البصرة في زهو ايامها

حاضنة الحضارة ومهد اللغة والشعر والنحو , وارض السواد وباسقات النخيل ,أم الأنهار وخرير الجداول ,ثغر العراق وخاصرته الجنوبية وشريانه الاقتصادي ,بطيبة اهلها ووداعتهم ونقاء سريرتهم وحسن معشرهم ودماثة اخلاقهم .

مرت عليها عاتيات الزمن بهمجيتها وشراستها وما خلفته من خواء ونكد وجحيم ,

فكانت نافذة الحروب وساحة لأوارها ومطحنة لحطامها.

فما انحنت لعواصفها الملتهبة والمثقلة بدخان قيحها المسموم ,فلم تغير من طباعها وسحنة وجهها وصفاء معدنها .

ضلت صامدة مكابرة بصبر وجلادة وتحدي تنتظر الاتي من الايام لعل ثغرها الذابل يفتر عن ابتسامة مخضوضره مورقة تحيل يبيس شوكها بريق امل وتفاؤل وحبور .

وما درت ان سنين حملها العسير تتمخض عن وليد اسود كالح يكشر عن أنياب موغلة بالغل والضغينة والحقد .. شره الطباع دنيء النفس متبرقع بالخسة والرذيلة والفساد .. فاغرا فاه لالتهام كل ما من حوله متطاولا حتى على لقمة الثاكل والعاجز واليتيم.

وها هي حصيلة الوعود والانتظار التي رفدتنا بها هذه الشلل والتكتلات البائسة التي اعتلت موج شطآن بصرتنا , تتجلى بكل صورها عن مدينة من الرمم والهياكل والاشباح الخاوية ..تتقاطع فيها شوارع وازقة وساحات ازليه مقفرة موحشة متشحة بظلام دامس كأن لمسات الترميم والصيانة فارقتها منذ عشرات السنين لتضحى مأوى للكلاب والقطط السائبة ..ولينام اهلها على ركام من الاوساخ والمزابل ..حيث استحالت انهارها وجداولها الرقراق الى برك ومستنقعات أسنة نتنة,, ومكانا سهلا لمكب الأنقاض والنفايات ,,وليهنئ اهلها وساكنيها بروائح مشبعة بجيف السنين وعذاباتها فتزكم ليلها البهيم عفونة وضجرا وخوار.

البصرة الام الرؤوم التي ترضع من جوفها عموم ابناء عراقنا خيرا وعطاء وحياة ,,, تعيش الفقر والتهميش والاهمال بعد ان تنكر لجزالة فضلها وكرمها الكل حتى من ابنائها الاقربون الذين تربو بحضنها وصعدوا على اكتافها متنعمين بالثروة والسلطة والجاه اداروا ظهورهم لها جحودا عند اول سلم للصعود..

الا يحق لها ان تسترد ولو جزئ يسيرا من الوفاء والعرفان لهذا السخاء والكرم المعطاء الذي كانت ولا زالت تغدقه من صميم جوفها واحقيتها بامتلاك ثروتها التي تطفو على سطحها دون ان ينازعها او ينافسها عليه احد ,,؟؟,

,الا يعني هذا ازدراء واستصغارا وتقليلا من شئنها واهميتها من قبل قادة البلاد وسياسيه الجدد ؟؟؟ اومن القابعين على زمام امرها ظلما واللذين لاحول لهم ولا قوة الا ما ملكت إيمانهم وما تطال اليه اياديهم فهم اقوياء له ومتصدون؟؟؟ .

وبعد هذا اليأس والقنوط والخيبة والمرارة من كل التصرفات والوعود الكاذبة والمغلفة بالخداع والغش الذي مارسته الحكومات المحلية التي تعاقبت على ادارة المدينة منذ السقوط الى يومنا هذا والتي لا تعرف الا مصالحها الشخصية والفئوية اما الشعب البصري الساكت عن الضيم والقهر والغافي على يبيس الشوك والظمأ فسحقا له هذه المعاناة فلا امل ولا خير يرتجى مهما طال به الزمن والانتظار من هذه الشلل والاحزاب المترهلة والخاملة .

.ولكن من بين هذا الصراع والترقب والالم ,,يولد الامل والتفاؤل حين تتفتق من فيح اغصان بصرتنا براعم ندية بريئة خالية من كل دنس وقيح ورياء شباب تعلو جباههم النظرة شعارات طافحة بالحب والولاء والاخلاص لمدينتهم دون ان تزوقها البهرجة والضجيج والداعات الفارغة والمزيفة التي تبطن بداخلها اغراض ومنافع ومردودات شخصية وذاتيه .

هؤلاء الفتيه همهم مدينتهم المنكوبة التي عاشت سنين المحن والحيف والظلم تحت رحمة الحكام والمتسلطين والني اذاقوها خسفا وهواننا .

اليوم ينتصرون لمدينتهم وهم يجوبون الشوارع والساحات بأهازيجهم ونغمات حناجرهم لتمتزج مع عرق اجسادهم في نهاريات البصرة الحارقة ولياليها المشبعة بالرطوبة والحرارة فتمنحهم ثورة وتدفقا و اندفاعا وحماس من اجل المطالبة بحقوق مدينتهم المسلوبة ومكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين وناهبي المال العام ومن اجل التغير وتصحيح مسار العملية السياسية التي حرفها وادار بوصلتها دهاقنة الزور والدجل والكذب لصالح احزابهم وذويهم و لمنافعهم الشخصية .

هذه هي شعارات انتفاضتهم التي اعتصموا تحت يافطته .

-والتغير لا يتأتى بالركون والانبطاح للأمر الواقع وانما بالحركة والفعل والمثابرة والمجاهرة ورفع المطالب دون خوف او وجل واستحياء .

فالعراق عموما لا يمكنه الخروج من هذا المأزق والواقع الفاسد الذي هو عليه والذي يستفحل ويتشظى وبهذه السرعة الفائقة الا بالحراك الثوري المتمترس بروح الوطنية والعقيدة والمبادئ والانقضاض على بؤر الفساد بعد ان فشلت كل المحاولات والمظاهرات السلمية والاساليب السياسية والحوارية اليائسة من اجل ردع المسؤولين والسياسيين واحزابهم وثنيهم ومحاولة استمالتهم لطريق الصواب الذي يصب لصالح ابناء شعبهم الا انهم وبكل اصرار وتمادي ركبوا موجة الفساد واداروا عنق الدولة والسلطة ليتماشى مع رغباتهم ومصالحهم وتناسوا في لجة غيهم واستهتارهم بالقيم ابناء شعبهم وبناء وتعمير وطنهم .

فلأيمكن لهذا العراق ان ينهض من كبوته وهو مسير من قبل هذه الرموز والاحزاب الهزيلة والتي تفتقر الى ابسط مقومات الخبرة والمهنية في ادارة الدولة وشؤنها غير براعتها وتفننها في السرقة وملئ الأرصدة والجيوب .

العراق بحاجه الى كوادر وأناس وطنين مؤهلين كفؤين والى اياد نظيفة نزيهة مخلصه لشعبها ووطنها .

فمرحى لهذه النخب الفتيه من شباب البصرة فالعزم معقودا عليكم فانتم امل لصرتكم وتطلعاتها. ورحمة من الله وغفرانا لكل الشهداء اللذين سقطوا على مذبح الحرية والانعتاق واعادة الحقوق المسلوبة وغسلوا بدمائهم الطاهرة الزكية ادران الظلمة والفاسدين .

حمودي جمال الدين

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here