أستفتاء سحب الثقة

كانت الأحتجاجات الأخيرة المشروعة في البصرة هي بمثابة التصويت الجماهيري الغير قابل للتلاعب او التزوير على سحب الثقة و بشكل مطلق من جميع احزاب السلطة الأسلامية حين قامت تلك الجماهير الغاضبة المطالبة بأبسط حق من حقوق البشر في الصالح من الماء و فرصة للعمل تسد الرمق بالهجوم و احراق مقرات الأحزاب الأسلامية دون تفريق او تمييز من احزاب و حركات الكتلتين المتنافستين على موقع الكتلة الأكبر التي سوف تستحوذ على الحكم بكل مكاسبه و امتيازاته و الغنائم و الأموال السائبة التي سوف تهدر و تبذخ في حياة الترف التي يتمتع بها قادة تلك الأحزاب الأسلامية و عوائلهم و الحاشية المتملقة المحيطة بهم .

لقد اوهمت الأحزاب الأسلامية طمعآ بالسلطة و مغرياتها جموع الشعب العراقي بأن المشاكل التي يعاني منها المجتمع يكون حلها في توزيع السلطة بين مكونات الشعب حسب النسبة العددية لتلك المكونات من السكان بغض النظر عن النزاهة و الكفاءة و الوطنية فكان ان تقاسمت تلك الأحزاب الأسلامية و معها الأحزاب القومية الكردية السلطات فيما بينها و حددت مناطق النفوذ و اماكن الهيمنة لكل من تلك الأحزاب ما جعل محافظات و مدن عراقية بعينها حكرآ على حزب او جهة سياسية يمنع فيها التواجد لأي قوى سياسية اخرى و العمل فيها فكان اقليم كردستان من حصة الأحزاب الكردية فقط و صارت المحافظات ذات الأغلبية ( السنية ) من السكان من نصيب الحزب الأسلامي ( الأخوان المسلمين ) و غيره من الحركات الأسلامية السنية و كانت مناطق الوسط و الجنوب من حصة الأحزاب الأسلامية الشيعية بأعتبار ان سكان محافظات الوسط و الجنوب من المواطنيين ( الشيعة ) .

قبل العراقيون بهذه التركيبة التي اوجدتها الأحزاب الأسلامية لكن على مضض و حذر شديدين اذ لم تكن مفردة الشيعي او السني او الكردي و غيرها من الكلمات التي تدل على مذهب الفرد او قوميته متداولة او لها دلالة في المجتمع العراقي حيث كان الجميع من المكونات المتنوعة تتعايش في سلام بعيدآ عن المماحكة و المدافعة التي قد ينتج عنها صدامات فيما بينهم و لم يشهد عصر تكون الدولة العراقية الحديثة مثل هذه الأحتكاكات الى حين ظهور الأحزاب الأسلامية فكانت الحرب الأهلية الطائفية و التي لم يشهدها العراق من قبل حين تقاتل الشيعة و السنة في الأحياء و الأزقة على شيئ لم يعرفوا ما هو لحد الآن سوى انها قد تكون ( المؤامرة ) .

التحايل و النفاق الذي تتميز به الأحزاب الأسلامية جعلها توحي للناس ان الأستقرار السياسي و الرخاء الأقتصادي و علاج المشاكل الأجتماعية لا يكون الا في تقسيم السلطات الى حصص ينال كل طيف من اطياف الشعب العراقي نصيبه منها و كأنها كعكة غنية بالمناصب و الأمتيازات و الأموال و هكذا وضع ( المتآمرون ) خارطة العراق على الطاولة و ابتدأوا بتقطيعها الى اجزاء و يتم توزيعها فيما بينهم و كانت الغنيمة الثمينة هو الحكم في العراق فكان ان استولت الأحزاب الأسلامية على ( الغنيمة ) لكن المشاكل التي كان يعاني منها الشعب لم تجد حلآ او علاجآ لا بل ازدادت و استفحلت و اصبحت اكثر صعوبة و تعقيدآ .

كانت الأحزاب الأسلامية تملك من الكذب و الرياء الشيئ الكثير فقد اخلفت كل العهود و التعهدات التي قطعتها فقد وعدت بالأمن و الأستقرار فأذا بتنظيم ( القاعدة ) يجتاح اجزاء من الدولة و تشتعل نار حربآ اهلية طائفية و ما كادت تلك الفتنة ان تهدأ حتى احتل ( داعش ) ثلث اراضي الدولة و ثلاث محافظات كبرى و كان التهديد الداعشي يطرق ابواب العاصمة ( بغداد ) و ان ما وعدت به تلك الأحزاب من الأزدهار الأقتصادي و البناء العمراني فكانت البطالة متفشية و تشمل الأيدي الشابة الماهرة حتى تكدست في مساطر العمال تلك الطاقات التي لم تجد لها مكانآ في سوق العمل المناسب لمؤهلاتها و مهنها اما البناء و الأعمار و البنى الفوقية و التحتية فيبدو انها لم تكن واردة في قاموس الحكام الأسلاميين .

بعد ان عاثت الأحزاب و الحركات الأسلامية فسادآ و تدميرآ و لم يعد لها من هم او هدف سوى الأستحواذ على اكبر كمية من الأموال و بأي طريقة كانت ان كان ذلك من تهريب النفط و سرقة عائداته او الأستيلاء على اموال المنافذ الحدودية ( الكمارك ) او الأستحواذ على المناقصات الحكومية في صفقات تجارية مشبوهة من خلال مقاولين فاسدين ليسوا ذو خبرة او صنعة لكنهم ذو قربى و حظوة عند مسؤولي تلك الأحزاب و زعمائها و هكذا كانت ( المشاريع ) اما متلكئة و غير مكتملة او وهمية و لا وجود لها اصلآ و عندها صار هذا البلد ( العراق ) اشبه بالجمل الذي هوى فكثرت السكاكين و ازداد القصابين و كل منهم يريد الأستحواذ على الحصة الأكبر من تلك ( الذبيحة ) .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here