طريق الشباب (حلقة ثقافية) ـ كيف نتغلب على المصاعب

* د. رضا العطار

ان اعظم مثال للهمة، تستهين بالعقبات وتتخطاها هو بلا شك مثال هنري فوست. فقد صار هذا الرجل وزيرا مع انه كان فاقدا للبصر.

وُلد هنري فوست عام 1853 ، فلما شبً التحق بجامعة كمبردج، وكان جميل الوجه، مديد القامة ذكي الفؤاد. وكان مغرما بالخيل، فركب جواده في احد الايام وخرج في جماعة. ولكن جواده عثر به فسقط هنري واضطدم راسه بالارض صدمة عنيفة فنهض منها وهو اعمى لم يبرأ طول حياته من العاهة التي اصيب بها.

ولو ان غيره نزلت به هذه النازلة لأستلم لحكم القدر وانزوى عن الحياة العمومية وعاش وادعا في بيته.

ولكن فوست لم يكن ليقر بالهزيمة في الحياة ولن ينهزم ما دام لا يقر بالهزيمة. هكذا عمد فوست الى دراسة (الاقتصاديات) حتى برع فيها وعينته جامعة كمبردج استاذا فيها لهذا العلم.

وفي احد الايام من سنة 1864 كان هنري فوست في مدينة بريتون يتنزه، فسمع خطبة يلقيها مرشح للبرلمان عن حزب الاحرار. فلما انتهى الخطيب عن القاء خطبته، وقف فوست والقى خطبة على سبيل التعليق، فاستهوى الجمهور حتى اتفق راي الاحرار على تعينه هو مرشح للبرلمان بدلا عن الخطيب.

ولما صار عضوا في البرلمان صار اكبر الاعضاء همة في ترويج الاصلاح والدعوة الى تحسين الاحوال المعيشية. وعرف له الاحرار اخلاصه، وذكاءه وهمته فعينه وزيرا للبريد في بريطانيا العظمى.

فاعلم ايها القارئ انه يجب ان يكون لك قلب جرئ وهمة شماء ودأب في العمل واقامة على بلوغ الغاية. فانت نفس وجسم معا ولكن نفسك اكبر من جسمك، كما ان بصيرتك خير من بصرك. وما دامت نفسك سليمة لم يدخلها الجزع او الهزيمة فإن الصعوبات والعقبات المختلفة مهما تعاظمت ليس كلها شيئا امام الهمة الحافزة التي تستثيرها النفس العالية

اذا كان هنري فوست يرقى الى درجة الوزارة وينال هذا المركز العالي مع آفة العمى المبتلى بها، فماذا انت فاعل بنفسك وانت موفور الصحة كامل البصر ؟

فاجعل من نقائصك حافزا لك يعزيك بالاستكمال في النواحي الاخرى من النشاط ويبعثك على ان تزداد علما وجاها وثروة وخدمة لبلادك. ففي هنري فوست والدكتور طه حسين خير مثالين.

* مقتبس بتصرف من كتاب (في الحياة والادب) للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here