فلسطين في النهائيات للمرة الأولى .. والحكم المقيد علامة فارقة في البطولة ..

تاريخ جديد في البطولة الآسيوية .. رغم الحرمان من البطولة العربية ..

الكرة الطائرة الشاطئية تحقق الإنجاز .. وتتجاوز حدود الإعجاز .. والعرقان والقيشاوي يسجلان علامة الامتياز ..

كتب أسامة أبو عيطة:

من رحم المعاناة تولد النجاحات والانجازات، ومن بين الأنقاض، ومن تحت الركام ينتفض طائر الفنيق الأسطوري، ليظهر لكل من حوله، عظمة أبناء شعب ولدوا من رحم المعاناة، ودائماً ما يثبتون للعالم أجمع، أن فلسطين قادرة على صنع المستحيل، وأنها أكبر من الجلاد، الذي يقهرها ويحاصرها، ويحاول خنق كل مناحي الحياة فيها.

فبرغم الحصار والألم الدمار، وغياب أدنى مقومات الحياة البشرية التي يعيشها أبناء المحافظات الجنوبية، إلا أن “فدائيو” الكرة الطائرة للشواطئ، أثبتوا أنهم قادرين على حمل الأمانة، وحفروا بالصخر بالمعنى الحرفي للكلمة، وضحوا كثيراً على حساب عائلاتهم، ووقتهم وجهدهم وكل سبل راحتهم، لا من أجل حصد الأموال، ولا من أجل نيل المناصب، ولكن من أجل رفع اسم فلسطين وعلمها خفاقاً بين الأمم، وهذا ما نجح بفعله اللاعبان خالد العرقان، وزميله محمد القيشاوي، رفقة مدربهم سعد الله أبو عيطة، بعدما تمكنوا من الوصول إلى دور الـ(16) في بطولة الألعاب الآسيوية، والتي ينافس فيها أقوى المنتخبات الآسيوية المتاح أمامها كل سبل وسائل النجاح والإنجاز.

طريق شائكة محفوفة بالمتاعب !!

ولم تكن طريق “فدائي” طائرة الشواطئ مفروشة بالورود، بل كانت بكل ما تحمل الكلمة من معنى محفوفة بالمتاعب، ومفروشة بالأشواك والمصاعب، فبعد مجهودات كبيرة، ومعسكر أقامه المنتخب الوطني للعبة داخل قطاع غزة، لمدة تقارب الثلاثة أشهر، وذلك استعداداً للمشاركة في البطولة العربية، التي أقيمت بمدينة أغادير في المملكة المغربية مطلع الشهر المنصرم، إلا أن صعوبات عدة وقفت بوجه اللاعبين خالد العرقان وزميله محمد القيشاوي، رفقة الفريق الآخر المشارك معهم في البطولة، والذي مثله اللاعبان إبراهيم قصيعة، وزميله حسن أبو زعيتر، وذلك بدءًا من التأخر في إصدار التأشيرات، مروراً بصعوبة المرور والسفر عبر معبر رفح البري بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية، والطريق الطويل الذي كان مليئاً بالعقبات حتى الوصول للمغرب.

حالة من الإحباط .. وتغلب على الصعاب ..

ولم يتمكن الفريقان من المشاركة في البطولة العربية المقامة في المغرب، والتي كانت تعد خير إعداد وتحضير للمشاركة في البطولة الآسيوية، والظهور المشرف فيها، وذلك بعدما تأخرت البعثة المشاركة عن موعد بداية البطولة ليوم واحد، وكانت الصدمة كبيرة على اللاعبين بعد المجهودات الضخمة التي بذلوها، من أجل الظهور في هذا المحفل، ولكن الاتحاد العربي لم يبدِ كل التعاطف المأمول والمرجو منه، ولم يتعامل بروح القانون، نظراً للظروف التي يمر بها أبناء قطاع غزة، خاصةً مع علمهم المسبق بصعوبة الأوضاع الأمنية التي تمر بها منطقة المعابر الحدودية الفلسطينية المصرية.

نجاح وإنجاز من نوع آخر في البطولة العربية ..

ولم يكن حرمان مشاركة المنتخب في البطولة العربية عائقاً أمام تحقيق نجاح وإنجاز من نوع آخر، فكانت مشاركة الحكم الدولي أسامة المقيد في المحفل العربي الكبير علامة فارقة، وذلك بعد مشاركته في إدارة (14) لقاءً في المنافسة، ما بين بطولتي الرجال والسيدات، وكان أبرزها قيادته المباراة النهائية للسيدات، وذلك للمرة الأولى في تاريخ تحكيم الكرة الطائرة الفلسطيني.

إشادة عربية بمستوى التحكيم الفلسطيني ..

ولم يأتِ اختيار الحكم الدولي المقيد لقيادة المباراة النهائية للسيدات؛ إضافةً لمشاركته في إدارة العدد الكبير من اللقاءات الهامة من فراغ، بل كان كل ذلك بعد المستوى المتقدم والمتطور الذي قدمه فيث الميدان، وتابعته وراقبته عن كثب لجنة الحكام في الاتحاد العربي للعبة، والتي أبدت إعجابها وفخرها بما قدمه الحكم الفلسطيني، إضافةً للإشادة الكبيرة من أعضاء اتحاد اللعبة، بالإمكانيات الكبيرة التي يملكها المقيد، ومقدرته الجيدة في إدارة اللقاءات، ومعرفته الواسعة بقانون اللعبة، ومواكبته للتعديلات القارية عن كثب.

استثمار الظروف .. واقتناص الفرص ..

ورغم كل ما مرت به البعثة من معاناة حقيقية في السفر والتنقل، وعدم المشاركة في البطولة العربية، إلا أن اللاعبين الأربعة لم يسمحوا لليأس بأن يتسلل إلى قلوبهم، بل كعادتهم نجحوا بقلب المعادلة، وسريعاً أحسنوا التعامل مع الأمر الواقع المرير، والذي فرض عليهم عنوة، وبكل قوة أعادوا الثقة لأنفسهم، وعرفوا من أين تؤكل الكتف، ولم يكتفوا بالوقوف متفرجين، وبسرعة البرق تمكنوا من تحويل الهدف، ونحوا بإقامة معسكر تدريبي استعداداً للمحفل الأسيوي الكبير، وشاركوا في العديد من اللقاءات الودية والاستعدادية، واستفادوا كما يجب من خبرات لاعبي المنتخبات المشاركين في البطولة العربية، واحتكوا بهم بالطريقة الأمثل التي تعود عليهم بالفائدة، واختتموا معسكراً يعتبر ناجحاً بكل المقاييس، نظراً للظروف الطارئة والإجبارية التي حلت عليهم، وذلك بمشاركة زملائهم اللاعبين إبراهيم قصيعة، وحسن أبو زعيتر، واللذان حاولا أن يكونا خير معين لهما طوال فترة الإعداد، وقدما لهم كل مساعدة ممكنة من خلال معاونتهم بشكل مضني خلال التدريبات.

رحلة طويلة شاقة .. وعناء سفر طويل ..

وانطلق بعدها الوفد الثلاثي المكون من فريق واحد، يمثله اللاعبان خال العرقان، وزميله محمد القيشاوي، رفقة مدربهم سعد الله أبو عيطة، بعدما افترقوا عن باقي أفراد الوفد الذي عاد إلى غزة، وذاق الأمرَّين بعد الوصول إليها، في رحلة استغرقت ما يقارب التسعة أيام.

ولم يختلف حال المشاركين في بطولة جاكرتا كثيراً، حيث سافروا من المملكة المغربية لساعات طويلة، متجهين إلى مطار الدوحة الدولي، ومنه في رحلة أكثر مشقة إلى مدينة جاكرتا الإندونيسية، ومن ثم إلى مدينة بالمبانغ الرياضية، والتي استضافت منافسات لعبة الكرة الطائرة الشاطئية، في رحلة متشابكة ومترامية الأطراف، أثرت بكل تأكيد على تركيز اللاعبين، وأرهقتهم بدنياً ونفسياً بشكل كبير.

ظهور مشرف بكل المقاييس .. وإنجاز فلسطيني تاريخي ..

واستهل “فدائي” الشواطئ أولى مبارياته في دور المجموعات بفوز محكم على منتخب بنغلاديش بشوطين دون رد، ولكنه واجه بعدها في اليوم التالي المنتخب الإندونيسي القوي صاحب الأرض والجمهور، وخسر بشوطين دون رد، ولكنه بعدها تمكن من التأهل للمرحلة الثانية، ووصل لدور الـ(16) للمرة الأولى في تاريخه، وذلك بعدما حقق فوزاً إدارياً على منتخب هونغ كونغ، ليتأهل إلى الأدوار الإقصائية، ويخسر بشرف أمام منتخب سلطنة عمان، الذي توج بلقب البطولة العربية، التي أقيمت في المغرب مؤخراً، وذلك بشوطين دون رد، قدم خلالها اللاعبان مباراة قوية، استحقت إشادة المتابعين والمختصين، حيث جاءت النتائج على النحو التالي: الأول (21/11)، والثاني كان أكثر حرارة وتألقاً من أبناء الفدائي، والذي أحرجوا فيه منتخب السلطنة، حيث انتهى لصالح عمان بنتيجة (21/17)، ليودع أبطال فلسطين المحفل الآسيوي الكبير مرفوعين الرأس، بعدما أثبتوا لجميع المتابعين أن أبطال الوطن قادرين عل مقارعة الكبار، رغم كل المعاناة الكبيرة وكثيرة التفاصيل، والتي تم ذكرها سابقاً.

حدث تاريخي غير مسبوق يستحق الإشادة والتكريم ..

وأكد عبد السلام هنية عضو المجلس الأعلى لشباب والرياضة، ونائب رئيس اتحاد الكرة الطائرة في المحافظات الجنوبية، على أن هذا الإنجاز الآسيوي التاريخي لم يكن يتحقق لولا العزيمة الحديدية للأبطال، الذين تحدوا الكثير من المعيقات والعقبات التي يصعب وصفها، مشيراً إلى أنهم تسلحوا بعزيمة الفلسطيني التي لا تلين، والتي لا تخضع لأي منطق في مختلف أقطار العالم، منوهاً إلى أن أبناء غزة قادرين على صنع المستحيل والمعجزات من رحم المعاناة، ولكنهم يحتاجون للفرصة المناسبة، ليأخذوا دورهم في صناع التاريخ والمجد لفلسطين على حد وصفه.

وقال هنية :”نكن كل حب واحترام وتقدير لهؤلاء الأبطال، الذي يستحقون منا كل الاهتمام، والتكريم على الإنجاز التاريخي الذي حققوه، في ظل ظروف استثنائية تحسب لهم، وتكريمهم وتشجيعهم ودعمهم واجب علينا، وسنبقى مظلة شاملة لكل أمثال هؤلاء الأبطال، الذين شرفونا في المحافل الدولية، وسنحاول على الدوام الاهتمام بهم ورعايتهم، وجلب المساعدة لهم لمواصلة تحقيق الإنجازات، ورفع علم فلسطين عالياً خفاقاً بين رايات الأمم”.

رسالة حمزة راضي .. رئيس اتحاد الكرة الطائرة .. فلسطين أكبر من الجميع ..

بعد رحلة من المعاناة، امتدت لأسابيع طويلة، قطع خلالها المنتخب الفلسطيني للكرة الطائرة الشاطئية المسافات الطويلة، وتخللها حكايات عديدة من المعاناة، وتفاصيل كثيره يصعب سردها، لمنتخب انقطع لفترات طويلة عن المشاركات الخارجية، التي تصقل مهارات اللاعبين بسبب الظروف التي يعيشها شعبنا.

ورغم ذلك أصر طائر الفنيق، إلا أن يحلق في سماء البطولة الآسيوية في جاكرتا، متوشحاً بالعلم الفلسطيني، ومقارعاً الكبار، وسجل صفحة انتصار جديدة لفلسطين.

ونؤكد في هذا المقام أننا في اتحاد الكرة الطائرة بدأنا العمل والتخطيط السليم، ولم ندخل البطولة من أجل المشاركة فقط، بل وصلنا الى دور الـ(١٦)، ونأمل ونعد جماهيرنا أننا في المشاركات القادمة، سنصل الى أبعد من ذلك، ولكن هذا يحتاج من جميع أركان اللعبة، من لاعبين، وإداريين، وأندية، أن نرتقي بتفكيرنا، وأن نبذل كل الجهود من أجل تحقيق الهدف المنشود، وأن نضع فلسطين في مكانتها التي تستحق، لتكون حاضرة في كل المحافل، ونحن ماضون وبكل قوه نحو التميز، ولا مجال للمجاملات بعد الآن، فوطننا فلسطين أكبر من الجميع.

شكر خاص للجنة الأولمبية .. والاتحاد المغربي

وقدم عبد السلام هنية عضو المجلس الأعلى للشباب والرياضة، شكره لسيادة اللواء جبريل الرجوب رئيس اللجنة الأولمبية، على كل ما قدمه من دعم ومساعدة ومساندة، وذلل العقبات التي واجهت أبطالنا، وقدم لهم الدعم اللازم، لوصولهم لهذه المرحلة، بعد النهضة الرياضية الكبيرة التي أحدثها، في طفرة عالم منافسة الكادر الفلسطيني، وتجاوزنا لمرحلة المشاركة فقط، والاكتفاء برفع العلم الفلسطيني.

كما قدم هنية شكره للنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني محمد دحلان، والذي تكفل برعاية تكاليف المعسكر التدريبي، والذي أقيم في المملكة المغربية الشقيقة، مثنياً على اهتمامه بدعم القطاع الرياضي، وشاكراً له رعاية الأبطال الرياضيين في لعبة الكرة الطائرة الشاطئية.

بشرى حجيج .. سيدة بألف رجل ..

وأثنى هنية على حسن استضافة الأشقاء في المملكة المغربية لبعثة المنتخب رغم عدم المشاركة، وعلى توفير الأجواء المناسبة للاعبين، خاصاً بالشكر السيدة بشرى حجيج، رئيسة الجامعة الملكية المغربية للكرة الطائرة، والتي قدمت كل التسهيلات اللازمة من أجل الإقامة المريحة للوفد، وتوفير الأجواء المناسبة لنجاح المعسكر، الذي آتى أُكله في نهاية المطاف، وكان له دور كبير وفعال ومؤثر بتحقيق الإنجاز، وعبر لها هنية عن خالص شكره وامتنانه، لجميع المجهودات الجبارة التي قامت بها رفقة أعضاء اتحاد الكرة الطائرة المغربية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here