نموذج لتطبيق التنمية المغربية

بقلم: د. يوسف بن مير

نبذة مختصرة:
يستكشف هذا المقال الإمكانات الهائلة للتنمية البشرية بالمغرب. فعلى الرغم من أن المغرب بلد يتوفر على العديد من الموارد المتنوعة، إلا أنه لا يزال يعاني من مستويات شديدة من الفقر والأمية والتنافر الاجتماعي المتنامي حاليا. ومؤخرا كانت هناك دعوات عامة متزايدة لبرامج التنمية التشاركية التي صممها ونفذها الناس المحليون لأجل ذاتهم. ويحدد المقال ستة أطر عمل مغربية قائمة تهدف إلى بدء برامج التنمية البشرية اللامركزية وتنظر في فاعليتها بشكل نقدي. وفي نهاية المطاف، فإن الغرض من هذا المقال هو اقتراح نموذج جديد لتنفيذ هذه الأطر على نطاق أوسع. وتتناول الأطر الستة مخططات التنمية البلدية ووكالة تمويل وطنية فرعية واللامركزية وحماية البيئة والزراعة وحقوق المرأة ومشاركة الشباب. يمثل كل إطار من هذه الأطر تصورا إيجابيا لكن لا تتم الإستفادة منها بالكامل في الوقت الحالي لأنها تفتقر إلى الموارد الكافية والمبادرة الفردية. ومن جانب آخر فإن دمج الأطر الستة للعمل جنباً إلى جنب، سيمكن المغرب من تحقيق هدفه المتمثل في إطلاق برامج تنمية مستدامة لا مركزية واسعة النطاق تؤثر فعلاً على المجتمعات المحلية بشكل إيجابي.

الكلمات الرئيسية: المغرب ، التنمية ، الاستدامة ، الفقر ، المشاركة ، اللامركزية

1. مقدمة: مقترح لنموذج

يعد المغرب، بلدا واعدا للغاية في إمكانية تحقيق التنمية البشرية حيث تتضافر الثروات الطبيعة الهائلة (بما في ذلك الزراعة) مع أطر التنمية الاجتماعية الديناميكية التي يمكن أن تنقل البلاد إلى مراتب متقدمة في المشاريع التي يديرها المجتمع المدني بمنطقة أفريقيا والشرق الأدنى.

هدف هذه الأطر هو إطلاق تنمية بشرية تكون قائمة على المشاركة و اللامركزية والاستدامة. والمبادرات التي يديرها الناس والتي يمكن للأطر تحقيقها هي -على سبيل المثال – البرامج التي تحددها الفتيات والنساء ويحققن ما يردن في مجتمعاتهن، كما يتعلمن القوانين التي تعزز وتحمي وضعهن في الأسرة والمجتمع. ويمكن لهذه الأطر مساعدة الشباب في تجاوز مخاطر الوقوع في تجارب معيشية صعبة للغاية. كما يوفر نهج التنمية المغربي أساساً للزراعة المبتكرة (والعضوية) التي تبني وتحتفظ بالقيمة وترى أن سكان المناطق القروية وجمعياتهم يخططون ويخلقون مشاريع جديدة لتلبية احتياجاتهم.

للأسف ، هذه النتائج وغيرها من نتائج التنمية البشرية الأساسية لا تحدث في المغرب بالقدرواللازم. هناك – ما توصلت إلى وصفه بعد 25 سنة من المراقبة والمشاركة – مجال واسع جدّا ً للتنمية الريفية المستدامة. وهناك أمثلة قليلة جيدة لتطبيق أساليب التنمية التشاركية من قبل الوكالات الحكومية أو المسؤولين ، على الرغم من أن هذه الطرق منصوص عليها في المواثيق والسياسات الوطنية. ومع ذلك، فالموظفون والمسؤولون لا دخل لهم في ذلك لأنهم لم يتلقوا التدريب حول كيفية تيسير المخططات الاجتماعية الشاملة. إن السخط الإجتماعي المولود من الفقر المزمن قد تحول إلى اضطراب وتظاهرات محلية. وبالنظر إلى عدم فعالية برامج التنمية المغربية بشكل عام – مهما كانت رؤيتها التأسيسية تقدمية – هناك ما يدعو إلى القلق الشديد حيث إن وتيرة الإنجاز لن تقضي على الإستياء المتنامي في الوقت القريب.

وبالنسبة لغالبية الناس ، يبدو أن نتائج تنزيل المبادرات الوطنية المشتركة من أجل التنمية غير واضحة. إذ لا يزال التقسيم الطبقي الحضري – القروي مثيراً للقلق ، حتى وإن كان كلاهما يشتركان في الفقر بشكل عام. فالأسر القروية المغربية تتوفر على إمكانيات كبيرة للتنمية الزراعية والإنسانية، لكنها مع ذلك تحتاج إلى إنجاز بعض المشاريع مثل: المياه للمدارس والري والماء الصالح للشرب وتعليم النساء والأطفال في العالم القروي واستكمال سلسلة القيمة الزراعية؛ وفي المنافع المستدامة.

والمشكل أن برامج التطور في المغرب والتنمية الوطنية من خلال مشاركة الناس لا يتم تنسيقها بشكل ٍ جماعي. وقد يمكّن دمج هذه البرامج من التنفيذ المتبادل لتعزيز النمو المتسارع ونجاح مبادرات التنمية. ونجد تعليقا على ذلك في دعوات الأصلاح المعلنة في المغرب ​​من قبل الملك محمد السادس [1] ، بأنّ على الأمة الآن أن تعيد النظر في نموذجها التنموي: وهو ما يؤكد كونه مثالا لإنجاز نموذج تنموي في البلاد الذي يتطلب إعادة التقييم والإصلاح.

يتضمن نموذج التنمية المغربي الديناميكي الأطر الستة لتعزيز التنمية البشرية التي تمت مناقشتها في هذا المقال. وتعزز مقرراتها التوجيهية ــــ فردية أو جماعية ـــ التنمية المحلية والتنمية التي يديرها المجتمع المحلي. وتحلل هذه المقالة مكونات نموذج التنمية في المغرب وتقدم توصيات جديدة لإصلاحها وعلاقاتها التضامنية لتشجيع المزيد من النتائج الناجحة.

إن نموذج المغرب للنهوض بالتنمية البشرية والتأكيد على الفئات والأقاليم المحرومة والاعتماد على الأساليب الديمقراطية التشاركية واللامركزية يمكن نقله إلى بلدان أخرى. إن النجاح في الكشف عن النهج الإنمائي للمغرب، مسترشداً بأطر العمل الوطنية، يحمل عواقب وجودية لنفسه ولما يمكن للمغرب أن يكون ملهماً له في أفريقيا والشرق الأوسط.

2. الأطر المغربية للتنمية المستدامة

تشكل الأطر الستة التالية دعامة تنموية للشعب المغربي. وتشمل اقتراحات لإدماج هذه الأعمدة بحيث تعزز بعضها البعض وتعزز إمكاناتها الإنمائية الجماعية.

هذه الأطر المغربية وضعت لتوجيه المجتمع المحلي وتطوير الوطن:

1 ) يتطلب ميثاق البلديات ، المعدل في عام 2010 ، إنشاء مخططات تنموية اجتماعية بعيدة المدى تنشأ من مشاركة الشعب ؛
2) أطلقت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في عام 2005 لتوفير الوصول إلى التمويل الخاضع
لإدارة محلية لمشاريع تنموية متعددة الأبعاد في المجتمعات القروية والحضرية .
3 ) خريطة طريق اللامركزية ، التي تم كشف النقاب عنها لأول مرة في عام 2008 ، تخلق بطريقة
مبتكرة ثلاثة مسارات – التفويض ، لامركزيةوالتفويض – لتمكين المناطق والمحافظات والبلديات من التنمية وتقرير المصير.
4 ) مخطط المغرب الأخضر ، الذي أطلق في عام 2008 ، يدرك أن هناك حاجة للمساهمات الأساسية
على امتداد سلسلة القيمة الزراعية بأكملها ، من البذور إلى التصنيع ، للتغلب على الفقر المنهجي الذي يصيب معظم الأسر الريفية ؛
5 ) تم إصلاح قانون الأسرة المغربي ، المدونة ، في عام 2004 لتعزيز المساواة بين الرجل والمرأة .
6 ) تم إطلاق مجموعة متنوعة من برامج القيادة الشبابية التي تهدف إلى إشراك شباب الأمة في صنع
القرار من خلال الجمعيات الأهلية والمبادرات المجتمعية.

هناك بالفعل طرق تنموية وطنية مهمة أخرى، مثل: دفع المغرب إلى تكتل إقليمي ووحدة أفريقية، تشجيع قوانين المنظمات المدنية والتعاونيات على النمو ؛ إجراءات الطاقة المتجددة (التي ينبغي ، مع ذلك ، إعادة تنظيمها لتكون مدفوعة من قبل الأسر بدرجة أكبر) ؛ فكرة الحفاظ على الثقافة مع دمج فوائد التنمية البشرية [2] ؛ والتوقعات التجارية التي تحاول الموازنة بين التجارة الحرة والأسواق الإقليمية المتكاملة ومكافأة الأسواق المحلية على المنتج الجيد. ومع ذلك ، فإن الأطر الستة المذكورة أعلاه هي التي يمكن أن تضع المبادئ التوجيهية اللازمة لهذه البرامج والسياسات الأخرى من أجل إنتاجية شاملة ومنصفة.

والمسائل التي يتناولها هذا المقال هي: كيف يمكن للأطر الستة تحقيق أهدافها الفردية بشكل أفضل؟ وكيف يمكن للأطر العمل أو الربط فيما بينها لخلق التنمية البشرية التي يدعمها المستفيدون من المجتمع المحلي ، بدعم من الإدارات والشراكات اللامركزية ؟

وبالنسبة إلى الإئتمان الدائم للمغرب ، توجد بالفعل قوانين وسياسات وبرامج أساسية – الدستور نفسه – لتعزيز المشاريع الإنمائية التي تعكس الأولويات المشتركة محلياً ولها اتخاذ القرارات التشاركية والترتيبات الحاكمة. ولايعزى عدم وجود التنمية الريفية في الغالب إلى عدم وجود الفرص ولكن إلى ضعف تنفيذ الأطر القائمة واستمرار الفقر المتفشي والتمييز بين الجنسين. لقد أعلن المغرب عن مواقف في مجال التنمية المستدامة يمكن أن تسفر عن حركات مجتمعية ناجحة ومتدرجة تنخرط في تحسين حياة المجتمع كله ، إذا ما طبقت بشكل صحيح.

إن الإمكانات البارزة للاقتصاد الزراعي المغربي يمكن أن تكون المحرك المالي لبناء المشاريع الشعبية ، في التعليم والصحة والأعمال التجارية الجديدة والتمكين. وتدعم القوانين المغربية التنظيم والعمليات اللازمة لتحقيق مشاريع مستدامة ومدرة للدخل ، وقد أثبتت النماذج الأولية للمشاريع المجتمعية نجاحها. ولحسن الحظ ، فإن الظروف والفرص الإجتماعية يمكن أن تجعل النموذج المغربي الأقرب إلى الإنجاز في مستقبل غير بعيد.

3. الميثاق المغربي للبلديات

يتطلب الإطار الأول ، وهو ميثاق البلديات المغربية ، ممثلين منتخبين محلياً لوضع مخططات تنموية بعيدة المدى تعتمد على مشاركة الناس في تحديد المشاريع المحلية. وهذا ينبغي أن يكون سبيلاً رئيسياً لتحقيق التنمية المستدامة لأن مشاركة الناس (إلى جانب التمويل) هي العامل الرئيسي للإستدامة. ومع ذلك ، هناك تحدٍ دائم في المغرب: فالأعضاء المنتخبون في المجالس البلدية ، الذين يُعطون مسؤولية تنفيذ خطط المجتمع لا يتم تدريبهم عادةً على تسيير أساليب المشاركة في المشروع. وسوف يستفيد الممثلون (وغيرهم من أفراد المجتمع) بدرجة كبيرة من ورش العمل التعلمية التطبيقية من أجل الوفاء بشكل فعال بالعهود المتعلقة بالتنمية في ميثاق البلديات.

وبعد كل ذلك ، يعتمد الكثير من النجاح الإنمائي للمغرب في الأساس على: 1) توزيع المهارات اللازمة لخلق ومساعدة مبادرات التخطيط المجتمعية الشاملة ، و 2) تنفيذ المشاريع التي صممها الناس، فهم المستفيدون من المشروع ومديروه. يضع ميثاق البلديات – الذي يوجه الطبقة الإدارية الأقرب إلى الناس – سبيلاً لنجاح التنمية التشاركية. إن المشاريع التي يقودها الأفراد والتي تم تقنينها في ميثاق البلديات ضرورية للتنمية المستدامة وتحقيق الأطر الأخرى التي تشكل النموذج المغربي.

إن تحفيز مشاريع التنمية الشاملة والواسعة يعني أولاً تنفيذ برامج تدريب اختباري لطلاب الجامعات ومعلمي المدارس والفنيين وأعضاء المجتمع المدني والمسؤولين المنتخبين والسكان المحليين ليكونواعلى سبيل المثال عناصر فاعلة في التنمية التشاركية. من خلال التدريب والعمل. و يمكن أن تعكس خطط التنمية البلدية المذكورة أعلاه الإرادة الفعلية للناس فيما يتعلق بالمشاريع والمستقبل الذي يرغبون فيه.

وبدون وجود ممثلين محليين يعرفون كيفية إنجاز مشاركة الناس في التنمية ، ودون علم السكان المحليين بهذا الحق الحيوي ، فإن الخطط سسيبقى مصدرها من الأعلى إلى الأسفل بمستويات معيارية أو غير واقعية. لقد وصل الأمر إلى النقطة التي يبدو فيها أن الشرط القانوني لإنشاء خطط مجتمعية من خلال عمليات تشاركية حقيقية يعد مبالغة. إن بناء المهارات في تدبير الإجماع المحلي ، وكذلك الحوار القائم على نوع الجنس والشباب لفهم الاحتياجات المختلفة بين المجموعات السكانية المختلفة أمر مهمّ للغاية إذا تم تنفيذ هذه الأبعاد من ميثاق البلديات بشكل فعال.

4. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية

الإطار الثاني ، “المبادرة الوطنية المغربية للتنمية البشرية” ، هو صندوق وطني لمشاريع البنية التحتية ، وبناء القدرات ، والتنشيط الإجتماعي والثقافي والأنشطة المولدة لفرص الشغل على المستويات المحلية. ينبغي أن يتضمن هذا الصندوق ميزانية تبلغ عدة مليارات من الدولارات على مدى خمس سنوات من أجل التدريب على تيسير المشاركة والمشاريع التي يحددها المجتمع والتي تصل إلى القطاعات الاجتماعية. وبعبارة أخرى ، ينبغي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية أن تساعد في المقام الأول على تحقيق مشاريع التنمية المصممة وفقاً لميثاق البلديات. وفي الواقع ، لا يمكن أن تنجح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وميثاق البلديات إلا إذا كانا يعملان بالتنسيق جنباً إلى جنب.

إذا لم ينتج عن ميثاق البلديات مشاريع محددة بشكل صحيح على مدار الإجتماعات التشاركية على مستوى المجتمع ـــ وهو الأمر الذي يحدث للأسف في كثير من الأحيان ـــ فمن المتوقع أن لا يكون لدى “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” مشاريع محلية مستدامة مناسبة لتمويلها. ينبغي أن تساعد “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ” على تمويل خطط التنمية التشاركية الواردة في الميثاق ، وتمويل المشاريع التي عبر السكان المحليون عن الحاجة إليها.

ولزيادة تأثيرها الإنمائي المحلي ينبغي أن تشمل الإصلاحات العملية الأخرى للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ما يلي: أولاً ، ينبغي على إدارات المحافظات الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية أن تقبل مقترحات التنمية على مدار السنة . وحتى الآن ، تعني الفترات المتغيرة خلال السنة التي يتلقون فيها المقترحات أن الفرص تفتح وتقفل وأن معظم الجمعيات والمجموعات المحلية تبقى بدون علم بذلك. ثانياً ، ينبغي أن تكون المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مرنة إلى أقصى حد ممكن لتمويل المشاريع المهمة التي تحددها المجتمعات (سواء في الصحة أو التعليم أو البناء أو ما إلى ذلك) ؛ كما أن معايير المبادرة فيما يتعلق بأنواع المشاريع التي يعتبرونها مساندة تتغير في كثير من الأحيان من عام إلى آخر (في حين أن أولويات المجتمع الريفي بقيت ثابتة). ثالثاً ، ينبغي على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أن تضاعف مبلغ سقف التمويل (إلى 000 60 دولار) للمشاريع المحلية ؛ خامسا: إلغاء أو تخفيض قانون مساهمة المستفيدين بثلث الأموال المطلوبة (يجب أن تقبل المبادرة الوطنية مساهمات عينية من مقدمي الطلبات المجتمعية ، مثل العمال والأراضي ، بدلاً من المساهمة المالية). وأخيرا ، وبشكل حاسم ، ينبغي على “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” أن تشارك في إنشاء مقترحات مشاريع بين موظفيها مع المستفيدين المحتملين المحليين. إنّ غالبية سكان الريف أميون ولا يستطيعون صياغة الوثائق المعقدة المطلوبة بحيث أنّ المجتمعات المحلية التي قد تفيد المبادرة الوطنية أكثر لا تتمكن من الوصول إليها . لقد بدأ القرض الفلاحي (Credit Agricole) في المغرب والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في شمال العراق في اكتساب الخبرات في المشاركة في وضع مقترحات المشاريع مع ممثلي المجتمع المحلي والمستفيدين ، وقد تكون الدروس المستفادة منها مفيدة إذا تبنت المبادرة الوطنية هذا النهج. إن دمج هذه التدابير ومواءمة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مع ميثاق البلديات فيما يتعلق بالتخطيط التشاركي والتنمية يمكن أن يؤدي إلى زيادة مهمة في تنفيذ مشاريع التنمية المحلية الجديدة التي تتماشى مع ضرورات الإستدامة.

5. اللامركزية المغربية

إن “خارطة الطريق” لللامركزية المغربية – المأخوذة من التصريحات العلنية لملك المغرب منذ عام 2008 [3] – تهدف إلى استخدام المشاركة المستمرة على المستوى الوطني (التفويض) إلى جانب الشراكات المحلية (اللآمركزية) للمساعدة في تنفيذ مشاريع مجتمعية (تفويض). وبعبارة أخرى ، يهدف المسار المغربي إلى حشد الموارد والشراكات الوطنية من أجل التنمية المحلية التي تعد من حيث المبدأ جيدة من أجل الاستدامة. ومع ذلك ، يجب أن يتم البناء المناسب والدائم بالتزامن مع تنفيذ تخطيط المجتمع ، والمشاريع ، وبناء الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني. واﻟﻌﻼﻗﺎت واﻹﺟﺮاءات اﻟﺘﻨﻤﻮﻳﺔ اﻟﻤﺸﺘﺮكة هي اﻟﻨﻈﻢ اﻟﻼﻣركزية اﻟﺘﻲ ﺗﺼﻨﻊ ﻓﻌﻼً ، وهذا ﻳﺘﻄﻠﺐ ﻣﺒﺎدرات ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﻣﺴﺘﺪاﻣﺔ ﻋﻠﻰ نطاق واﺳﻊ. لذلك ، فإن عدم تنسيق العمل بين “ميثاق البلديات” و”المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، لن يتم تشكيل الترتيبات اللامركزية للإدارات العامة بنفس القدر والالتزام.

وعموما يبدو أن اللامركزية لم تترسخ بعد في المغرب بشكل كبير مما يزيد من إضعاف التنمية المحلية الجديدة. إذ لا يزال المستوى الوطني يهيمن على المستوى الإقليمي والمحلي في اتخاذ القرارات ووضع المعايير والشروط الخاصة للإجراءات. ويظل عدد الإداريين الوطنيين الذين يقودون تدابير اللامركزية قليلا جدا.وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة المواظبة على جلسات إعلامية بشأن التنظيم اللامركزي وتكوينه من القاعدة إلى القمة مع القادة على المستويين الوطني والإقليمي والمحلي. ومن المفيد أيضًا إجراء دراسات تُظهر التداخل والتشابه بين الرقابة المحلية على الشؤون الاجتماعية والتوجيهات الدينية الإسلامية لأن ذلك من شأنه أن يشجع بعض القادة على الأخذ باللامركزية وجاذبيتها، بوضعها في هذا السياق الثقافي الأصيل لنتمكن من دمجها بشكل طبيعي.

وفيما يتعلق بالنتائج السياسية المزعزعة للاستقرار التي قد تنجم عن اللامركزية ، كما هو موصوف في القضايا الدولية ، فإن ما يتعلق بالحالة المغربية ــ وبالاستناد إلى تجربتي ـــ: يبدو من خلال المناقشات المجتمعية أن الشعب يركز على سبل العيش وتلبية الاحتياجات البشرية الضرورية. ولم ألاحظ أي أساس للقلق أو المخاوف التي تكمن وراء هذه العوامل التنموية.

ومن المعلوم أن تنفيذ اللامركزية، وخاصة ما يتعلق بخطى تسريعه ، يمكن أن يشكل عملية توازن دقيقة. فالمستوى المحلي تكونه طبقات اجتماعية واقتصادية وبيئية ، والمستوى المجتمعي والعالمي يكونه نوع الجنس. يمكن أن تكون عملية التقدم باللآمركزية بسرعة محفوفة بعواقب غير حميدة ، مثل ترسيخ الطبقات الثرية والسياسية المحلية. ومع ذلك ، فإن التنفيذ الحقيقي للإطارين الأول والثاني يمكن أن يخلق ظروف المشاركة والاستدامة الأولية التي قد تمكّن المغرب من أن يختار في نهاية المطاف شكلاً من أشكال إدارة التنمية اللامركزية إلى مستوى البلديات. ولكي يتم الكشف عن ذلك ، تحتاج المجتمعات المحلية وجمعياتها ببساطة إلى ممارسة في إدارة المشاريع (التي تتضمن شراكات متعددة القطاعات) من خلال مراحلها المختلفة، وأيضاً لتجربة منافعها التنموية بشكل مباشر.

6. الزراعة المغربية والتنمية الريفية

الإطار الرابع ، الذي تمثله برامج التنمية الزراعية في المغرب (بما في ذلك مخطط المغرب الأخضر) ، لا يحدث فرقاً كافياً بالنسبة لغالبية الأسر الزراعية التي تزرع خمسة هكتارات أو أقل من الأراضي وتواجه فقرًا مستعصيًا [4]. إن الاضطرابات الإجتماعية في المناطق التي تقع بالدرجة الأولى في شمال المغرب هي انعكاس مباشر للفقر الريفي المستمروتداعيات في تطبيق الأُطر الزراعية والإنمائية والتشاركية في البلد. إن الإفقار الريفي – على الرغم من الإمكانات المحلية والوطنية الهائلة – هو “كعب أخيل” نحو مستقبل المغرب المستقر والرخاء الوطني.

إن الإنجازات التي تحققت للمزارعين الأسريين على مدى العقود الثلاثة الماضية في تنفيذ مشاريع التنمية المجتمعية الأكثر حاجة ، قليلة جدا ومتباعدة. والظروف الريفية في المغرب محبطة للغاية ويستحيل تبريرها بشكل متزايد. وحتى مع وجود مشاريع قابلة للتطبيق ، يشكو كثير من المانحين والممولين من الافتقار إلى مقترحات أعمال وإنمائية قابلة للحياة. كيف يمكن أن يكون ذلك ، على سبيل المثال ، عندما تعرف المجتمعات الزراعية تماما البنية التحتية للري اللازمة لتزويد جميع الأسر في القرية ؟ ويعطي السكان المحليون الأولوية لهذا الأمر باستمرار ، ولكن بدون بناء، عقد وراء عقد ، حتى عندما يساهم المستفيدون المحليون بسرور بعملهم العيني. إن مشاريع البنية التحتية للري باهظة بشكل لا يمكن تحمله ، خاصة في المناطق الجبلية ، ولن نجد بالكاد أي مشروع آخر يعمل على تحسين أكبر للإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والدخل.

تطرح ظروف التنمية الريفية إشكالية كبيرة: فهناك خسائر متقاربة في أنواع أشجار الفاكهة مثل التين والتفاح والكمثرى والعنب وكليمنتين والخروب والتمر وغيرها التي تعتبر مستوطنة في المنطقة الشمالية، وأصناف أخرى في أماكن أخرى بالمغرب. هذا في حين أن المليارات من الأشجار والنباتات مطلوبة لأن العائلات الزراعية مضطرة من قبل قوى السوق والسكان إلى الإبتعاد عن زراعة المحاصيل الغذائية التقليدية (الشعير والذرة). وتزرع هذه المحاصيل ، وفقا لوزارة الزراعة ، على 70 في المائة من الأراضي الزراعية ، ولكنها لا تمثل سوى 10-15 في المائة من الإيرادات الزراعية [5]. كانت مشاتل الشجر الحكومية تغلق على مر السنين عندما ينبغي أن تكون في أقصى قدرات الإنتاج – بناء على الطلب العام الهائل على الأشجار. وإحداث تغيير بسيط في السياسة من شأنه أن يحدث فرقاً كبيراً لعشرات الآلاف من العائلات الزراعية: ينبغي السماح بزرع أشجار الجوز على ارتفاعات عالية في أراضي الملك العام ، تماماً كما يُسمح بزراعة الخرنوب على أراضي الملك العام في الأراضي الواقعة على منخفضات.

إن الإجتماعات المحلية الريفية متخمة بطلبات المجتمعات الزراعية للري والبنية التحتية لاحتواء المياه – ولكن دون جدوى بالنسبة لمعظمها بعد أجيال. ومن الصعب التغلب على العديد من التحديات المتعلقة بإرساء معايير الجودة والكمية والمبيعات في الأسواق الأوسع نطاقاً للمنتجات الزراعية. هناك جمعيات تعاونية ، وهي مركبات للأعمال الجماعية والخاصة والقائمة على السوق، هذا على الرغم من أن قلة محظوظة فقط قادرة منها على النجاح في السوق. وهي بشكل نمطي تلك الحالات النادرة التي إستفادت من المساعدة في مجال بناء القدرات الإنمائية الخارجية حتى تصبح التعاونيات مستدامة. تتفشى التعرية الجبلية حتى التسبب في نقل منازل وقرى بأكملها. وتساعد المدرجات الجبلية الجديدة من الأشجار المثمرة (والمرنة) المزودة بثمار مع أنظمة مياه فعالة في تأمين سبل العيش المحلية والبيئات الطبيعية للعائلات لعقود قادمة.

تتمثل إحدى العواقب التي لا تحتمل للفقر في الريف في التداعيات الرهيبة للفتيات الريفيات (والأولاد) في المشاركة في التعليم بين المدارس الابتدائية والثانوية ، مع وجود مهاجع غير كافية والإفتقار للتنقل بأسعار معقولة ولامركزية وزارية. وفي الوقت نفسه ، يوجد عدد كبير من الأهالي في المناطق الريفية الذين لديهم القدرة على إرسال بناتهم إلى المدرسة ، ولكنهم يختارون الاحتفاظ بهن في المنزل بسبب التحيزات والتهديدات التقليدية بين الجنسين. يجب على العائلات الريفية عادة الإختيار بين إرسال بناتها لجلب مياه الشرب على بعد عدة كيلومترات أو إرسالهنّ الى المدرسة.

تركز البرامج الزراعية بشكل مفهوم على سلسلة القيمة المنبعية بأكملها ، من المشاتل إلى الأسواق ، ومن المنتجات الخام والمصنعة. إن فداحة القيمة التي يفقدها المزارعون الأسريون المغاربة بسبب الاعتماد على الأشجار والبذور ، وبسبب بيع منتجاتهم الخامة من خلال قنوات الأسواق المحلية التقليدية تضمن أن الجزء الأكبر من مدخراتهم المحتملة ودخلهم وإعادة استثمارهم – أساس نموهم – سيعزز إلى حد كبير سبل العيش في أماكن أخرى ، وليس في أماكنهم.

يجب على برامج التمويل الزراعي أن تتخذ خيارات فيما يتعلق بالمكان الذي يمكن أن تحفز فيه أكبر قدر من الفوارق التنموية المحتملة مع مواردها المحدودة. وفي هذا الصدد ، يتم تقاسم الحلول ذات الأولوية للمشروع على نطاق واسع وهي في الري: قنوات المياه والأحواض والأبراج والأنابيب والمضخات والبنية التحتية – وكلها يمكن أن تحفظ وتمد 50 في المائة أو أكثر من محتويات الماء. ويمكن تلبية الحاجة المتساوية على نطاق واسع إلى مياه الشرب النظيفة بشكل مناسب في المخطط الفني.

أنا أفهم الرد المقابل على هذه التوصية: هناك بالفعل برامج حكومية لدعم بعض هذه الأنشطة للمزارعين (أنظمة الري بالتنقيط ، على سبيل المثال). ومع ذلك ، يجب إحضار هذه البرامج للمزارعين أينما تواجدوا حيث يتم التركيز على الشراكات الضرورية والمساعدة في النمو المؤسسي المحلي. ينبغي تمويل البرامج التالية: المشاتل المزروعة في الأراضي العامة التي تُقرض لجمعيات المجتمع (للحد من المخاطر وتكاليف المزارعين) على غرار ما فعلته اللجنة العليا للمياه والغابات، والمدارس العامة والجامعات وغيرها مع مؤسسة الأطلس الكبير ؛ بناء القدرات التعاونية في الإدارة والمجالات التقنية ؛ العضوية ، سلامة الأغذية ، وشهادات أخرى وخطوط ائتمان متجددة من أجل أن تحصل التعاونيات على منتج معتمد لتصنيعه وبيعه. وستكون نتيجة هذه الإجراءات المجمعة زيادة كبيرة في المنتجات الزراعية والجاهزة للسوق ،هذا إلى جانب تحسين التنظيم المحلي ، وإعادة الاستثمار في التنمية البشرية ، والشراكات اللامركزية التي تساعد على تمكين اتخاذ القرارات.

ولكن كيف نصل إلى هناك ؟ ومرة أخرى ، فإن الإطار الأول الذي يتضمن الميثاق وتشكيل خطط التنمية المجتمعية المدفوعة من قبل المستفيدين المستهدفين ، النساء والرجال ، وجميع الأعمار ، هو أيضا عنصر أساسي في تحديد وتنفيذ المشاريع الزراعية المستدامة. تسهيل تطوير المشروع مفيد ومطلوب. وفي هذا الصدد ، فإن إنشاء مراكز للتخطيط التشاركي للمساعدة في إجراء الحوار ومكان اللقاء والتنسيق يمكن أن يكون حيوياً للاستدامة. ويدرك حكام الأقاليم والقادة الآخرون قدر المساهمة المهمة التي يمكن أن تقدمها هذه المراكز وهم منفتحون لتخصيص بنية تحتية عامة أو مدنية غير مستغلة بشكل كافٍ لغرض التنمية التشاركي هذا. أما مراكز الإرشاد الزراعي الـ 300 أو ما يقاربها وال 54 مدرسة تدريبية في المغرب فينبغي تكييفها من أجل مشاتل أشجارة الفاكهة المستوطنة والعضوية ومشاتل للنباتات الطبية التي هي أيضاً مواقع نقل المهارات التقنية للمناطق المحيطة بها. يجب أن يكون الطلاب والموظفون من المدربين المستقبليين الذين هم أنفسهم مدربون بشكل تجريبي في تيسير التخطيط والمشاريع التشاركية مع المجتمعات المحلية.

7. المدونة وتمكين المرأة

خضع الإطار الخامس ، المدونة (مدونة الأسرة المغربية) لإصلاح كبير في عام 2004 ، ويمثل فرصة كبيرة لتحقيق المساواة والازدهار للمرأة. وعلى غرار أوجه القصور في النتائج الإيجابية من الأُطُر الأخرى ذات الصلة بالفرص ، فإن التطبيق على مستوى الأساس لمواد المدونة – التي هي نهج قائم على الحقوق في التنمية المستدامة – لا تترجم على نطاق واسع إلى تغيير إيجابي للأغلبية العظمى من النساء الريفيات. ففي دراسة ميدانية أجرتها مؤسسة الأطلس الكبير ، قالت 94 في المائة من النساء الريفيات المشاركات وعددهن 194 في اقليم الحوز بجهة مراكش اسفي إنهن لم يسمعن قط عن المدونة ، وهي القوانين ذاتها التي تثبت حقوقهن. كان الهدف من الدراسة هو مساعدة مؤسسة الأطلس الكبير في تقديم ورش العمل التي تشمل: 1) الاعتراف بالحقوق وممارستها ، 2) تنمية القدرات من أجل تطوير التعاون التشاركي ، و 3) بناء المعرفة والمهارات التيسيرية للمواطنين في عمليات التمكين. .

وقد ذكرت الباحثة الرئيسية غال كرامارسكي من القدس في مقالها القادم: “كل الجماعات ذكرت الأمية كعائق أساسي يعيقها عن معرفة حقوقها”. إن المسافات بين المجتمعات وأقرب مدارسها المتوسطة والثانوية تخلق حواجز عملية وثقافية (البنية التحتية) للفتيات الريفيات للإشتراك في التعليم. وبدون تغطية الهاتف الخلوي والاستقلالية عبّرت فتاة واحد عن شعورها بالقول: “لا أحد يهتم بنا ، نحن مهمشون هنا ؛ كيف لنا أن نعرف حقوقنا ؟” ولاحظت كرامرسكي أن “العديد من النساء أشارت إلى أنهن يعتمدن على أقاربهن ؛ إن افتقارهم إلى الحرية المالية والإجتماعية يمنعهن من الوصول إلى الحقوق “.

وفيما يلي ملاحظات من الدراسة المذكورة أعلاه وبرنامج التمكين المستمر الذي أطلقته: 1.كانت عشر نساء من جامعات في مراكش جزءًا من الدراسة المذكورة أعلاه ، وكان لديهن جميعًا الوعي بالمدونة كقضية من النضال السياسي والمدني. ويمثل هذا الوعي فرصة لتعزيز قدرات النساء القرويات والجامعيات في المغرب من خلال تسهيل ورش عمل النساء التي هي برامج متكاملة للاكتشاف الذاتي / المدونة / برامج التنمية التعاونية.
2.حدود لتوسيع وتشديد خبرات تمكين المرأة وتطورها هو الحصول على الرؤى النظرية والمنهجية للنسويات الغربية والإسلامية التي تم تحليلها معاً من أجل معرفة أوجه التشابه والاختلاف ودمجها في المجالات الممكنة لخلق مقاربات ونتائج محسنة (محتملة للمجتمعين كليهما) .
3.إن عملية تحقيق استقلال مالي أكبر للمرأة من خلال التعاونيات تعمل في الوقت نفسه على تعزيز التنمية البشرية والقدرات والشبكات الاجتماعية. وكما أن التخطيط التشاركي يحتاج إلى تحسينات قابلة للقياس في حياة الناس لكي تكون ناجحة ، فإن عمليات تمكين المرأة ينبغي أن تؤدي إلى تنمية مستدامة.
4.التعليم وحده لا يكفي لزيادة عمالة النساء كما يتضح من حقيقة أن النساء يشكلن 47 في المائة من السكان الحاصلين على شهادة جامعية من الدرجة الثالثة في المغرب، ومع ذلك تظل الغالبية العظمى مهمشة من القوى العاملة [6]. يجب بالأحرى الجمع بين برامج التعليم وورشات التمكين لإعطاء المرأة الثقة التي تحتاجها للتغلب على المفهوم السلطوي الذي يمنعها من دخول سوق العمل.

8. الشباب والنشاط والتنمية

الإطار السادس – النهوض بمؤسسات الشباب ومشاركتها المدنية والسياسية في صنع القرار – مليء بالفرص والتحديات. هناك العديد من الطرق في المغرب لإشراك الشباب في خبرات التطوع والتدريب على مستوى المجتمعات المحلية من أجل التنمية البشرية. انها أساسا تأتي إلى الاستثمار (إرادة القيادة) وإدارة التنفيذ. يقوم كلٌّ من البحث العملي على مستوى الجامعة وتعلم الخدمات ومراكز الشباب والمدارس – بعرض كل يوم كيف يمكن أن تكون العوامل الحافزة لمشاريع الناس والتغيير الاجتماعي، وفي الوقت نفسه صياغة أفضل مستقبل ممكن للطلاب من خلال بناء المهارات التكوينية. إن نقص التمويل يجعل من الصعب الحفاظ على هذه البرامج التي تشكل في الواقع الأساس لعمالة الشباب والتنمية الاجتماعية. ومع ذلك ، فإن هذه البرامج تقوم في الواقع على المدى الطويل بتمويل نفسها ، خاصة عن طريق الأمل والشعور بالهدف الذي تمنحه هذه التجارب للشباب ، ونتائج التنمية التي يخلقها الشباب في مجتمعاتهم.

ينبغي أن تجمع برامج بناء القدرات لمجموعات الشباب تيارين من الإجراءات المتداعمة: أولاً ، تطبيق الأساليب التشاركية بين المشاركين في تدريب الشباب ، بحيث يقومون هم أنفسهم بتحليلها ووضع الإستراتيجيات لتحقيق احتياجاتهم الذاتية المحددة. في نفس الوقت يتعلمون النهج التشاركي. ثانياً ، عندما يتعلم الطلاب طرق التخطيط من استخدامهم الخاص يقومون بتطبيق الأساليب مع المجتمعات المجاورة لإحداث تغيير خارج مدرستهم أو مركزهم أو جوارهم. وبمجرد أن يتعلم المشاركون طرقًا تشاركية عن طريق اختبارها بأنفسهم، فإنهم يخرجون ويطبقون نفس الشيء مع المجتمعات الأخرى. بهذه الطريقة ، يتم تحديد وتنفيذ مشاريع الطلاب والمجتمع ، حيث يتم بناء المهارات في التخطيط التشاركي وإدارة المشاريع بين المشاركين الشباب. ويعتبر التعلم بالممارسة فعالا من حيث التكلفة ، ولكنه يأخذ الإدارة والبرامج المتكاملة التي تنطوي على تفكير المشارك والكتابة (أو العمل الصحفي) والتعلم التعاوني والتفكير النقدي. وفي الوقت الحاضر تريد شراكة مؤسسة تحدي الألفية (Millenium Challenge Corporation) التابعة لحكومة الولايات المتحدة في المغرب مقترحات مشاريع تقوم بهذا فقط: التعلم التطبيقي مع طلاب المدارس المتوسطة والثانوية التي تتضمن الإستثمار في البنية التحتية اللازمة لتلبية الاحتياجات الشخصية والتعليمية الأساسية وإعداد الطلاب للمهن المستقبلية في القطاعات الاقتصادية المستدامة.

وللحصول على فكرة حول تكاليف المشروع ، سيقطع مبلغ 200000 دولار شوطًا طويلاً نحو إنشاء مدرسة إعدادية (متوسطة) أو ثانوية متوسطة الحجم (300-400 طالب) في البنية التحويلية والمناهج الدراسية والأنشطة الخاصة بتعليمهم ومجتمعاتهم. وتشمل المبادرة الممولة على هذا المستوى ما يلي: أشجار فاكهة متوطنة وحراجة ومشاتل النباتات الطبية البرية (للمدارس والأسر الزراعية في المقاطعة) – يساعد إدماجها في الدروس البيئية والاقتصادية والثقافية في تكوين توقعات وقدرات إعلامية مدى الحياة. تكنولوجيا المعلومات التي تدعم إدارة الموارد الطبيعية والتخطيط والتحليل المكاني والإجتماعي من قبل الطلاب ؛ بناء البنية التحتية اللازمة بشدة مثل الفصول الدراسية والمكتبات وأنظمة المياه والحمامات والموارد والمواد التعليمية لدعم المناهج الدراسية. هذه التكلفة لا تشمل المهاجع ، وخاصة بالنسبة للفتيات ، والتي تعتبر حيوية لمشاركتهن خارج المدرسة الثانوية (كما هو الحال في الكثير من دول أفريقيا أيضا).

ما هي الأسباب وراء قرارات الحكومات لبناء آلاف المدارس الريفية بدون حمامات ومياه ؟ ولماذا لا يضطر الأساتذة في كليات الجامعة العامة في المغرب إلى الاحتفاظ بجدول زمني ثابت مع حضورهم الثابت؟ وما الذي يبقي بيتًا مشيدًا ومكتملًا لمعلم ريفي لا يزال غير مفتوح لأكثر من عام في انتظار الحصول على إذن لا يمكن للبلدية أو المقاطعة منحه (أو عدم منحه) بسهولة ؟ هل ستحقق الشابات في ورشات التمكين مثل هذه الأحلام المعقولة عندما تجرؤن أخيراً على الحلم معاً ؟ هل تشعر دائمًا وكأنه معجزة عندما يتم جمع الأموال بنجاح للتعامل مع القليل جدًا من الأمور المتعلقة بالعدالة؟ يبدو أن هناك وابلًا ثابتًا من الطرق التي يتم فيها حرمان الشباب المغربي من الأخلاق التي تضيف إهانة للإصابة. إن سوء الإدارة هذا صاخب وغير قابل للإستمرار ومن المؤكد أنه قابل للعكس لأن الحلول معروفة ومُختبرة ، والأغلبية العظمى من الشباب تريد المشاركة.

9. الخاتمة – المغرب: وضع جدول لتحقيق الرخاء المستدام

إن الأطر المغربية من أجل التنمية تتحمل بشكل أساسي ما هو ضروري من أجل التنمية المستدامة للمناطق والجماعات المهمشة التي سيتم تحفيزها والتنفيذ الكامل لها مع نتائج دائمة. أنها تؤكد على النهج التشاركية لتحديد أهم المبادرات. فهم يشجعون اللامركزية من أجل تمكين المجتمعات المحلية والوكالات المدنية والعامة من اتخاذ القرارات وتخصيص الموارد لمشاريع الناس. تستهدف الأطر النساء والشباب تقديرا لحالاتهم المحرومة ودورهم كدوافع رئيسية للتغيير المستدام.

وضمن نطاق كل إطار ومجتمعة ، فهي شاملة وتوفر المسارات اللازمة لشعب المغرب للنظر في المستقبل الذي يريده ، مع توفير مسار وطرق للمساعدة في تحقيق أهداف التنمية البشرية الخاصة به. يمكن لميثاق البلديات أن يقدم خططًا لتطوير المشروع واستدامته بحيث يمكن للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية أن تتخلف عن ذلك وتساعد في تحقيقها. يتم لاحقاً بناء الترتيبات اللامركزية في أعقاب تنفيذ المشروع المجتمعي الذي ينطوي على شراكة متعددة القطاعات.

إن الزراعة المغربية ، بما لديها من إمكانات هائلة لإيجاد دخل وتعزيز البيئة، يمكن لا بل يجب أن تكون محركاً للتمويل الذاتي لمشاريع الناس. ويمكن أيضا أن يتمّ تحديد وإقرار المشاريع الفلاحية من خلال عملية تنفيذ بنود أو تفويضات ميثاق البلديات. المدونة وتجسيدها للإعتماد على الحقوق والإعتراف بمركزية التنمية المستدامة كناتج لحقوق الإنسان ، ليس فقط ضمان وحماية الوضع العادل والمشرع للنساء والفتيات ، بل إنه يمكِّن أيضاً من مسار حيوي نحو الإستقلال فيما يتعلق بصنع القرار الإقتصادي والتمكين. وبالنسبة للشباب ، هناك برامج وطنية لتعزيز التعلم التجريبي وخلق مشاريع مجتمعية لبناء القدرات وبناء المهارات القابلة للتوظيف.

وبالتالي ، لا يعتبر عدم كفاية المبادئ والخطوط التوجيهية لهذه الأطر بمثابة الصعوبات التي يعاني منها الشعب المغربي ، لا سيما في المناطق القروية. إنه تنفيذها غير الكافي أو المناسب الذي ينبع من الإفتقار الكبير إلى فهمهم الشعبي والمهارات اللازمة لترجمتها إلى واقع. ومن الأمور المركزية لتحقيق نموذج التنمية المغربية هو نقل المعرفة المتعلقة بكيفية تنظيم الإجتماعات المجتمعية حيث يتفق الناس على المشاريع التي يحتاجونها كثيرا ً.

كيف نساعد مشاركة الناس؟ وكيف ننظم تمكين المرأة في سياق إطار المدونة ؟ الإجابات على هذه الأسئلة هي ضمن الأطر نفسها. ورغم ذلك ، فإننا نتعلم الإجابات ونطبقها عن طريق التجمع والتقييم والتنفيذ والعمل. لقد وجدت أن كل ما نحتاجه هو منح الرجال والنساء من جميع الأعمار الفرصة للاجتماع سوية من خلال ورش عمل مجتمعية التي إن تمّ إتباعها في نهاية المطاف ستأتيهم بالمشاريع التي كانوا يأملون بها هم وأسرهم لمدة طويلة جدا ً من الزمن.

الهوامش:
[1]. كوندونو (Koundouno ) ، تامبا فرانسوا (Tamba Francois”) “الملك محمد السادس يدعو إلى نموذج جديد للتنمية ، الخدمة المدنية المسؤولة” ، أخبار المغرب الدولية ، 27 فبراير 2018.
[2] بن مير ، يوسف. “هل يمكن للنهج المغربي أن يلهم ثورة إنمائية ؟” مجلة ميديترينيان الفصلية 29: 2 ، يونيو 2018.
[3] بيري ، ميغان. “الزراعة المغربية: مواجهة تحديات نظام مقسم” ، صندوق الغذاء المستدام ، 2015.
[4] وزارة الفلاحة ، الثروة السمكية ، التنمية القروية ، المياه والغابات ، “المغرب الأخضر” ، 2008.
[5] الملك محمد السادس. “النص الكامل لخطاب الملك بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء” ، وكالة المغرب العربي للطباعة ، 6 نوفمبر / تشرين الثاني 2008.
[6] قاعدة بيانات مؤشرات التنمية العالمية للبنك الدولي ، “نسبة الإناث إلى الالتحاق بالتعليم العالي للذكور” ، 2010.

سيرة المؤلف:
شارك الدكتور يوسف بن مير في تأسيس مؤسسة الأطلس الكبير في عام 2000 ويقود عملياتها حاليًا. كان عضو هيئة التدريس في كلية العلوم الإنسانية والإجتماعية في جامعة الأخوين في إفران (2009-10). في عام 2003 كان زميلاً للبحوث في المعهد الأمريكي للدراسات المغربية. وفي وقت سابق كان مديرًا مشاركًا لهيئة السلام (1998-1999) في المغرب حيث كان يدير قطاع الزراعة والبيئة وكان أحد المتطوعين في هذا القطاع نفسه (1993-1995). يحمل بن مير شهادة الدكتوراه في علم الإجتماع من جامعة نيومكسيكو (2009) حيث قام بالتدريس أيضا في الجامعة ويحمل أيضا درجة ماجستير في التنمية الدولية من جامعة كلارك (1997) ودرجة البكالوريوس في الإقتصاد من جامعة نيويورك (1991).

الدكتور يوسف بن مير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here