( الأدب الحسيني يستغيث .. فأغيثوه )

لقد تحدثت كثيرا عن أصل ولادة الأدب الحسيني العظيم وعما إتسم به من مميزات وخصائص وعناصر ومقومات . وعن وظيفته وفاعلية هذه الوظيفة وما تنتج أو تفرز .

وكذلك تحدثت عما ينبغي أن يتجمل أو ما يتحلى به من ديباجات تميزه عن كل الأدبيات الأخرى .

ولعل ما حصدت من جراء هذا الحديث قد أثقل كاهلي وكلفني الكثير من الأعباء والعناء فقد حصدت النتائج والحمد لله على كل حال .

وربما يحق لي أن أزعم بأن هذه النتائج اثبتت أو برهنت على أحقية تأثير ما تحدثت به .

إذ أن المتضررين من الرصد وتشخيص بعض الهفوات والدعوة إلى التقويم لا يروق لهم ذلك ولأنهم عاجزون عن الرد العقلاني الموضوعي أو حتى عاجزون عن التقويم والتصحيح فليس لهم إلا اللجوء إلى وسيلة نشر الشائعات بوسائل وأساليب متعددة ومتنوعة وأقلُها إطلاق جمل وعبارات أو مصطلحات تتقلب مع تغير الظرف والشرائح المجتمعية .

مثل : ( ما عنده غير النقد ) ( نقد لاذع ) ( ما يرضى على كل شي ) وقسم منهم من أجل أن يأكل بعقول البسطاء حلاوة كما يقال فيستبدل مصطلح النقد بـ ( الغيبة ) ـ والغيبة حرام طبعا ـ فتتقبلها العقول المحشوة بالتسطيح وتأخذ أثرها وتتيح له الإستمرار في الضحك على الذقون والإستخفاف بالعقل الجمعي وخداع بعض السذج وتمرير مآرب ومقاصد ونوايا شخصية معينة .

وبالحقيقة المسالة ليست نقدا لاذعا ولا غيبة إنما هي مقترح أو قل دعوة خالصة مخلصة نابعة من الحرص التام للتصحيح لإضفاء الجمالية على صورة الأدب الحسيني واحترام العقول وتغذيتها تغذية صحية ناضجة .

الكثير من الأشخاص يتصور أن الخوض في غمار الشعر الحسيني ليس إلا حيازة ورقة وقلم وتسطير كلمات متشابهة أواخرها فحسب . لا يدرك بأن الحقيقة غير ما يتصور أو يصوره بعض السذج المؤيدين له .

الشعر الحسيني بأمس الحاجة إلى قراءة واعية وعميقة لشخصية الإمام الحسين صلوات الله عليه ثم قراءة معمقة وبتمعن لمسببات وأهداف وبواطن مضامين ومفاهيم النهضة الحسينية العظيمة ونتائجها والغوصِ في عباب تلك المكونات والتوفر على فكر متبلور واعٍ وامتلاك ثقافة واسعة ثم التفكير في حقيقة أو أمر معين والتساؤل : هل يحق لنا أن نلتحق بركب الأدب الحسيني ونكتب ما يمكن أن يسمى شعرا ؟

إن ما يفعل بعض الأشخاص الذين يتهمهم بعض الناس بأنهم متطفلون هؤلاء يعمدون إلى الإستخفاف بالعقل الجمعي الرصين والسعي لتجهيله وتشويه الفكر الحسيني الجهادي النهضوي الثقافي التربوي الإجتماعي .

وهنا أود أن أُذَّكر بأمرين فقط :

الأمر الأول : مثلما يزعم ويقر ويصر ويكرر الجميع بأن الإمام الحسين صلوات الله عليه ليس ملكا أو حكراً لأحد لفئة أو طائفة أو طبقة أو جنس أو مجتمع معين .فإن الموكب الذي يُعَرِف الناس على مبادئ وقيم ومفاهيم الإمام الحسين صلوات الله عليه فهو أي موكب العزاء أيضا ليس ملكا للشخصية الفلانية أو للشيخ الفلاني أو للوجيه الفلاني أو لمن يتصدر الموكب إنما هو ملك لجميع المشاركين والمؤيدين والمستمعين والمشاهدين له من الموالين للإمام الحسين صلوات الله عليه .

لذا فليس من حق أحد أن يحتكر ذلك لنفسه أو لمن يحب ويحابي ويجامل .

وكذلك من حق الجميع أن يعترض على أي ظاهرة سلبية ويطالب بتصحيح ما يمكن تصحيحه .

والموكب ليس حقلَ تجارب أو ميدان تمرين ليجرب البعض حظه فيه أو ساحةً لإبراز المواهب والمهارات الفتية . بل هو أوان مخاض مقدس عظيم يسفر عن بلورة فكر ناضج ووعي نافع .
ثانيا : إن بعضا منا يزعم بأنه اجتاز أعمق بحور الأدب الحسيني واكتسى بردة الشعر الحريرية المشعِ بريقِ ألوانِها ويجب أن يدرج اسمه في قاموس الشعراء الحسينيين وهو بالحقيقة يعجز عن تأمين مفردات مناسبة لصياغة قصيدة أو مقطع شعري أو إنشودة من سطرين لموكب عزاء أو حتى بيت شعري . فله أن يمضي وقتا طويلا في القراءة والإصغاء إلى الشعراء ويجتهد في قراءة ما كتب الحسينيون من شعر تحتفظ به ذاكرات الناس . فإن لم يكن كذلك فعليه أن يفسح المجال لمن هو أهلٌ لذلك وأن يترك الساحة الأدبية التي لا تقبل إلا ما هو راقٍ .

لقد توهم بعض الذين جعلوا أنفسهم شعراء وهم ليسوا كذلك بل تصوروا أو صور لهم مؤيدوهم والمروجون لشعرهم تصوروا بأن نظم الشعر يشبه امتهان أي مهنة أخرى .

ينبغي أن يدركوا انه يتعين عليهم أن يركنوا أدواتهم ويحتفظوا بها في خزانة التمرين والترويض والتدريب لعلها تقترب يوما لمرحلة من مراحل النضوج فتصبح مؤهلة لأن تقف على ضفاف شواطئ الأدب الحسيني الزلالية الرائقة .

فلهم أن يتركوا تسطير الكلمات ويبحثوا عن مهنة ( توكلهم خبز ) ويتركوا الخَبَز ) بفتح الخاء والباء للخبازين الماهرين وعفا الله عما سلف

حسن كاظم الفتال

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here