المحقق الصرخي: لا بدّ من وجود الإمام الحي في كلِّ عصرٍ ومكان

بقلم: فاضل الخليفاوي

إنّ المسلمين كافة باختلاف مذاهبهم وثقافاتهم يعتقدون بحتمية ظهور المهدي المنتظر في آخر الزمان وهو من عترة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنه سينقذ العالم ويملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما مُلئت ظلمًا وجورا، كما بشّر بذلك القرآن الكريم “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى? وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” وقوله سبحانه “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ”(105)

وإن العقيدة بالإمام المهدي -عجّل الله تعالى فرجه الشريف- يجب أن تخلق تطورًا في حياة الإنسان الرسالي على أساس العقيدة به، وعلى أساس قبوله أو رفضه لما يقوم به الإنسان الرسالي في هذه الحياة.

قال تعالى في كتابه العزيز:(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله مَن ينصره ورسله بالغيب إن الله قويّ عزيز) (الحديد آية25). وهذه الآية تشير الى الهدف من إرسال الأنبياء ومناهجهم بصورة دقيقة، فلقد كانوا مسلّحين بثلاث وسائل وهي الدلائل الواضحة واالكتب السماوية ومعيار قياس الحق والباطل، وهذه الأسلحة تهدف الى أن تكون الأفكار والمفاهيم التي جاء بها الأنبياء فاعلة ومؤثرة وتحقق هدفها المنشود وهو (ليقوم الناس بالقسط) أي ان يتربّى الناس على العدل والقسط بحيث يصبحون واعين له داعين إليه سائرين في هذا الإتجاه بأنفسهم. فالقسط هي الغاية المنشودة التي بعث الله بها الأنبياء وختم الوصاية والأوصياء بخاتمهم المنتظر -صلوات الله وسلامه عليه- وكما ورد في الدعاء (السلام على بقية الله في بلاده وحجته على عباده المنتهي إليه مواريث الأنبياء ولديه موجود آثار الأصفياء).

وبهذا كان الإنتظار هو فرع الشوق والشوق فرع المحبة والمحبة تستلزم المتابعة والطاعة والقرآن الكريم يخاطب مَن يدّعي الحب لله ولا يتّبع رسوله فيقول: (قل إن كنتم تحبّون الله فاتبعوني يحببكم الله) فالإمام المهدي -عليه السلام- في زمن الغيبة له عناية ببعض محبيه المنتظرين له فهؤلاء بالنسبة لهم لا يفرق زمان الظهور عن زمان ما قبل الظهور لأنهم يستشعرون وجوده دائمًا بينهم. إنّ المنتظر الحقيقي هو الذي يكون على أهبة الإستعداد ليلبّي نداء الإمام الحجة حين يأذن الله له بالظهور.

إن للإنسانية يومًا موعودًا على الأرض، تحقّق فيه رسالات السماء بمغزاها الكبير، وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرّ التاريخ استقرارها وطمأنينتها، بعد عناء طويل. بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينيًّا بالغيب، بل امتدّ إلى غيرهم أيضًا وانعكس حتى على أشدّ الإيديولوجيّات والإتّجاهات العقائدية، ومن هذه الجهة القانونية الإلهية فقد أوضح أحد المحققيين الإسلاميين المعاصرين الحكمة التي من أجلها غاب الإمام –عليه السلام- :((قال الله مولانا: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159) سورة النساء.

أقول: التفت إلى هذه النكتة، لماذا بقي ويبقى عيسى “عليه السلام” ؟ هذا قانون إلهي وبسببه ومن أجله غاب، ولم يُقتل، وشُبّه، ورُفع عيسى، فما هو القانون؟ القانون الإلهي يقول: “وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ”، إذًا تحتاج إلى إمام زمان يكون حجّة عليك وهو حيٌ موجود حتى لو كان غائبًا، مسردبًا، في الغار، حتى لو رُفع أو كان تحت الأرض، تحتاج إلى إمام حي، تُبايعه وتواليه ، توالي عيسى، وتؤمن به قبل موته، قبل موت عيسى، قبل موت المهدي، يكون حجّة عليك فيكون عيسى في يوم القيامة شهيدًا عليك، ويكون الإمام المهدي شهيدًا عليك، هذا قانون إلهي، هذا وعد صادق أن يبقى الإمام حيًّا، لا بدّ من وجود الإمام الحيّ في كل عصر، في كل زمان، في كل مكان، في كل أوان، حتى يتحقّق هذا القانون الإلهي ما هو الفرق؟ القانون الإلهي واحد ينطبق على اليهود وعلى المسيح وعلى المسلمين، “وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا” إذًا الشهادة يوم القيامة ما هو شرطها؟ أن يحصل الإيمان بالشاهد والشهيد في حياته، تؤمن بالإمام في حياته، تؤمن بالنبي في حياته، فيشهد لك يوم القيامة)).

مقتبس من المحاضرة {4} من بحث (الدولة..المارقة…في عصر الظهور …منذعهد الرسول”صلى الله عليه وآله وسلّم( ضمن سلسلة بحوث: تحليل موضوعي في العقائد والتاريخ الإسلامي.26 محرم 1438 هـ – 28 / 10 /2016 م

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here