الأكراد هم فصل الخطاب في تشكيل الكتلة الأكبر

عباس الكتبي

ستةُ شخصيات دعاهم حاكم المسلمين “عمر بن الخطاب” وهو على فراش الموت، لتشكيل مجلس شورى ويختاروا واحداً منهم خليفة على المسلمين من بعده، وهم كل من: عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، والإمام علي بن أبي طالب، على نبينا وعليه وعلى صحبه الأخيار المنتجبين أفضل الصلاة والسلام.

بغض النظر عن الدوافع السياسية في الدعوة لهذا المجلس الشكلي، فواقع الأمر محسوم لعثمان بن عفان، بحسب آلية الأختيار التي وضعها الحاكم عمر بن الخطاب، عندما جعل فصل الخطاب وكفة الترجيح عند الأختلاف بين هؤلاء الستة بيد عبد الرحمن بن عوف، وهذا الأخير له ميول نحو عثمان لأنه صهره، مع كون سعد بن أبي وقاص أبن عمه، إضافة إلى أن “طلحة” سحب ترشيحه بدءاً لصالح “عثمان”، فحتما سيكون حاكم المسلمين بعد عمر، هو عثمان بن عفان.

الجدير والمهم في هذه الواقعة التاريخية، أن عبد الرحمن بن عوف قام بمناورة وخدعة سياسية لإقصاء الإمام علي عن الخلافة، فذهب- عبد الرحمن- للإمام علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، كل على أنفراد ثلاث مرات، ورشحه للخلافة بشرط أن يسير بكتاب الله وسنة نبيه وسنة الشيخين-ابو بكر وعمر- عثمان وافق على الشرط، و الإمام علي “عليه السلام” رفض، وقال: بل أمضي على كتاب الله وسنة نبيه وإجتهادي.

السؤال المطروح: لماذا رفض الإمام عليه السلام سنة الشيخين؟

كانت سياسة الشيخين مخالفة لمنهج الإسلام وبرامجه السياسية، فقد عمد ابو بكر إلى حرمان بني هاشم وكل من له ميل شديد إلى علي “عليه السلام” من المناصب والوظائف في الدولة، ومنحها إلى بني أمية وأسترد كيانهم بعد أن فقدوه في ظل الإسلام، عدم مساواته في العطاء المالي بين المسلمين، وقام بتوزيع أموال المسلمين وفق الرغبات والأهواء، وأما عمر بن الخطاب فقد سار على نهجه وزاد عليه، وأتصف حكمه بالشدة والعنف.

في حين ان السياسة المالية التي وضعها نبي الإسلام محمد “صلى الله عليه وآله” كانت تهدف إلى إذابة الفقر ومكافحة الحرمان، وتطوير الحياة الإقتصادية للمواطنين ليعيش المجتمع حياة يسودها الرخاء والرفاه، وهذا لا يتحقق إلا بالمساواة بين المسلمين في العطاء، ولا فرق بين الحاكم والمحكوم، وإلا إذا صرف الحاكم الأموال في تدعيم سلطانه وتوطيد حكمه، وميز بين الناس في العطاء، فقد خلق الطبقية وعرض المجتمع إلى كثير من الولايات والخطوب، وهذا ما حصل وحاصل الآن في بلاد المسلمين.

أكيد في الأحداث الماضية والتجارب السياسية السابقة علم مستفاد، ليتخذ منه الإنسان عبرة وموعظة، والحوادث الإجتماعية في جميع العصور كثيراً ما تتشابه، وأشار إليها القرآن في كثير من آياته المباركة، كقوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ)

حكم المسلمين أبو بكر سنتان، وعمر بن الخطاب “١٢” سنة، أي ما مجموع الحكومتين “١٤” سنة، وفي وقتنا الراهن يحكم العراق حزب إسلامي بنفس تلك الفترة الزمنية، ويسير على ذلك المنهج السياسي بذاته، الذي رفضه أمير المؤمنين علي “عليه السلام” من قبل.

لا يخفى أن إيران كانت داعمة لحزب الدعوة الإسلامي على مدى حكوماته من أجل مصالحها، حتى ان وزير الخارجية الحالي في حديث متلفز أشار الى رئيس الحكومة السابقة بأنه وقع على ورقة بيضاء لإيران من أجل رئاسة الوزراء، ولا ننسى أيضا انه وقع كذلك لإمريكا والأكراد لإجل البقاء في المنصب، حتى جعل العراق ورقة بيضاء خالية من الإقتصاد المقّوم للدولة.

يمكن التوقع وإستناداً لتجارب ومعطيات ومعرفة، فالمحور الإيراني قد ينجح في تشكيل الكتلة الأكبر ويحظى برئاسة الوزراء، وذلك بدعم وتحالف من الأكراد ليس حباً بالمالكي ولكن بغضاً للعبادي.

يبقى سؤال:هل سيعود التاريخ بمثل أحداث الشورى الستة في زمن عمر بن الخطاب، ويأتينا حاكم بنفس سياسية عثمان بن عفان، فتطيح به تظاهرات الغضب كما أطاحت بالخليفة عثمان وحكومته؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here