الفرق بين دين الاشتراكية ودين الإسلام بحكم القرآن الكريم

إيهاب المقبل

الاشتراكية فلسفة سياسية تزعم الدفاع عن الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، ويعد الفارسي مُزدك بن نامدان المتوفى نحو سنة 528 إفرنجية من أبرز دعاتها، وهو شخص مُدعي نبوة في المجوسية، ويُعرف عنه الفساد الإخلاقي، إذ زعمَ ان (الناس سواسية ولما كان المال والنساء من أهم ما يفّرق الناس كان ذلك مما تجب فيه المساواة والإشتراك). وقد ذكره الإمام الشهرستاني رحمه الله في الملل والنحل قائلًا عنه: (أحل النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيها كالشركة في الماء والنار والكلأ). وقال عنه الإمام الطبري رحمه الله في تاريخ الطبري: (افترص السّفلة ذلك واغتنموا وكاتفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم فابتلى الناس بهم وقوي أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله لا يستطيع الامتناع منهم، وحملوا قباذ على تزيين ذلك وتوعدوه بخلعه فلم يلبثوا إلا قليلا حتى صاروا لا يعرف الرجل ولده ولا المولود أباه ولا يملك شيئا مما يتسع به…ولم يزل قباذ من خيار ملوكهم حتى حملة مزدك على ما حمله عليه فانتشرت الأطراف وفسدت الثغور).

وتبنى الاشتراكية من بعد مُزدك بقرون عديدة الإنجليزي روبرت أوين والفرنسي سان سيمون، ثم دعا اليها اليهودي كارل ماركس والملحد فريدريك إنجلز والملحد فرديناند لاسال. ثم أخذت فتنتها بالإنتشار، فأعتنقها فلاديمير لينين في روسيا، وماو تسي تونغ في الصين، وجوزيف بروز تيتو في يوغسلافيا. فهؤلاء اجمالًا هم طلائع دعاة الاشتراكية، هم الذين وضعوا اسسها، وبنوا قواعدها، وعلى أساسها قامت الشيوعية ليلتقوا معًا في غاية واحدة: (الشيوع، وهو ذورة المثل الاشتراكية).

وجاءَ بعد هؤلاء، قوم أخذوا أسسها، وآمنوا بقواعدها، وقاموا بشرحها، وبيان أساليب تنفيذها، فنشأ من هذا الدين الجديد مذاهب، وتعددت الآراء، وأختلفت في طرق تنفيذها في المجتمع، فكانت الاشتراكية العلمية، والماركسية، والاشتراكية الشعبية، والاشتراكية التيتوية، والاشتراكية العمالية، واشتراكية الدولة، واشتراكية راس المال، والاشتراكية الفابية، والاشتراكية الديمقراطية، والاشتراكية الوطنية، والاشتراكية التعاونية، ثم الاشتراكية العربية التي دُعمت في مصر والعراق وسوريا من قبل الإستخبارات السوفيتية، وفلسطين وليبيا من قبل الإستخبارات الرومانية، وذلك خلال الحرب الباردة بين الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة 1947-1991. وهذه كلها بالحقيقة واحدة من حيث الأسس والقواعد، وان اختلفوا في الجزئيات وتباينوا في طرق التنفيذ، وفي تعدد أوصاف اسمائها.

وبما ان دين الاشتراكية يعاني اليوم من الإنحسار والإنقراض في البلاد العربية واوروبا الغربية، لذلك للإختصار سأسرد فقط خمسة فروقات رئيسية بين دين الاشتراكية ودين الإسلام.

1. دين الاشتراكية: الإستناد إلى المادة ونكران الناحية الروحية على إعتبار ان الدين أفيون الشعوب كما صرحت بذلك الاشتراكية الماركسية، وفصل الدين عن الحياة اليومية وحصر مفهوم الدين بالعبادة والأخلاق كما صرحت بذلك الاشتراكية العربية.

دين الإسلام: نجدّ ان من دعاة الاشتراكية العربية من يؤمن بالعلمانية ويبعد عنها الدين، لأن الدين في نظرهم ليس له علاقة بالاشتراكية على اعتبار انها نظام إقتصادي، ونجدّ أيضًا ان من دعاة الاشتراكية العربية من يجعل دين الإسلام مصدرًا لها، مفسرًا بعض النصوص الشرعية لصالح دين الاشتراكية تفسيرًا لا تحتمله النصوص تعالى دين الإسلام عن ذلك، قال تعالى: (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)، يوسف: 76. في هذه الآية الكريمة: (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ)، أي لم يكن حكم السرقة في القانون المصري حينذاك أن يأخذ أخاه عبدًا بالسرقة.. ما يهمنا هنا هو أن الله عز وجل سمى القوانين الوضعية المصرية حينئذ بــ (دِين المَلِك)، وبهذا الإعتبار تكون العلمانية هي دين جديد كباقي الأديان، قال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، المائدة: 49-50.

2. دين الاشتراكية: تحقيق مبدأ – قاعدة – المساواة الفعلية بين الأفراد.

دين الإسلام: ان الدارس لهذه المساواة التي تعمل لها الاشتراكية – مساواة في الحقوق الإقتصادية والملكية والإنتاج والاستهلاك وما يلحق بذلك كله – يجدها من حيث هي لا واقع لها في معترك الحياة، كما انها غير عملية لحياة الإنسان، وذلك ان الله عز وجل خلق البشر وجعلهم يتفاوتون في القوى الجسمية والاستعدادات العقلية، وهم في نفس الوقت يتفاوتون في إشباع حاجاتهم، فالمساواة بينهم مستحيلة الوقوع، فلو فرضنا جدلًا ان الدولة تستطيع ان تساوي بين الأفراد في حيازة السلع والمال، فانها لا يمكن لها ان تساويهم في إستعمال هذا المال، لا في الإنتاج ولا في الإنتفاع به، فالمساواة في هذه الناحية أمر خيالي لا واقع له. ثم ان هذه المساواة بين البشر مع تفاوتهم في القوى والإستعدادات تعتبر بعيدة عن العدالة، لأن التفاضل بين البشر قائم، وهو فطري بينهم، والتفاوت في حيازة المال والمنافع أو وسائل الإنتاج امر حتمي تقتضيه الفطرة البشرية، وهذا ما اقره دين الإسلام، قال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا)، الزخرف: 32، أي يسخر بعضهم البعض في حياته، ويتعاونون كل مع الآخر في شؤونه وعمران مجتمعه، الا أن هذا التفاوت بين الناس يجب ان لايكون سبيلًا إلى استغلال البعض للبعض الآخر أو ظلمه أو التحكم فيه، وانما يجب ان يكون سبيلًا إلى التعاون والتراحم والتكاتف والتحابب. ويمكن ان نفهم حكمة هذا التفاوت، من قوله تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)، الشورى: 27.

3. دين الاشتراكية: الغاء الملكية الخاصة – الفردية – كليًا أو جزئيًا.

دين الإسلام: ان دين الإشتراكية يقتضي الغاء الملكية الفردية، بمعنى انه لا يجوز للفرد ان يمتلك أرضًا أو معملًا أو منجمًا أو أي ثروة يحتاج في إستغلالها إلى عامل أو عمال. فهذه القاعدة مخالفة لدين الإسلام كما هي مخالفة للفطرة البشرية، بل تسعى إلى قتل المواهب النافعة والعبقريات المنتجة في الإنسان. وقد أباحَ الإسلام الملكية الفردية من دون تحديد المقدار، وصان هذه الملكية من كل اعتداء عليها، بل وعملَ على تنظيمها بإعطاء الفرد بما هو داخل في ملكيته، ويمنعه من خلال قاعدة (من أين لك هذا؟) من قصة صدقات بني سُليم من السنة النبوية الشريفة ان يتملك ما لا يدخل في ملكيته وهو كل ما دخل في الملكية العامة أو ملكية الدولة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)، النساء: 29.

4. دين الاشتراكية: الفرص الخاصة والحظ والارث هي من الأسباب غير المشروعة للتملك والإمتياز.

دين الإسلام: ان هذه القاعدة مخالفة لأحكام الشريعة الإٍسلامية كُل المخالفة، ومعارضة للنصوص التي جاءَ بها دين الإسلام، حيث ان الارث والهبة والهدية والوصية ودية القتيل – سواء أكانت نقودًا ام وسائل إنتاج – يحصل عليها الفرد بموجب الأحكام الشرعية القطعية بدون أن يبذل جهدًا، وهي من الأسباب المشروعة للتملك والإمتياز، لان مثلًا الإنسان مسؤول عن ذريته وعن رعايتهم، ولهذا ينفق عليهم في حياته، ومن تمام رعايته لهم ان يترك لهم ماله بعد وفاته، ذلك المال الذي كانَ ينفقه عليهم لو كانّ حيًا، قال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ…فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)، النساء: 11. وقال تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ… يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، النساء: 176.

5. دين الاشتراكية: الأرض ملك الأمة فلا يجوز توزيعها ولا احتكارها ولا توريثها.

دين الإسلام: ان معنى هذه القاعدة في دين الاشتراكية، هي ان الارض تملكها الدولة نيابة عن الأمة، اذ الدولة هي النائبة عن الأمة في السلطان، والتصرف بكل ما يعود اليها، وبالتالي لا يجوز ان توزع الأرض على أفراد الأمة ليمتلكوها، كما لا يجوز ان تورث عنهم اذا أعطيت لهم. وعموم هذه القاعدة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فلقد وضعَ دين الإسلام للأرض أحكامًا، فان كانت الأرض قد فتحت بالجهاد قتالًا أو صلحًا، أصبحت ملكًا لبيت مال المسلمين حُكمًا، لأنها من الغنائم، ولكنها تبقى تحت تصرف أهلها ينتفعون بها، ويستغلونها تحت إشراف الدولة مقابل رسم عليها حسب تقدير الدولة وهي المسماة بالخراج، ويدخل ضمن الخراج أرض العراق ومصر والهند وتركيا وأسبانيا والقرم والبانيا. ثم هناك حُكمًا آخر للأرض، وهي المسماة بالاراضي العشرية، وهي التي اسلم عليها اهلها بدون قتال كأرض اندونسيا أو كانت من جزيرة العرب لاستثناء الرسول صلى الله عليه وسلم لها، حيث انه عليه الصلاة والسلام، لم يفرض عليها الخراج، وانما فرض عليها العشر، فكانت ارضًا عشرية، فحكم هذه الأرض ان تكون مُلكًا لأهلها رقبة ومنفعة، يتمتعون بها كتمتعهم بأموالهم الخاصة سواء بسواء، ولا تمتلك الدولة السيطرة عليها بقصد توزيعها على أفراد آخرين من رعيتها الا اذا اشترتها من اصحابها وعوضتهم عما انشأوا عليها. ثم هناك حكم لنوع ارض اخرى، وهي التي تسمى بأرض الموات، وهي التي لا مالك لها، وليس عليها اثر زرع أو نحوه، فان كل إنسان في ظل الدولة الإسلامية له ان يتملك منها بما يقدر على عمارتها واحيائها، والإسلام يبيح للدولة ان تقوم بتوزيع هذه الأرض على من يريد ومن كان عنده الإستعداد لعمارتها والإنتفاع بها، وأكثر البلاد الإسلامية من هذا النوع من الأرض، قال تعالى: (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)، الأنبياء: 105. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أحيا أرضًا ميتة، فهي له)، رواه أحمد والترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن عمَّر أرضًا ليست لأحد، فهو أحق بها)، رواه البخاري ومالك وأحمد وغيرهم. وقول الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من عطلَ أرضًا ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهي له)، الخراج لابن آدم.

والله أعلم بالصواب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here