قوى الأمن العراقية تهدد وتعتقل محامين قدَّموا خدمات مدنية لمشتبه بانتمائهم لتنظيم «الدولة»

بغداد ـ «القدس العربي»: قالت «هيومن رايتس ووتش» في تقرير لها إن عناصر الأمن العراقيين، يهددون محامين، ويعتقلونهم في بعض الأحيان، لتقديمهم المساعدة للمشتبه في انتمائهم إلى «الدولة الإسلامية» والأسر التي تُعتبر على علاقة بأفراد التنظيم، ما يحرمهم فعليا من الخدمات القانونية.
المحامون، قالوا، وفقاً لتقرير المنظمة الذي نُشر أمس الخميس، إنهم وخوفاً على حياتهم، «توقفوا عن تمثيل المشتبه في انتمائهم إلى تنظيم الدولة أو الأشخاص الذين يُشكّ بارتباطهم بهؤلاء المشتبه بهم. نتيجة لذلك، يعتمد المتهمون على محاميّ الدفاع الذين تعينهم الدولة، ونادرا ما يقدمون دفاعا كافيا، وعادة ما تُمنع إمكانية الوصول إلى الخدمات القانونية عن العائلات المرتبطة بمشتبهين من تنظيم الدولة».
وقالت لما فقيه، نائبة المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في «هيومن رايتس ووتش»: «تهاجم الحكومة العراقية المحامين لقيامهم بعملهم، وتمنع فعليا مَن هم بحاجة إلى خدمات قانونية من الحصول عليها. إضافة إلى كون هذه الهجمات غير قانونية، فهي تترك تأثيرا مدمرا على حكم القانون، إذ تبعث رسالة مفادها أن لبعض العراقيين فقط الحق في التمثيل القانوني».
في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2018، قابلت المنظمة الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، 17 محاميا يعملون في الموصل ونواحيها مع منظمات دولية ومحلية تقدم خدمات قانونية للمتضررين من النزاع المسلح الأخير في العراق.
وبين جميع المحامين، وفقاً للتقرير، إنهم شهدوا «تهديدات ومضايقات لفظية تعرضوا لها من عناصر جهاز الأمن الوطني أو وزارة الداخلية ومكافحة الإرهاب لتقديمهم التمثيل القانوني لمَن تعتبرهم قوات الأمن دواعش أو عائلات داعش».
ونقل التقرير عن أحد المحامين تأكيده أن: «عنصرا من استخبارات وزارة الداخلية اعتقله بسبب أنشطته القانونية لمدة ساعتين»، بينما قال آخر إن «المخابرات احتجزت مساعدَين قانونيَين لمدة شهرين، وأُطلقت سراحهما بدون تهمة».
قال المحامون جميعا، حسب المنظمة، إن «قوات الأمن تعتبر أشخاصا معينين تابعين لداعش تلقائيا، استنادا إلى المناطق التي يأتون منها أو إلى قبائلهم أو أسماء عائلاتهم، أو إذا ظهرت أسماؤهم أو أسماء أقاربهم في مجموعة من قواعد البيانات الخاصة بالمطلوبين للانتماء إلى تنظيم الدولة».
ونقل التقرير عن رئيسة إحدى المنظمات التي تقدم خدمات قانونية في 13 يوليو/تموز، قولها إنها «حاولت إطلاق مشروع لتوفير التمثيل القانوني للنساء والأطفال المحتجزين بتهم الإرهاب في بداية 2018. وظّفت محامية، لكنها استقالت في غضون شهرين، قائلة إن العمل خطير للغاية. استقالت محامية ثانية أيضا، ثم استقال محام آخر لأسباب أمنية»، مبينة أن «البرنامج انتهى».
كما تلقت المنظمة على مدار العام الماضي معلومات من قُضاة ومحامين، عن أكثر من 12 محاميا مطلوبا في نينوى، احتُجز بعضهم ويقبعون في السجن لتهم تتعلق بالإرهاب، بمن فيهم 5 في مديرية الاستخبارات ومكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية في سجن الفيصلية شرقي الموصل.
واضاف التقرير أن المحامين الذين تمت مقابلتهم قالوا إن «العديد من القضاة في الموصل وحولها يعملون بشكل وثيق مع أجهزة الأمن».
ويبدو أن بعض التعليقات التي أدلى بها بعض القضاة لـ«هيومن رايتس ووتش»، رافضين مزاعم المضايقات ومبررين اعتقال المحامين، تدعم تلك التصريحات.
عضوان بارزان في نقابة المحامين أوضحا للمنظمة أن «الاعتقالات مبررة، وبدا من تعليقاتهما أنهما يقفان إلى جانب القضاة والأجهزة الأمنية. ونتيجة لذلك، لم يقدم أي من المحامين شكاوى لأي من الهيئتين. ولم يقل أي من المحامين إنه اتصل بالمفوضية العليا لحقوق الإنسان أو مكاتب المفتش العام».

«إعلان أساس الملاحقة»

وطالبت المنظمة، مجلس القضاء الأعلى الاتحادي بـ«إعلان أساس ملاحقة المحامين الذين تم القبض عليهم في العام الماضي بتهم الإرهاب، وضمان عدم محاكمة أي محام بما يتعارض مع معايير الأمم المتحدة».
وأكدت أن «ينبغي للمجلس أن يضمن حق المحامين وغيرهم من المحتجزين بتهم الانتماء إلى داعش في اختيار تمثيلهم القانوني. يجب أن تُتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان وصول من تعتبرهم السلطات أعضاء في داعش، مع ذلك، وصولا غير مشروط إلى المحاكم ووثائق الهوية الحكومية».
كما طالبت أيضاً رئيس الوزراء ورئيس نقابة المحامين بـ«إصدار تصاريح تدعو جميع المسؤولين العراقيين إلى احترام المادة 24 من قانون المحامين (رقم 173 لسنة 1965 مع تعديلاته)، التي تنص على ألا يواجه المحامي عواقب جنائية أو مدنية عما يورده في مرافعاته بالنيابة عن موكله».
خالد، محام لدى منظمة تقدم المساعدة القانونية في الموصل وحولها، قال إن «في فبراير/شباط اقترب منه مدير المخابرات حينما كان في مكتب المخابرات في وزارة الداخلية في مدينة حمام العليل، حيث كان يقدم طلبات تصاريح أمنية ووثائق مدنية لعائلات محلية نزحت إلى مخيمات بسبب القتال، (ينبغي أن تحصل جميع العائلات على تصاريح أمنية للحصول على وثائق أو للعودة إلى مناطقها)، وقال له إن قدمت أسماء موجودين على لائحة المطلوبين، سنحقق معك».
في وقت لاحق من ذلك الشهر، كانت منظمته تعقد جلسات للمساعدة القانونية في مدرسة في الموصل. بعد الجلسة الأولى، اقترب منه رجلان، قالا إنهما ضابطان من مخابرات «قوات الحشد الشعبي»، التي تأتمر من رئيس الوزراء، وقال له أحدهما «يوجد العديد من العائلات المنتمية إلى داعش في الحي، ولا يسمح لكم بمساعدتهم».
وشرح خالد طبيعة عمل المنظمة والمبادئ الأساسية الإنسانية وراء عملهم، لكنه لاحظ في الجلستين التاليتين رجال في لباس مدني يراقبون الجلسات، لذا أنهت المنظمة المشروع.
أما محمود الذي يدير فريقا من المحامين يعملون مع منظمات أخرى، فقد هدده خلال الأشهر الماضية، ضباط من المخابرات في 4 مكاتب مختلفة تصدر وثائق مدنية جديدة.

«لن ترى الشمس»

وقال محام يعمل لدى منظمة أخرى، إنه توجه إلى مديرية الأحوال الشخصية في القيارة حاملا ملفي شابين مراهقين توفي والدهما وتخلت عنهما والدتهما. وأوضح أنه طلب من ضابط من جهاز الأمن الوطني تصريحا أمنيا للاستحصال على وثائق مدنية للشابين. لكن الضابط ألقى نظرة إلى الملف ورفض قائلا «إن أحضرت ملفا آخرا كهذا سآخذك إلى حيث لن ترى الشمس مجددا».
كذلك، أكرم، وهو شخص آخر يدير فريقا من المحامين لصالح منظمة، فقد أشار إلى أن في منتصف يونيو/حزيران اتصل به فريقه ليخبره أن ضباط المخابرات في مديرية الموصل للأحوال الشخصية يمنعونهم من تقديم الملفات للحصول على التصاريح الأمنية نيابة عن العائلات التي يعتبرها الضباط مرتبطين بـ«الدولة».
وحين استفسرت «هيومن رايتس ووتش» عن المحامين الذين اعتقلوا في نينوى، بين، قاضيان في محكمة نينوى لمكافحة الإرهاب وقاض في محكمة الموصل الجنائية إن «المحامين متهمون بارتكاب أفعال معينة قبل أو خلال حكم داعش، أو لتعاونهم مؤخرا مع عائلات أفراد مشتبه في انتمائهم إلى داعش في التعرف إلى وقتل شهود يقدمون شهاداتهم ضد أقربائهم».
وطلبت المنظمة، رؤية ملفات قضايا المحامين المتهمين، آملة تحديد أسس التهم الموجهة إليهم، لكن القضاة رفضوا متذرعين بأن القضايا «سرية للغاية».
أحد كبار القضاة قال: «منذ أن صدرت مذكرات التوقيف، لم يعد المحامون يقبلون التكليف بقضايا لمشتبه في انتمائهم إلى داعش، ويكتفون بقبول قضايا أشخاص يظنون أنهم اتهموا زورا، عادة بسبب تشابه أسماء مع مطلوبين».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here