبه، اراد الافصاح عنه لأن لا يقتله، ثم لم يكتفي بهذا ليتهمه بمحاربته الحزب، بدون ذكر الوقائع والاسباب، ونسي انه احد مؤسسيه، ومن اهم قياداته، فاذا حاربهم يعني وجود خلل كبير داخله أراد تصحيحه، والا لماذا تركه في بداية ثمانينيات القرن الماضي.

اما عن محاربة ايران لهم ففيه تغييب للحقيقة، لأن الغالبية العظمى تعرف جيداً تدخل ايران المباشر في القرار السياسي العراقي، من اجل تمكين “حزب الدعوة” من السلطة، عندما جلس “سليماني” مع “خليل زادة” للتفاوض حول منح المالكي الولاية الاولى والثانية، ولما خرجت “بدر” من “المجلس الأعلى”، ولا أضطر الحكيم على الخروج وتأسيس تيار جديد، ناهيك عن التدخل الحالي العلني في تشكيل الحكومة القادمة.

فمنهج حزب الدعوة ما زال قائماً على ازاحة كل من يقف أمامهم، ولا تعنيهم شخصيته ومكانته، دينية كانت او مجتمعية، المهم عندهم جعل الساحة خالية أمام تطلعاتهم، باي ثمن كان، نجح الاعلام المعادي للإسلام والعروبة بتحقيق مبتغاه، فلا نعلم بعد هدم الاسرة, وافشال التعليم, إسقاط القدوة من يربي المجتمع على النشأة الصالحة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here