مخرج لازمة تشكيل الحكومة العراقية القادمة

يواجه العراق في الوقت الحالي ثلاثة مخاطر أساسية مترابطة ومتشابكة تتحدى وحدة الدولة وقدرتها على العمل.

أولاً. الحاجة الماسة إلى توازن في السياسة الخارجية: لدينا تسونامي جيوسياسي خطير بين الجمهورية الاسلامية الإيرانية وداعميها (داخل العراق وخارجه) من جهة والولايات المتحدة الامريكية وداعميها (عراقياً وإقليمياً ودولياً) من جهة اخرى. هذه المواجهة ستستهلك وستستنزف بالتأكيد الكثير من الطاقة من الجسد العراقي (الدولة والشعب) المرهق أصلاً.

ثانيا. الحاجة إلى إصلاح الدولة وتقديم الخدمات: من الواضح ان هناك عدم قدرة للحكومة على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها. هذا المستوى الخطير من الاختلال الوظيفي للدولة، مع بنيتها الهيكلية السيئة، سيؤدي إلى استياء مدني خطير، حيث ستكون هناك أعمال شغب وتمرد وعصيان قد تتفاقم الى اعمال عنف مسلحة لا سامح الله.

ثالثاً. مازق تخنّدق احزاب السلطة المسلحة ومخاطر العنف خصوصاً بين القوى الشيعية: من الواضح عدم قدرة الطبقة السياسية على التعايش وتشكيل الحكومة دون استبعاد الآخر. ومن داخل الكتل الشيعية، إذا تم استبعاد أي من الكتل الكبيرة من المشاركة في الحكومة المقبلة، فقد نواجه تداعيات خطيرة في غضون أشهر قليلة، خصوصاً إذا شعرت هذه الأطراف، بامتداداتها المسلحة، بأن الدولة (عبر الأطراف الاخرى المشاركة في الحكومة) سوف تقوّض وتحد من سيطرتها وقدرتها على التأثير. ولتحقيق مستوى معين من الانسجام السياسي داخل الكتل الشيعية وحلفائها وفك اختناقاتها، تحتاج هذه الكتل إلى قيادة هذه العملية والتخلي عن بعض من سيطرتها التقليدية.

إن جمعنا هذه التحديات الثلاث في وعاء واحد فستعطينا مزيجًا خطيرًا للغاية وستواجه فيه وحدة البلاد تحديات كبيرة ولكن قبل ذلك ستشهد صراعًا وحدوث نزاع مسلح ودماء تراق لا سامح الله.

في الوقت الحالي، تمر عملية تشكيل الحكومة بمرحلة خطيرة جداً وخصوصاً ونحن نرى عدم استعداد الكتل الكبيرة لأن تكون مرنة في تعاطيها وذلك تزامن مع فراغات دستورية وجداول تشكيل حكومة غير واضحة المعالم. يمكن فتح هذه العقدة فقط من خلال الاتفاق على رئيس مجلس وزراء قادم ذو مقبولية من الأغلبية السياسية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال اقتراح مشروع اتفاق السلطة او عقد سياسي على أساس تنازلات للإصلاح من الكتل الشيعية او بعضها وثمنه الأساسي هو الاتفاق على رئيس مجلس وزراء قادم من خارج نظام المحاصصة ومنهج النقاط المتبع سابقاً.

اذ يمكن فتح هذه العقدة فقط من خلال فصل موقع رئيس مجلس الوزراء من الصراع السياسي الشرس على هذا الموقع المهم. اي فرز مسار إصلاح الدولة عن مسار المحاصصة والاستحقاقات الانتخابية. ودعونا أيضاً لا ننسى أن الأزمة بين المحاور الرئيسة حول منصب رئيس مجلس الوزراء ونظام الحصص يمكن تحويلها إلى اتفاق قوة جديد لتنفيذ برنامج حكومي فعّال.

هذا الشخص يحتاج إلى أن يكون ذو دراية سياسية وكفاءة إدارية متميزة وذو علاقات دولية مقبولة وعلى استعداد لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الأحزاب الفائزة في الحكومة بناءً على ثقلها داخل مجلس النواب. وسيتم عرض المنصب عليه من خلال عدم ادراجه في نظام النقاط الحالي، وبالتالي لن يزيح ثقل الأحزاب السياسية ولا يكون رهينة لضغطهم. من المؤكد أنه يجب أن يكون معروفًا للأطراف وليس جديدًا في التضاريس السياسية.

سيحتاج رئيس مجلس الوزراء القادم إلى تحديد عقد سياسي جديد وبرنامج حكومة واضح مع كابيتنه ومجلس نوابه يكون فيه التركيز على برامج تهتم بفرض سلطة القانون، وإصلاح الدولة وتقديم الخدمات ومكافحة الفساد. هذه الكابينة تتكون من مرشحي الكتل والمستقلون ولكن من الضروري وجود شرط الكفاءة فيهم وان يسمح لرئيس مجلس الوزراء ان يختارهم ضمن سلة ترشيحات الكتل وخارجها.

هناك عدد قليل من الأسماء التي تناسب هذا الطرح وهذا الحل، وهناك من يرى بقوة ان حظوظ النجاح لهذا المقترح يزداد اذا اشترطنا ان لا يكون حزبياً وان يكون مستقلاً سياسياً من خلال القفز بالمظلة لرئيس مجلس وزراء جديد مقبول من الأغلبية. ولكن من الضروري اولا التفكير والاتفاق على هذا المنهج والمخرج. بالتأكيد سيقاوم ويعارض الكثير هذا التوجه في البداية، وبالطبع لن يكون من السهل طرحه وإقناع الاطراف المعنية، لكنها فرصة ومن الممكن تحقيقها جداً اذا ركزنا جهودنا باتجاهها، وسأكتب لاحقآً حول اليات الاختيار، وهي ليست بالأمر العسير بعد معرفة صدى هذا المخرج.

وأخيرا أقول من الضروري لكل من له صوت ان يعكس أفكاراً من داخل او خارج الصندوق وخصوصاً في كيفية مساعدة بلدنا في هذه الساعة الحرجة.

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}

صدق الله العظيم

لقمان عبد الرحيم الفيلي

١٣ أيلول ٢٠١٨

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here