أدلب ، معركة الحسم !

(١) يقال بأن لا أحد يتعلم من التاريخ ! لأن لو تعلم الناس من التاريخ لما وصل الناس لما هم فيه من التطور ، فحكمة الماضي تبدو تضع العراقيل في عجلة التاريخ والحياة . فالناس تولد في حقب مختلفة ، ولكل فترة فكرتها عن نفسها . فليس الناس هم من يصنعون افكارهم ودوافعهم لعمل وإنما يجيدون تلك الأفكار في مجتمعهم ويتبعوها ، لذلك هم أدارت لما في مجتمعهم من إفكار وميول ، والتي تنشأ بعيداً عن الناس جمعياً ، وكأنها القضاء والقدر . ولهذا يبدو مسيرين وليس وليس مخيرين ، ولكن خداع العقل ومكر التاريخ ، يظهر للناس وكانهم هم الذين يصنعون تاريخهم وحياتهم ، وأن الأفكار تعبر عن ارادتهم وحريتهم ، وهي اختيارهم الحقيقي . لذلك ، يبدون لنا الحديث ، عن حرب محتمله ، ليس شيء عبث وغير معقول ، فالحرب ليس شيء يقرره الناس ، فهي شيء يحدث لهم وهم عليها دفع عجلاتها . فالحرب العالمية ، لم تحدث ، سوى نتيجة حدث عارض ، وكذلك الحرب العالمية الثانية ، كانت نتيجة صعود هتلر لسلطة ، والذي أجبر العالم على خوض الحرب ضده ، فاحرب والفلونزه ، هما كلاهما يحدثا ، بعيداً عن أي حرص لتفايهما . ونظن أن أدلب السورية ستكون هي الفلونزه التي سوف تزكم أنف العالم ليعلنها حرب طاحنة ، رغم كل الخوف من الحرب ومخاطرها الجسيمة في عصرنا .

(٢) لا يقودنا مثل هذا التحليل ، إلى الجزم بأن الحرب محتمة في حالة البدء بتحرير أدلب ، ولكنه ، يبدو أيضاً يضعنا على عتبتها ، على حافتها ! فهناك ، الكثير من العوامل التي تجعل الدول الكبرى تقف فيها وجهاً لوجه . فتحرير أدلب لم يعد حدث سوري محض ، بل بات حدث عالمي ! وآية ذلك أن الغرب ، وأمريكا ، مع أدلب باتا يقفا على آخر شبر من الأراضي السورية ، التي حلموا أن يجعلو منها امبراطورية إسلامية أو على الأقل دولة إسلامية ، ولهذا يبدو بأن تحرير سيكون صفعه قوية لهذا المشروع . وهذا بالضبط ما عناه البرلماني الألماني ، حين قال ، بأن الغرب أهين في في سوريا ! ولا نحتاج هنا نعلل وجه الأهانة هنا ، فالأحداث الكثير التي رافقت الحرب على سوريا كفيلة لمن تابع مجراها ، ليضاح معنى هذا الكلام ، فالغرب ، فعلاً ، أنهزم في تحقيق مشروعه مع التدخل الروسي على وجه التحديد . ولذلك ، بقت أدلب هي المسمار الأخير الذي سوف يدق في تابوت الدولة الإسلامية . ومن هنا ، ستكون المواجهة على أشدها ، فما الرضوخ لمنطق الأشياء ، والتسليم بالهزيمة ، وتجرع السم ، أو محاولة ، تجريب النصر البروسي القديم ، والذي يعني ، الانتصار الذي يشبه الهزيمة ، فهو لا يعني ، سوى ، مد رقعة الدمار على اكبر مساحة ممكنه . وبما أن العقل ، في وقتنا الحالي ، قد أعفى من تدبير سير الأحداث ، فأن النصر البروسي ، يبق ممكن كحل لمشكلة أدلب !

(٣) أن القوى التي ستواجه في سوريا معروفة ، فأولاً الجيش السوري وحلفاء الإيرانين وحزب الله ضد قوى الارهاب من جهة ، وتركيا معهم بوصف المسيطرة على تلك المنطقة والتي ترفض شن حرب على الأرهابين ، ومن جهة آخر أمريكا بوصفها المدافعة عن المدنيين ، وضد الكيماوي الذي سيرافق هذا العملية بشكل مصطنع ، ومفبرك ، لكي يوفر الغطاء لتتدخل الغربي من جهة آخرى . أما روسيا فهي ستكون رأس حربة الجيش السوري في شن الغارات المميتة على الارهاب . ففي هذه المعركة ستواجه كل تلك القوى ، ولكل منهم ، مبرارته لخوض هذه الحرب ، فالحكومة السورية هي وحلفاءها يريدون أنهى هذه الحرب بسرع وقت ، وجود الأرهاب بكل فصائله وقواه ، يجعل من المستحيل أنهى هذه الحرب الطويلة ، وهذا المطلب مشروع من جميع المعاير والأعراف الدولية . أما الأتراك لا يريدون لهذا الأرهاب نهاية وعلى يد الجيش السوري على وجه الخصوص ، لأن ذلك سيفقدها الكثير من الآمال والطموحات الغير مشروعه في الأراضي السورية ، فاردغادون خاض هذه الحرب ضد سورية وفي جعبته احلام كبيرة ، فقد كن يخطط لأخذ حلب والمناطق الكردية وكثير من المناطق الآخر ، لكن عجلة الحرب سارت بغير ما يشتهي ويطمع ، وهو لذا لا يريد أن يفقد آخر ورقه بيده . أما أمريكا ، فهي الآخرى ارادت هي وأسرائيل أن يكون لهم محط قدم في أرض سوريا ، فسوريا كان مفروض أن تقسم بين دول الجوار ، وتعطى بعض المناطق ضياع وأماكن استجمام لدول الخليج والسعودية . بيد الأمور لم تحقق احلامهم . وأما روسيا ، باتت مسؤول أخلاقياً ، أن تعيد لدولة السورية كل ما وقع في الأرهاب والدول الآخر ، لكونها دولة قوية وبإمكانها فعل ذلك .

(٤) وكل هذا الدولة المشتركة فعلياً في صراع ضد سورياتعاني من نقتطف ضعف ، يمكن لسوريا وحلفاءها استثماره واستغلالها في تحقيق الانتصار النهائي على الارهاب . فنحن لو نظر إلى تركيا في موقفها الحالي من الارهاب ، نجد أنها وصلت لطريق مسدود . فهي قطعت كل الجسور التي تربطها في الغرب ولم تبق سوى خيوط واهية. تصلها بهم . فالغرب أراد من تركيا ، في الأساس ، أن تكون أداته في قمع كل تحرك في المنطقة ولخدمة أهداف الغرب ، ولكن ما حدث لتركيا في عهد اردغاون ، هو ما يحصل لكل عميل يقف على قدميه ، ويريد أن يستقل عن الوصاية ، ويعمل لحسابه الخاص ، بعيداً عن كل أمر ، ولهذا تعقدت علاقة بهم وفِي أمريكا وصلت حد القطيعة ، وفقدان الثقة نهائياً. وهي من ناحية ، ونتيجة ، للعلاقة المأزومة مع الغرب وأمريكا ، ندفعت صوب روسيا وأيران ، كحبل نجاة . وبعد تطورات وتعقيدات الأوضاع في المنطقة ، لم يعد في الأمكان رجوع تركيا ، إلى المربع الذي انطلقت منه ، أعني ، لم يعد في أمكانها أرجاع العلاقة إلى سابق عهدها مع أمريكا والغرب إلا بدفع ثمن باهظ ، قد يكون رأس اوردغاون يقدم على طبق من ذهب ، وهذا ما لا يقدر عليه ، ولا يغامر به ، فكل ما عليه أن يفعله هو الاندفاع في مغامرة حتى نهاية الشوط . وهذا ، يعني ، إذا أردنا أن نختصر ، هو الرضوخ لمطالب الحلفاء ، وأن بعد ممانعته وتعنت . وهنا على روسيا وأيران وسوريا ، أن يطروقوا على الحديد وهو حار ، ولا يضيعو الفرصة بالأنتظار ، ويستغلوا مخاوف السلطان التركي . فتركيا ، الآن ، في وضعها الراهن بموقف لا يحسد عليه . فهي يمكن أن تقدم تنازلات كبيرة إذا ما وضعت بين خياران ، أما فك علاقتها مع الأرهاب ، وتحرر أدلب منهم ، أو الرجوع إلى حضن أمريكا من جديدة .

(٥) وليس حال أمريكا ، في سوريا بأفضل من حال تركيا ، فالارض يوم على يوم تنحسر تحت أقدامها ، والحصار يشتد حول مع كل تحرير لمحافظة وبلدة . فلقد نجح الروس ، في تحييد أسرائيل ، وقبولها ، بما تسفر عنه الأحداث . لذلك ، نرى ان هستيريا أمريكا تتضاعف ، مع وقع المعارك والانتصارات لجيش السوري ، وتبخر الحلفاء من حولها ، وقرب زمجرت دبابات الحلفاء منهم . فلا يريد الجيش الأمريكي ، أن يبقى محاصر في سوريا ، فحينما يتم تحرير أدلب ، يغدو الوجود الأمريكا ، تطفل لا معنى ، وغير مرغوب به ، وسوف ، يفاقم من أزمتهم النفسية ، لذا ، ستبدو معركة أدلب وكأنها تحدي مباشر للأمريكا ، قبل تركيا ! لذلك باتت تستنجد في حلف الناتو ، في تعزيز وجودهم هناك ، في قاعدة النتف ، ولكن هذا يبدو أشبه في المستجير بالنار من الرمضاء ، فكلفت هذا الوجود سوف لن يسدده السعودين إذا طال بلا هدف . وعليه ، فأن المأزق الأمريكا ، هو كله ، بنهاية التحليل ، متأتي من العناد ، بأن يصبح لروسيا محط قدم في الشرق ، والذي ، بات حقيقة ، بفضل هبوب رياح ” الربيع ” السيء الصيت . وبما أن كما يقال ، عادةً ، لكل شيء خاتمه ، فأن خاتمة الوجود الأمريكي ، رهن في ما تسفر عنه معركة أدلب ، ولو ، أن الأمريكان تَرَكُوا العناد ، وسترشدوا بالعقل ، فأن الرحيل قبل معركة أدلب سيكون موقف مشرف وأقل تكاليف لهم وللعالم أجمع .

(٦) لا نستطيع لحد الآن أن نعرف كيف ستكون المواجهة في أدلب ، فهل تقتصر على الجيش سوري وحلفاء وعلى الرهاب وكل فصائله ، أم أنها ستكون مواجهة شاملة ، بين الأرهاب وحلفاءه بحججهم المختلفة ، وسوريا وحلفاءها من ناحية ، أي ستكون مواجهة بين طرفين كبيرة ، قوتين كبيرتين في العالم ، عنيا بهما روسيا وأمريكا والناتو ؟ ويبدو هذا هو ما يتنبئ به ، من يقرأ ، ردود فعل الطرفين على الأعلان عن قرب ساعة الصفر للمعركة . فهل تكون أدلب هي مرمة واترلو ؟ بالطبع ليس غريب أن تقود احداث بسيطة لحادث ضخم بحجم الحرب العالمية ! مادام لا يوجد ما يحول دون ذلك ، فهي تتخذ ذريعة وسيلة ، لذلك ، بعد تراكمات كبيرة ، ونحن نعرف ، ما بين روسيا وأمريكا والغرب ، فهناك أحقاد وضغائن دفينة ، وتهديدات متواصلة ، وتنافس مستمر على السيادة المطلقة . لذلك نرى الروس يتريثون في شن الهجوم ، لأنهم يعرفون هناك من يعمل على توريطهم في حرب شامل . ولذا يعملون على تفتيت الأرهاب من الداخل ، وعن طريق الأتراك ، بعد أن يجعلوا الأتراك يشعروا بعبء الارهاب ، وأن أمريكا لم تعد حليف مضمون لهم . وكل هذا يحتاج وقت طويل ، ولكن حين ينفذ صبر أحد الطرفين ربما يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه . فسوريا ، من ناحية ، يدفعهاوضعها الداخلي لحسم تلك البؤرة من الأرهاب ، وهذا ، أيضاً ، يمكن أن يقود إلى الاصطدام ، فبدون حسم تلك القضية سيكون هناك أحتمال للحرب . فأدلب ، في وضعها الحالي هي مصدر خطر عالمي ، لا تجنى منه فوائده سوى فئات محدودة لبعض الأطراف قليلي التبصر بالعواقب المتحملة من بقاءها على حالها .

(٧) ومن كل ما قلنا ، يمكن الأستناج ، بأن معركة أدلب سوف لن تكون سهلة ، لأنها حسب ما يعتقد المحللون ستكون المعركة الفاصل بين الأرهاب ورعاته ، وما يسمى محور المقاومة ، وحينما تكون بهذا الحجم ، فشيء طبيعي ستكون حافلة بتعقيد . ولكن هل يمكن لنا أن نتبأ بتيجتها ، إذا كان لها نتيجة ، وهي مثلما رأينا سوف تمتد على رقعة واسعة ، إذا تمسك الطرفين بحلهم ورؤيتهم للحل ؟ من السهول معرفة ما تسفر عنه هذا المعركة إذا ترك الجيش السوري وحلفاءه مع الأرهاب بدون تتدخل أمريكا وتركيا ، فهي ستكون محسومة بغضون أيام لصالح سوريا ، ولكن بتدخل تركيا وأمريكا يغدو من المستحيل التكهن بالنتيجة ، نطراً لما تنطوي عليه من تعقيدات ومفجاءات يصبح معرفة مسارها ضرب من المستحيل . بيد أن الشيء الأكيد ، أن هذه المعركة باتت محتومة ، نظراً ، لخطورة السكوت على وجود الأرهاب الذي يمكن أن يهدد كل ما حققه الجيش السوري وحلفاءه على عدد من السنيين العجاف . فالقضاء على الأرهاب مسألة ملحة ، في حين أن الآخرين يستثمرون الأرهاب ويوظفونه لمصلحتهم . وهذا التعارض بالموقف من وجود الأرهاب في أدلب هو الذي يجعل شن الحرب قضية وقت ليس إلا ، ويبقى كل ما علينا نحن الذين ينتظرون بفارغ الصبر نهاية هذا الأرهاب ، لكونه شغله مساحة واسعة في تفكيرنا ، أن نتظر ما تؤول الأمور !

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here