أوساط سياسية: ضغوط إيرانية تمنع تحديد الكتلة الأكبر

على خلاف السنوات الماضية، فشلت إيران هذه المرّة في توحيد القوى الشيعية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد تمرد أحزاب رافضة للهيمنة الإيرانية، وكخطة بديلة تعمل إيران الآن على تقسيمهم للانتقام من هذه الأحزاب.

الأيام الماضية كانت حافلة بالتطورات السياسية في العراق، فالبلد الذي أنهى انتخابات صعبة بسبب التزوير، يواجه اليوم اختباراً أصعب في تشكيل الحكومة الجديدة بسبب الصراع بين أحزاب تقليدية تفكر في تكرار سيناريو السنوات الماضية وأخرى ثورية قررت المجازفة بتبنيها سياسة جديدة تلبي أصوات العراقيين في تحقيق الوحدة الوطنية وتحجيم النفوذ الخارجي.
إيران التي تمثل اللاعب الأبرز في الساحة العراقية، فشلت حتى الآن في توحيد الأحزاب الشيعية الفائزة في الانتخابات وهي “النصر” و”سائرون” و”ائتلاف دولة القانون” “والفتح” و”الحكمة”، وأخفق قائد الحرس الثوري الإيراني الذي وصل الى البلاد مع توقيت إبرام المفاوضات في تحقيق هذه المهمة، لكنه بدأ في مهمة أخرى.
وانقسمت التحالفات الشيعية الفائزة في الانتخابات الى فريقين متخاصمين، الأول يضم “النصر” (42 مقعداً) بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر (54 مقعدا) و”تيار الحكمة” (19 مقعداً) بزعامة عمار الحكيم وأعلن هؤلاء رفضهم للنفوذ الإيراني وقرروا إبرام تحالف نادر مع زعيم ائتلاف “الوطنية” (22 مقعداً) إياد علاوي وقوى سنية صغيرة.أما الفريق الثاني يضم “ائتلاف دولة القانون” (25 مقعداً) بزعامة نوري المالكي و”الفتح” (47 مقعداً) بزعامة هادي العامري وهو الفريق القريب من إيران.
ويتنافس كلا الفريقين لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر داخل مجلس النواب الجديد للفوز في مهمة اختيار رئيس الوزراء الجديد وتشكيل الحكومة وفقاً للدستور العراقي، على خلاف السنوات الماضية عندما كان الشيعة يتوحدون في كتلة كبيرة ويتفاوضون مع الكرد والسنّة حول تقاسم المناصب.
مؤخراً عقد “النصر” والتيار الصدري و”الحكمة” و”الوطنية” ونواب سنّة اجتماعا تاريخياً في أحد فنادق بغداد كان من المقرر أن يعلن عن تشكيل الكتلة الأكبر، إلا أن إيران تدخلت ومنعت انضمام أحزاب كردية وسنّية أخرى الى الاجتماع وهو ما أدى الى فشل الاجتماع.ويقول مسؤول سياسي شيعي رفيع طلب عدم الإشارة الى اسمه لـ (نقاش) إن “اجتماع فندق بابل رغم إخفاقه في تحقيق هدفه إلا أنه كان تحدياً للنفوذ الايراني، وكان من المفترض أن ينضم إلى الاجتماع ممثلون عن أحزاب كردية وسنّية إلا أن ضغوط شخصيات إيرانية زارت البلاد منعتهم من الانضمام إلى الاجتماع”.
ويقصد هذا المسؤول الزيارة المثيرة للجدل التي قام بها الجنرال في “الحرس الثوري الإيراني” قاسم سليماني الى العراق، وتعمدت وسائل إعلام ايرانية وعراقية قريبة من إيران بث صور لتواجده في العراق قبل الاجتماع بيومين.
ولكن الأمر المثير إن رئيس الوزراء حيدر العبادي منع هبوط الطائرة التي كانت تقل سليماني، حتى اضطر الى الهبوط في أربيل وفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية.وانهارت العلاقة بين العبادي وطهران بعد إعلانه الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران، وأصبح الرجل في موقف حرج وأصبح طموحه نحو البقاء في منصبه صعباً، وقرر الالتحاق بالصدر والحكيم مبتعداً عن المحور الإيراني الذي يمثله “الفتح” و”دولة القانون”.
وأفشلت إيران اجتماع “فندق بابل” ليس فقط عبر منع أحزاب سنية وكردية من الانضمام الى الاجتماع بل انها استطاعت خلق انقسام داخل ائتلاف “النصر” عندما أعلن مستشار الأمن الوطني فالح الفياض بشكل سري الانشقاق من “النصر” الذي كان عضوا فيه بعدما تمكن “دولة القانون” و”الفتح” إقناعه بذلك مقابل ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء. وهو أمر أجبر العبادي على إبعاده من منصب رئاسة هيئة الحشد الشعبي.وتقول ثروة الحلفي، النائب عن ائتلاف “النصر” لـ(نقاش): “تحالفنا كان مستهدفاً منذ أشهر لأن أهدافنا وطنية ونرفض النفوذ الخارجي وقرارنا عراقي لا يتأثر بأي قرارات دولية، عقدنا اجتماع الجمعة الماضية وأكدنا على وحدة تحالفنا رغم تغيب بعض الأعضاء عن الاجتماع”.
وانكشف مضمون الصفقة الايرانية مع القوى الكردية والسنّية لمنعها من الالتحاق بالعبادي والصدر، عندما أصدر نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” ابو مهدي المهندس الموالي لإيران قراراً مفاجئاً بسحب جميع الفصائل الشيعية من المدن السنّية والبلدات التي يعيش فيها كرد وعرب وتركمان، وهذا المطلب هو جوهر ما تتمناه الاحزاب الكردية والسنّية، وهو أمر جيد ولكن توقيته كان مثيراً للجدل.لكن العبادي ألغى القرار خلال زيارة مفاجئة الى مقر هيئة “الحشد الشعبي” بحضور جميع قادة الفصائل باستثناء ابو مهدي المهندس، وأكد إن القرار الذي اتخذه المهندس غرضه سياسي يسعى لتحقيق مكاسب في مفاوضات تشكيل الحكومة وليس إعادة انتشار قوات الأمن، وأكد إن “الحشد الشعبي” يجب أن لا يقحم نفسه في السياسة.
قرار العبادي دفع القوى السنّية الى إعادة النظر في تحالفاتها، وأعلنت انها ما زالت تبحث عن الفريق المناسب لتشكيل الكتلة الأكبر بعدما وجدت أن قرار ابو مهدي المهندس لن يتم تنفيذه على أرض الواقع.
النائبة عن تحالف “المحور الوطني” (السني) ناهدة الدايني تقول لـ (نقاش) إن الأحزاب السنية ما زالت محايدة بين الفريقين الشيعيين المتنافسين لتشكيل الكتلة الأكبر، وأكدت إن المفاوضات ما زالت مستمرة مع جميع الأحزاب.
في التاسع عشر من الشهر الحالي أعلنت المحكمة الاتحادية المصادقة على نتائج الانتخابات وهو ما أدخل عملية تشكيل الحكومة الجديدة في مواعيد دستورية لا يجوز اختراقها، وبدأت الأحزاب العراقية في سباق مع الزمن.
وفوجئت الأوساط السياسية في لقاءات جمعت الأعداء، نوري المالكي يلتقي أسامة النجيفي اللذين تبادلا خلال السنوات الثلاث الماضية الاتهامات حول سقوط الموصل بيد “داعش”، وكذلك لقاء النجيفي مع هادي العامري زعيم تحالف “الفتح” الذي يضم فصائل “الحشد الشعبي” بحضور خميس الخنجر السياسي السنّي الذي دخل العمل السياسي للمرة الأولى بعدما كان يعمل خلف الكواليس عبر دعم الأحزاب السنّية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here