عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الخامِسَةُ (٢)

نـــــــــزار حيدر
إِنَّ ثُنائيَّة [العدل والظُّلم] هي جوهر الأَسباب والدَّوافع التي أَنتجت عاشوراء.
يقول الإِمام الشَّهيد الحُسين السِّبط (ع) يصفُ العلاقة بين الحاكِم والأُمَّة {بغَيرِ عَدلٍ أفشَوْهُ فيكُم}.
هذا يعني أَنَّ شرعيَّة السُّلطة، أَيَّة سُلطة، تنبع من العدل وليس من أَيِّ شَيْءٍ آخر، ويُخطئ مَن يظنُّ أَنَّ [الدِّين] أَو [المذهب] أَو [القوميَّة] أَو [الإِنتماء الأُسَري أَو العشائري] أَو [الزَّي] هو مصدر الشرعيَّة للسُّلطة كما يذهب إِلى ذلك إِبن خَلدُون في نظريَّتهِ الموسُومة بـ [العُصبة] أَو [العصبيَّة] والتي يبذل فيها قُصارى [جُهدهِ المعرفي] المسرُوق أَصلاً من [رسائل إِخوان الصَّفا] لتبريرِ سُلطة الأَمويِّين التي أَقامها الطَّاغية مُعاوية بن أَبي سُفيان على قاعدة الثُّنائي [الدِّين والإِرهاب].
للأَسف الشَّديد فإِنَّ بعض الذين يدَّعُون إِنتماءهم إِلى عاشوراء يذهبُون ويتبنَّون الْيَوْم ذات النظريَّة فيتصوَّرُون أَنَّ مُجرَّد إِنتماء الحاكم إِلى [التشيُّع] مثلاً أَو إِلى الإِسلام بشَكلٍ عام يكفي لتكونَ سُلطتهُ شرعيَّة حتى إِذا أَفسدَ أَو فشل.
لذلك تتراجع شرعيَّة السُّلطة في بُلدانِنا بشَكلٍ كبيرٍ لأَنَّ المِعيار لقِياسِها ليس العدل وإِنَّما أَشياء أُخرى لا علاقةَ لها بالشَّرعيَّة لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ.
هذا يعني أَنَّ إِنعدام العدل في المُجتمع يُحتِّم الثَّورة والخروج والنُّهوض للإِصلاحِ والتَّغيير بغضِّ النَّظر عن هويَّة وخلفيَّة وانتماءِ الحاكِم، فإِنَّ [الحُكم يدومُ مع الكُفر ولا يدُومُ مع الظُّلم] أَو قولهُم [إِنَّ الله يُقيمُ الدَّولة العادِلة وإِن كانت كافِرة، ولا يُقيمُ الظَّالِمة وإِن كانت مُسلمة] والتي فسَّرها أَحد العُلماء الفُقهاء بقولهِ [إِنَّ كُفر الحاكِم لنفسهِ وعدلهِ للرَّعيَّة وهو المطلُوب، وأَنَّ إِيمان الحاكِم لنفسهِ وظُلمهِ لرعيَّتهِ وهو غير مطلُوب].
لماذا؟!.
لأَنَّ سرَّ الخلق الذي أَبدعهُ الله تعالى هو العدل، والذي يعني في جوهرهِ الالتزام بالحدُود وعدم تجاوزها، وهذا ينطبقُ على كلِّ شَيْءٍ وليس في المُجتمع فحسب كما في قولهِ تعالى {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.
وما يُثيرُ الإِنتباه هُنا قولهُ تعالى {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}.
أَي أَنَّ عاقِبة الظُّلم إِرتداديَّة على المرءِ نفسهِ، إِذا تجاوز على حدُود الآخرين وعلى المُجتمع نَفْسَهُ إِذا تجاوز الحُدود.
وبنظرةٍ سريعةٍ لواقعِ الحال الذي نعيشهُ الْيَوْم في بُلدانِنا فسنلمِس هَذِهِ الحقيقة واضحةً للعَيان لا تحتاج إِلى كثيرِ عناءٍ لاستكشافِها.
فعندما يتجاوز الأَولاد حدودهُم في العائلة، أَو يتجاوز أَحد الزَّوجَين حدُود الآخر، وعندما يتبوَّأُ أَحدٌ موقعاً في الدَّولة هو ليسَ أَهلًا لَهُ ولا يستحقَّهُ بأَيِّ شَكلٍ من الأَشكال مُتجاوزاً على حقِّ الآخر الذي يستحق المَوقع! وعندما يتجاوز التِّلميذ حدودهُ أَو يعتدي الأُستاذ على حقُوق التَّلاميذ فلا يبذل الجُهد العلمي اللَّازم لتعليمهُِم! وعندما يتجاوز الأَثرياء حدود الفُقراء فلا يجدُوا {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}! وهكذا! عندما يَكُونُ كلَّ ذلك عندها تجد المُجتمع والدَّولة في هرجٍ ومرجٍ ينتشرُ فيها الفساد والفشل والعُدوان على الحقوق.
وهذا هو الْيَوْم واقعُ الحال المُؤلم الذي نعيشهُ! أَفلا يحتاجُ إِلى ثَورةٍ للتَّغيير والإِصلاح تستمدُّ مفاهيمَها من عاشوراء؟!.
١١ أَيلول ٢٠١٨
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏Telegram; https://t.me/NHIRAQ
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here