في ادب الحياة ـ ينبغي ان تتطلع نفوسنا الى حب الجمال !

* د. رضا العطار

ان متوسط العمر عندنا ستون سنة، يقضيها الفرد ضيفا على هذه الدنيا. يتلف ثلثها الاؤل في النوم وثلثها الثاني ساعيا وراء الرزق اما الثلث الاخير فيقضي معظمه مهموما يشغله بسفاسف الامور يخلقها بيديه و يجعلها عبئا على نفسه, يحملها على ظهره حائرا, فكم من شيخ معمّر مات في طفولة حياته, وكم من شاب مات شيخا في تجاربه. فالساعة التي يعرف المرء كيف يعيشها وكيف ينتفع بها في ترقية ذهنه وترويض جسمه تضارع عمرا كاملا من تلك الاعمار الرخيصة التي يبددها البعض في خمول وركود.

ان الحياة تسير نحو الامام دوما متطورة نشطة، تدوس في سيرها كل عاطل كسول. فعلينا ان نسير بجانبها, ننتفع بكل ما تأتيه لنا من جديد, سواء في العلم اوفي الادب او الفن والسياسة. يجب ان نعلم ان كل دقيقة تمر يكون للوقت فلسفته ومعناه. والانسان نفسه هو الأخر عبارة عن متحف لا يقل روعة وبهاء عن متحف الكون العظيم.

لننشد الجمال في كل مرحلة من مراحل حياتنا. فإن شئنا كان هذا العالم جميلا. وان شئنا كان قبيحا. اذ هو ليس بالجميل ولا بالقبيح بل هو مرأة نرى فيها حالتنا النفسية، انه يمكن لكل فرد ان يكتشف في كل زمان ومكان صورا للجمال تسترعي انتباهه. والسعيد من قضى حياته ساعيا وراء الجمال، الجمال موفور امامنا ميسور لمن يرقى اليه لكنه لم يخلق ليسرّ العيون ويمتع الحواس بمجرد, انما خلق لكي يروي ظمأ عشاقه ينهلهم بفيض كراماته يبوح بأسراره لأولئك الذين يبحثون عن مجاهل كنوزه. اذا ليكن للجمال عندنا شعاره وطقوسه.

ان هذا الذي يجعلنا نهيم بالجمال, نقدره ونتوخاه هو شئ آخر غير هذا العقل الذي يوازن ويقارن ويبرهن ويعرف الاسباب والنتائج. انه هي ( البصيرة ) . و البصيرة هي نفسها التي تجعلنا نفهم معنى الدين. وهي تلك التي تحملنا على الحب والرغبة الى عمل الخير والشجاعة والتضحية. فالعقل وحده لا يعرف سوى الفائدة المادية المحسوسة، بينما البصيرة تستقصي الهامها من منبع الروح, فهي التي تطالبنا مثلا ان نضحي بأنفسنا في سبيل الوطن . بينما العقل يتعامل مع المادة لاغير.

ان الجمال هو الخير وهو الحق وهو السر الذي من اجله نعيش وفي سبيله تتطلع نفوسنا الى حب الجمال, علينا ان نصقل اذواقنا عن طريق الفنون الجميلة. ليتعلم كل منا فنا جميلا. فجميع انواع الفن اليوم في متناول اليد. اننا نستطيع ان نجعل من الفن غاية ومن الفن وسيلة بغية تهذيب الاهتمام وترقية الخُلق والاستفادة من اوقات الفراغ في العمل المجدي, كالمشاركة في فعاليات فنية ذات صبغة ثقافية.

لنغسل اجسامنا يوميا ونرتدي الملابس النظيفة, ليكن هندامنا انيقا وخلقنا راقيا. نتأنى في اختيار الصديق و نقرأ الكتب التي تثقفنا و تصقل مواهبنا, نتعلم كيف نعاشر الناس بأسلوب مهذب, ونتهذب اكثر حين نتحدث, فلا نرفع اصواتنا اثناء الكلام, نتعلم كيف نجلس على المائدة ونأكل بتأنق وعلى مهل, و نتعلم اخيرا كيف نحب الحياة.

كثيرون اولئك الذين ينفقون ايامهم في الشقاء الموهوم, لأن حياتهم تتسم بالأثرة ولا يدركون للأيثار معنى. يميلون الى البغض والضغينة ولا يدركون مفهوم الحب والتعاون. ولو انه حرر نفسه من الهواجس وطهر قلبه من الامراض مثل الكراهية والحقد والبغضاء والحسد واستبدلها بالصفات الحميدة من مسامحة وطيبة وحب الاخرين. ان الانسان الذي يخلوا قلبه من الحب يموت ضائعا غريبا, اذا لنحب الانسان و نحب الحيوان و نحب حتى النبات. ولذا لم اندهش عندما شاهدت في طوكيو مواطنا يابانيا في الطريق وهو ( يسعف ) غصن شجرة كسرته الرياح, يحوطه بأكبر ضرب من العناية وكأنه يسعف ساق ابنه الصغير.

* من كتاب حياتنا بعد الخمسين للموسوعي سلامة موسى ما اضافة لكاتب السطور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here