نَرمِين ……

للكاتب: حيدر حسين سويري

أتمنى أن أحضى برجلٍ كأبي
أهااا ؟ عيبٌ يابنتي أن تتكلمي عن الزواج في عُمركِ هذه !
وما العيبُ في ذلك ؟ أنا في السابعةَ عشر من عمري ؟ لقد بلغتُ والزواج من حقي !
لا ليس مِنْ حقكِ ، لأنكِ مازلتِ صغيرة … أكملي دراستك أولاً ثُمَّ أفهمي معنى ما تتكلمين عنه وخططي له !
الأمرُ لا يحتاج كُل هذا التعقيد ، أنا أُريدُ رَجلاً كأبي … أم أنكِ تغارين ؟
ويحكِ … ماذا تقولين ؟ إنكِ وقحةٌ يا فتاة !
ههههههههه إذن فأنتِ تغارين عليه ؟
أوووه .. إنكِ لا تفهمين .. أيّ جيل هذا … ؟
لماذا ؟ ألأننا نتكلمُ بصراحة ولا نخفي ، فَنُظهرُ خلاف ما نبطن ! أهكذا تودون ؟
نعم ، فالكثير من الأشياء يجب إخفائها ، نحنُ نعيشُ ضمنَ مجتمعٍ لهُ عاداتهُ وتقاليدهُ وفيهِ ما يجوز وما لا يجوز ، وعلينا الألتزام بذلك ، وإلا حاربنا المجتمع وحكم بطردنا أو قتلنا
ومَنْ حدد أو يحدد هذه الأعراف ؟
موروثات إجتماعية ودينية سائدة في المجتمع ولا يمكن تجاوزها
أولو كانت خطأً ؟
ومَنْ لهُ الحكمُ بالخطأ وتمييزهِ عن الصواب ؟
نعم … مَنْ ؟
شخصان : شيخ الدين وشيخ القبيلة
ومَنْ مكنهم من ذلك ؟
الناس نفسهم
إذن فنحنٌ أحرارٌ مخيرون ؟
إنما نحنٌ أحرارٌ مسيرون
وكيف ذاك ؟
أحرارٌ في أختيارنا … مسيرون في خياراتنا ، الخيارات التي حددها المجتمع ، أي أننا لا نستطيع أن نأتي بخيارات جديدة ، لكننا نختار ضمن إختيارات حددها المجتمع ، وكل مَنْ حاول أن يأتي بخيارات جديدة ، أو يخالف الخيارات القديمة ، تعرض للتعذيب والقتل ، والقليل منهم نجح في إضافة أو تعديل بعض خيارات المجتمع …
امممم … جيد
ماذا يدور في ذهنك ؟ وماذا تريدين ؟ … قومي لنحضر الغداء فإن أبيك على وصول
هكذا دار الحوار بين نرمين وأُمها ، حيثُ كانتا تجلسانِ في حديقة المنزل صباحاً مِن يومِ الجمعةِ … نرمين فتاة في مرحلتها الأخيرة من الدراسة الثانوية ، وحيدةُ أهلها ، ذات حُسنٍ وجمالٍ فائقين ، كانت فرحةً بحالها ، فهي مُدللةُ والديها ، ليست لديها مشاكلٌ ولا عوائق عائلية ، كما يَحدثُ مع زميلاتها من قلِةِ المال ، أو محاسبةِ الأخِ في الحرامِ والحلال … والدها لا يؤمن بالدين ولا بالعُرف ، لكنهُ لا يُظهرُ ذلك ، خوفاً من بطش الدينِ والمجتمع ، وكذلك والدتها ، إلتقيا في الدراسةِ الجامعية ، وعاشا قصةَ حبٍ جميلة ، كانا متطابقين في الرؤى والأفكار ، فأسفرت علاقتهما عن الزواج ، وأكتفيا بنرمين بنتاً لهما ، ليعيشا حياتهما دون تعب العيال ، فأختصروا إنجابهم على مولودٍ واحد ، شاء القدر أن يجعلهُ أُنثى …
حضر الأبُ من نزهتهِ المعتادة كل يوم جمعة في شارع المتنبي ومرافقهُ المُتعددة ، يحمل بعض أكياس النايلون يخفي فيها ما تسوقهُ من كتبٍ وبعض الشوكولا والحلويات ، فلقد عوّدَ نرمين على ذلك … تستقبلهُ أبنتهُ راكضةً لتقفزَ عليهِ ، فتلفُ رجليها حول بطنهِ ، ويديها حولَ عُنقهِ ، فيضحك ويقول :
انزلي نرمين سوف تسقطين الاكياس من يدي ، إنكِ تغطين وجهيي أنا لا أرى أمامي
لا لن أنزل أبدا
تأتي الأم لتأخذ الأكياس :
أهلا حبيبي ، ناولني الأكياس
فتبعد نرمين صدرها عن وجهِ أبيها ، ويناول الأبُ الأكياس إلى زوجتهِ ، يمسكُ نرمين من خصرها ، فتنحنى بظهرها إلى الخلف ، فيغضبُ الأبُ ويقول :
نرمين كفى ، لقد كَبِرتِ ، يجب أن تفهمي هذا ! هيا إنزلي
أوووه … كَبِرتِ ، كَبِرتِ كلاكما يقول لي ذلك ، نعم كَبرتُ فما الضير في ذلك ؟
الضير أنكِ مازلتِ تتصرفين وكأنكِ طفلة
لا … إني أتصرف كإمرأة
نزلت نرمي إلى الأرض وأدارت جسمها ، لتبتعد عن أبيها وكأنها تريه مفاتنها ، حيثُ أخذت بإبراز وركها ، وبيان إنحناء ظهرها ، ثُم إستدارت وقد إنتفخ صدرها ، وقالت :
ما رأيك ؟ ألستُ بفاتنة ؟
بلا
مشى الأب ودخل إلى المطبخ ، تاركاً نرمين وراءه ، فسأل أُمها :
أظن أن نرمين تعيش أيام مراهقتها ، لكن بقوة وبلا حياء !
نعم هي كذلك
وما العمل
لقد نهرتها وأخبرتها أنهُ يجب عليها إتمام دراستها أولاً وعليك أن تفعل معها كذلك
نعم نعم سأفعل
ذهب أبو نرمين إلى الحمام ، وبدأت نرمين وأُمها بتحضير الطعام ووضعهِ على المائدة ، وهما ساكتتان ، كُلٍ منهما عندها ما تفكرُ به …
أبو نرمين مازال شاباً في الاربعين من عُمرهِ ، وسيماً ، يلبس ملابس الشباب ويعيش حياتهم ، يمارس كرة القدم ، ويجلس في المقهى …
ذهبت أُم نرمين لتخبر زوجها أن يستعجل الخروج فالغداء جاهز وما أن طرقت باب الحمام وجدتهُ مفتوحا فمدت رأسها لتخبرهُ ، لكنهُ سحبها معهُ تحت (الدوش) ، وكان جزءً من الباب مفتوحاً ، فرأت نرمين ذلك فغضبت ، وذهبت لتجلس على المائدة وتأكل بنهمٍ شديد ، قبل أن يحضر والديها …
أفلتت الأم نفسها وذهبت لتغير ملابسها في الغرفة ، فلحق بها الأبُ وهما يضحكان ، اراد أن يضاجعها لكنها نبهتهُ إلى أن نرمين منتبهةٌ ، فعليهما الإسراع للجلوس معها …
حضرا عند المائدة وجلسا بهدوء ، انتبها أن نرمين بدأت بالأكل ، لكنهما تغافلا ذلك ، أراد أن يفتح موضوعاً ويتكلم ، لكن نرمين بادرته الكلام وقالت :
أنت وسيمٌ جداً يا أبي وكذلك رومانسي ، وبالرغمِ من ذلك أرى أُمي باردة ولا تتوافق معك !
ذُهل الأبوان من كلامِ إبنتهما ، فقرر الأبُ ترك المائدة مخبراً زوجتهُ أن سوف يتأخر ليلاً ، وأنهُ لن يستطيع الحضور إلى العشاء ، فقامت الأم مع زوجها ليُغير ملابسهُ … في الغرفة قال الأب :
بماذا تفسرين كلام نرمين ؟
بالرغم من غضب الأم من كلام إبنتها إلا أنها قالت :
لا عليك حبيبي إنها مراهقة ، إذهب وتمتع في قضاء وقتك وسوف أُنبهها
جيد … أتمنى أن تَكُفَ عن تصرفاتها هذه
خرج الأبُ ، متحيراً من فعلِ نرمين وتصرفاتها ، ذهب لصالة الالعاب الرياضية ، ثم خرج مع أصدقاءه لتناول العشاء ، عاد الى المنزل فتح الباب فأٍستقبلتهُ نرمين مرحبةً بهِ ، لكنهُ قابلها بإبتسامةٍ خفيفةٍ ودخل غرفتهُ ليجد زوجتهُ نائمة ، غيّر ملابسهُ وأستلقى على السرير بجانب زوجته وأحتضنها ونام … بعد برهةٍ شعرَ بالعطش ، فخرج لشرب الماء … فتح باب الغرفة المطل على الصلة فأنتبه إلى أن نرمين مازالت جالسة تنظر الى التلفاز، ذهب الى المطبخ ، شرب الماء ، وجلب معهُ قنينة ماء ، لكنهُ انتبه لشاشة التلفاز، ففيها مشهداً رومانسياً جريئاً ونرمين تتابع المشهد ، فتوجه مباشرةً إلى الشاشة وأطفأها…
لماذا أطفأتها ؟
لا يجب أن تري ذلك
لماذا ؟
ما زلت صغيرة
لا لست كذلك !
إن هذه المشاهد سوف تثيرك يابنتي وأنتِ لم تتزوجي بعد !؟
أفلا أتعلم قبل الزواج
الموضوع لا يحتاج إلى تعليم ، وإلا لما تزوج الأعمى !
نعم ، مثال جيد … لكن الثقافة الجنسية مطلوبة حتى لا يبحث الزوجان عن بديل
ماذا تقصدين ؟
أليست لديك عشيقة ؟ أرجو أن لا تُنكر ، فقد سمعتك تتحدث معها ، كما أني فتشتُ هاتفك النقال وقرأتُ محادثاتكما ، ورأيتُ صورتها ، أنا أعذرك أن لديك عشيقة ، فأمي ليست رومانسية معك أبداً ، ولا تبدالك عنفوانك ورمانسيتك ، لكن ما أبغضني حقاً هو إختيارك لهذه المرأة ، فهي ليست جميلة ، أو بصورةٍ أدق ، أنا أجمل منها بكثير ، كما وإني أُحبكَ كثيراً ، ولولا أن التي تنام جنبكَ أُمي لقتلتها …
كانت جالسةً على كرسيها المتحرك تتكلم بهدوء ، وعيناها تلمعان كعينا قطةٍ إسحوذت عليها الشهوة ، بينما تسمر هو في مكانهِ ، مندهشاً من كلامِ إبنته ، مستغرباً حالتها ، فقامت ودنت منهُ لم تكن ترتدي سوى بجامة الفيزون ، وفانيلا قصيرة ظهر منها بطنها ، وأرادت معانقتهُ فدفعها…
إبتعدي عني … إنكِ شيطان !
هههههههه ما معنى هذا ؟
إن ما تفكرين فيهِ غيرُ جائز
لم أعهدك تعترف بدين أو عُرف فلماذا رفضك ؟
تقترب منهُ مرة أُخرى ، فتعانقهُ قيتصبب عرقاً ، ويهم بدفعها ويصرخ :
إبتعدي
يستفيق من نومهِ ، تحضنهُ زوجتهُ وهي تسألهُ:
ما بكَ حبيبي مابك ؟ لا عليك إنهُ كابوس …
فَيُفتحُ الباب ، يلتفت ليرى نرمين وعيناها اللامعتين تصوب النظر إليهِ …..
……………………………………………………………………………..
حيدر حسين سويري
كاتب وأديب وإعلامي
عضو المركز العراقي لحرية الإعلام
البريد الألكتروني:[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here