ثورة الإمام الحسين-الشعارات ونظرية التطبيق

يوسف رشيد حسين

تعد ثورة الأمام الحسين عليه السلام وملحمتها التاريخية الكبرى المتمثلة في ساحة الطف، ثورة إنسانية كبرى بكل أبعادها وتفاصيلها ومحاورها حدثت في عصر معين لكن إشعاعاتها وقيمها وامثلتها وتفاصيلها ومحتواها الإنساني الكبير يشع على كل أمم الأرض عبر التاريخ مع استمرارية ظاهرة الظلم والاضطهاد في هذا العالم. ولابد لنا أن نستحضر قيم تلك الثورة الخالدة في هذا الزمن الذي تجبر فيه طواغيت الأرض وازدادوا عتوا كبيرا وتمادوا في غطرستهم وعنجهيتهم وظلمهم لبني البشر. وحين نستحضر قيم تلك الثورة المجيدة وأهدافها لننهل من نبعها الصافي، ودفقها المتجدد نزداد ثقة وعزيمة بقدرة من سلبت حقوقه المشروعة وامتهنت كرامته ووضع نصب عينيه ثورة الأمام الحسين ع لانتزاع ذلك الحق المغتصب والوقوف في وجه الظالمين بشجاعة وقوة وايمان انطلاقا من مبادئ الثورة الحسينية وشعاراتها الخالدة واهمها كمضمون عقائدي “هيهات منا الذلة” الذي يعتبر من ابرز الشعارات الخالدة التي يتناغم معها الجمهور العام وما دام هذا الدفق الثوري والحماس العقائدي يتجدد كالسيل الأزلي ومادام هذا الشعاع المحمدي الخالد يظل يخترق المسافات لينير طريق الحرية والكرامة لكل شعوب الأرض المظلومة.لذا فإن الكتابة عن الحسين ع متجددة أيضا والمنبر الحسيني متجدد ايضا في عطاءه الفكري والتوجيهي والرسالي، كالبحرالذي لاينتهي تدفقه ولا يجف عطاؤه مادامت شعوب الأرض مستمرة في العيش لقد استلهم ذوي الضمائر الحية المتوقدة والقلوب المؤمنة من مسلمين وغير مسلمين من سائر بقاع الارض من هذه الثورة الخالدة فأبدعوا وأجادوا في كتاباتهم حول تلك البطولة الفذة ، والقيم المشرقة ، والنبل المتفرد في توهجه .وبذلك أيقظوا الهمم والعزائم وحركوا العقول وزرعوا العنفوان في الدماء وأتحفوها بشذرات من الأمل والثقة بالنفس للدفاع عن القيم النبيلة والمبادئ الخلاقة التي تشترك فيها كل البشرية المتطلعة ألى عالم تسود فيه العدالة الاجتماعية وقيم الحق والفضيلة والتحرر من الاستعباد والظلم والجبروت وهي المبادئ الجوهرية للثورة الحسينية المباركة.لقد أعلن الأمام الحسين ع للدنيا كلها وخاطبها قائلا: ( هيهات منا الذلة )

شعار عميق نستحضره يرهب عروش الظالمين الذين اداروا ظهورهم لخدمة مجتمعاتهم الاسلامية ولزموا طاعة الكفر والشيطان وتولوا عن طاعة الرحمن وخدمة الانسان، وأظهروا الفساد في البر والبحر وهجروا القران والعمل بالبر والاحسان ، فخدعوا الناس وتباكوا على الامام الحسين بدموع التماسيح والشيطان فاخزاهم الله ولعنهم التاريخ على مر الازمان.

بعد ان انكشفت الوقائع وافتضحت وعودهم واقاويلهم الكاذبة وشعاراتهم المضللة مع حالة تناقضات نتائج سلوكياتهم وأفعالهم القبيحة التي تنافي حقائق ونتائج ووقائع وتفاصيل ومفردات كل القيم التي جاهد من اجلها الامام الحسين ع

ان ثورة الامام الحسين ع هي امتداد للرسالة المحمدية السمحاء التي ما جاءت ألا لازالة نظام الرق والعبودية، وتهد صروح الظلم والظالمين الذين نصبوا من أنفسهم آلهة تعبد من دون الله وسخروا كل شيء لأغراضهم الدنيئة المحرمة التي تتعارض مع أبسط المفاهيم والقيم الأخلاقية وأمروا شعوبهم أن تنقاد كالقطيع لمشيئتهم كما يحدث اليوم في الكثير من الدول التي يزخر بها عالمنا المعاصر.وثورة الأمام الحسين ع ماجاءت ألا لتجدد الدم في عروق الشعوب المضطهدة لتحفزها وتمنحها القدرة الإيمانية الخلاقة والنابضة والقادرة على اكتساح تلك العروش الخاوية التي قامت على جماجم الشعوب عبر الزمن. لانتزاع حقها المغتصب.فما أحوج المسلمين اليوم إلى مبادئ الحسين ع لترجمة فصول تلك الثورة الزاخرة بالقيم الإنسانية الكبرى وتحويلها إلى عمل ملموس وواقعي يغيرمن هذا الواقع المزري والبائس الذي نعيشه كمسلمين بالدرجة الأولى بعد أن أعيانا التخلف والجهل والتقوقع وراء الشعارات الخاوية والنعرات الطائفية المقيتة التي لم تقدم للأمة الإسلامية ألا الخواء والفقر والذل والعناء ومزيدا من الفرقة والتباعد.لقد استباحنا الجهل والاستعباد ،وهد قوانا الفساد والإفساد ،ودمرت أوطاننا الشعارات البراقة الكاذبة، وتفشت طفيليات الخطب والتصريحات الرنانة وأدعياء الشعارات السياسية والعقائدية الفارغة من محتواها الحقيقي، حلت علينا اللعنة وابتلينا بديناصورات وحيتان الفساد والمال الحرام ، فسرقت ثرواتنا واستباحت مواردنا ودمرت مدننا، وضيعت آمالنا ورمتنا في متاهات الغربة دون أن تفكر بمصيرنا ولو للحظة واحدة فصدقنا شعاراتها ومنحناها ثقتنا بعد أن رفعت شعارات الثورة الحسينية الطاهرة، واختبئت وراءها فتبين أن أصحاب الشعارات هم قوم كاذبون فاشلون في كل شيء. وقد حولوا قيم هذه الثورة العظيمة الخالدة ألى مظاهر لا تداوي جرحا و شعارات صماء لاحياة فيها سوى لغة الحزن واللطم على الصدور. بدلا من أن تكون دافعا ومحفزا لتغيير الواقع المر الذي يعيشه وطننا العراق الذي تعرض لأشرس أنواع الظلم على مدى قرون عديدة. دون أن يتغير من واقعنا المرير شيئا. ودون أن يلمس المواطن المسحوق أي تغيير في هذا المرير غير الصراعات الخاوية في الفضائيات والخطابات السياسية التي تحاول تسويق قضية الامام الحسين لحساب مصالحهم الحزبية والشخصية في تجييش الرأي العام طائفيا وكسب تعاطفهم كما انجر البعض من شخصيات المنابر الدينية المنتفعين والمأجورين لحسابات منافعهم الشخصية او ميولهم السياسية على حساب مسؤوليتهم وواجبهم الشرعي والاخلاقي والتي أصبحت منبرا لتلك الشعارات الفارغة من المضمون الحقيقي والجوهري في توجيه الرأي العام نحو الفضيلة والحقيقة والمصداقية .وهنا صار لزاما على المؤمنين والمتصدرين مواقع المسؤولية الدينية في المحافظة على النهج الصحيح والقويم لثورة الامام الحسين وتقويم سلوكيات وافكار الناس في تطبيق مبادئ وشعارات الثورة العظيمة على ارض الواقع تطبيقا ينسجم مع فكر وثقافة الثورة وإرساء دعائم الدين ومقارعة الظلم والظالمين على كل المستويات وتجسيد قيم ومفردات الثورة بكل اصالتها وتاريخها وتراثها الاسلامي والانساني في احياء ثورة الانسان الحقيقية وكسر كل قيود العبودية نحو تحرر الإنسان عقليا وسلوكيا من كافة أشكال الاستعباد الفكري الجهوي والخروج من الدوائر المغلقة الى فضاءات واسعة لتحقيق اسمى الاهداف النبيلة والانسانية في منطلقات الثورة الحسينية والانطلاق لبناء الانسان والاوطان فكرا وسلوكا ووفق العقيدة الاسلامية الوحدوية والشمولية الناضجة .

الامة الاسلامية بحاجة اليوم الى قيادة شجاعة ترتكز على مفهوم ثقافة الوحدوية وتكريسها من اجل خدمة قضية الامة جمعاء قيادة جامعة موحدة ومقربة لكل المذاهب تلتف حولها الجماهير للقيام بواجباتها الشرعية والاخلاقية بالوقوف امام جبابرة الحكومات العربية المتسلطة رقاب شعوبها بالظلم وقلب كل الانظمة العميلة والفاسدة ومن ثم الوقوف والتصدي امام طواغيت العالم المتمثلة بالثالوث العالمي المشؤوم .ولدينا مثال وتجربة حية في العراق تم اغتيالها للأسف وتدمير طموحات الشعب في استمرار تلك التجربة القيادية الوحدوية التي تمثلت في شخصية السيد الشهيد محمد الصدر الذي احدث نقلة كبيرة ونوعية في الخطاب الديني الوحدوي التقريبي والتفاف وتعاطف الجماهير العراقية بشتى مذاهبها حوله بل حول ثورة الامام الحسين الى واقع ملموس ودروس بليغة وشجاعة في استنهاض ههم الجماهير وتوعيتهم وتثفيفهم حول مضامين الثورة الفكرية وشعاراتها في ميدان التطبيق العملي والتي تمثلت ثورته الفكرية والثقافية والحماسية في احداث عملية انقلاب فكري وثقافي وثوري في العراق ومقارعة اعتى جبابرة حكام العرب وجها لوجه كما ان عملية اغتياله السريعة حالت دون تحقيق الأهداف السامية والكبيرة في تحقيق حلم النهضة الحسينية الشمولية الحقيقية وآفاق ابعادها الوحدوية والشمولية على واقع الامة الإسلامية . لكن أثمرت في إنتاج جيل ثوري يؤمن بالثورة واهدافها ومضامينها الحقيقية في استغلال قضية الامام الحسين استغلالا فكريا وثقافيا وعاطفيا ليس برفع شعارات واقامة الشعائر الحسينية وحسب بل بتجسيد روح الثورة ومنطلقاتها من اجل اقامة العدل و الحرية ومقارعة الظالمين والفاسدين وتقديم الجهد والتضحيات واراقة الدماء من اجل القضية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here